"زلزال تركيا وسورية".. قصص وزوايا إنسانية تستوقف العالم وتوحد المشاعر

مشاهد من آثار الزلزال في تركيا - (أرشيفية)
مشاهد من آثار الزلزال في تركيا - (أرشيفية)
تغريد السعايدة ما إن يشاهد متابعون خلف الشاشات محاولة إخراج طفل من تحت انقاض الزلالزل، لتتسارع دقات القلوب، وتخرج التكبيرات ويلهج اللسان بالحمدلله على النجاة، وكأن هذا الطفل هو ابن لكل من يراقبه. قصص إنسانية تهز الوجدان تأسر يوميات الأردنيين في كل لحظة تنتشر فيها العديد من الأحداث والقصص القادمة من تحت الركام في الأماكن المنكوبة في سورية وتركيا، بعد أن هز الزلزال فيها أركان ما يزيد على ٥ آلاف مبنى، وقعت على رؤوس ساكنيها. بالرغم من حجم المصيبة التي يعيشها سكان تلك المناطق التي اعتبرت منكوبة، إلا ان القصص الإنسانية التي تتوارد عبر منصات التواصل الاجتماعي، تجعل الجميع ينتظرون بريق أمل من خروج أكبر عدد ممكن من الناجيين، بل وبات كثيرون ممن يتابعون الأحداث عن بعد، يتبادلون تلك الاخبار والمقاطع التي تتحدث عن إنقاذ البعض ويرسلونها لبعضهم البعض، وكأنهم على علاقة تربطهم بالناجين. هذه المشاعر التي تظهر مع كل حدث إنساني يقع في أي بقعة من الأرض، يثبت مرة أخرى مدى التجانس والشعور الذي يحفز الإنسان للوقوف إلى جانب الآخر الذي يعاني من ظروف استثنائية، وقعت نتيجة أحداث كارثية طبيعية، لم يكن للانسان قدرة على تخطيها ومواجهتها كما في الزلازل الأخيرة. مرت أيام وساعات ثقال على العالم أجمع وهو يتابع الأحداث جراء الزلزال في تركيا وسورية، والذي ما زالت تبعاته حتى هذه الساعات، بل ويتوقع المسؤولون عن حالات الإنقاذ وإخراج الوفيات والمصابين إلى أيام وأسابيع، عدا عن التبعات الأخرى التي قد تستمر لأشهر وسنوات، وخاصة من الجانب الاقتصادي والنفسي على سكان تلك المناطق، والعالم أجمع. “شاهد لحظة إخراج طفل رضيع من تحت الركام، مقطع يظهر أطفالا على قيد الحياة من بين الانقاض، فيما يشاهد آخرون مقاطع لالتقاء أشخاص بأحد أفراد عائلاتهم يُسحب من بين الصخور المتراكمة فوقه.. وتتعالى الصرخات والتكبيرات والحمد لله”. كل تلك هي افتتاحيات لمقاطع فيديو مصوره بطريقة عشوائية لأشخاص تواجدوا في محيط الركام، ولكنها أصبحت” تريند” وتنتشر كالنار في الهشيم عبر صفحات مواقع التواصل لتصل للملايين خلال لحظات، والتي تُظهر مدى التعاطف وتوحد المشاعر الإنسانية التي يعبر عنها المشاهدون من خلال تعليقاتهم على ذلك، والدعوات التي ترافق تلك التعليقات، بل وسؤال كثير منهم عن كيفية المساعدة التي يمكن أن يقدموها. وفي الوقت الذي يترقب فيه العالم الارقام التي تتزايد ساعة بعد ساعة، ويوما بعد يوم لعدد الوفيات الذين يقبعون تحت الانقاض، بينت منظمة الصحة العالمية أن الموشرات تشير إلى أن الأضرار اللاحقة للزلزال قد توثر في ما يزيد على 23 مليون متضرر، بأشكال مختلفة، منذ ساعة وقوع الزلزال فجر يوم الاثنين الماضي، وما زالت الانقاض تخرج الجثث التي قد يكون بعضها توفي نتيجة صعوبة إخراجهم في وقت مبكر، عدا عن الانخفاض الحاد في درجات الحرارة. وفي ذات السياق، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” من المخاطر التي وقعت ومتوقعة من تبعات الزلزال المدمر للبلدين، حيث أظهرت الاحصائيات وجود عدد كبير من الأطفال الذين لقوا حتفهم تحت الانقاض، وهو الامر الذي قد يكون من أكثر الاسباب التي أثارت شجون وحزن العالم على الأطفال المنكوبين. عشرات الدول هبت لتقديم يد العون والمساعدة في المناطق المنكوبة، وأزال التعاطف الإنساني جميع الحدود وتدافع الملايين للتبرع بما تجود به قدرتهم، وهو ما حدث تماما في الاردن، كغيرها من الدول، حيث دخل الكثيرون إلى المواقع الخاصة بجمع التبرعات المعتمدة، وعمدت الحكومة بتوجيهات ملكية إلى ارسال قوات خاصة للمساعدة في عمليات الإنقاذ، بالإضافة إلى مساعدات عينية أخرى لمساعدة الناجيين، في ظل هذه الظروف العصيبة التي ترافقت مع برودة الأجواء. الهيئة الخيرية الاردنية الهاشمية، فتحت باب التبرعات للمواطنين، والذين سارعوا إلى تقديم ما يستطيعون التبرع به من خلال حملة الاستجابة الطارئة، كما اطلقت مؤسسة ولي العهد حملة “دينارك حياة”، والتي تحفز المواطنين للتبرع بأقل ما يمكن في سبيل جمع اكبر مبلغ مالي ممكن. وجاء في اعلان المؤسسة عن حملة دينارك حياة، أن “إخواننا في الشمال السوري وتركيا بأمس الحاجة إلى مساعدتنا ومساهمتنا بتأمين الاحتياجات العاجلة وهذه الحملة هي لمد يد العون والمساعدة لهم من خلال التبرع لحساب منصة نوى على CliQ – باسم NAUA”. الخبيرة في علم الاجتماع الدكتورة فاديا ابراهيم ذهبت الى أن الكوارث الطبيعية التي قد تؤثر في حياة آلاف وحتى مئات الآلاف من البشر تكون في دقائق قليلة، وتخلف الموتى والجرحى والدمار للمنازل والبنية التحتية وتترك خسائر كبيرة مادية ومعنوية على الافراد والمجتمعات والدول. وبينت ابراهيم أن أول المستجيبين هم الاشخاص الموجودين على أرض الحدث وهم أفراد المجتمع، وهذه الاستجابة تكون تلبية لنداء الانسانية لإنقاذ ومساعدة ما يمكن مساعدتهم من الأفراد المنكوبين ومساندة أهاليهم وأسرهم، وتكون المساعدة بشكل فطري وبسيط كل حسب استطاعته متناسين الفروقات الاجتماعية والطبقية أو حتى الدينية. كما ترى ابراهيم أن الشيء الوحيد الذي يجمعهم هو لغة الانسانية، ومن ثم يأتي دور السلطات المحلية ومنظمات الإغاثة الموجودة على أرض وقوع الحدث والتي لا تتوانى عن عمل قُصارى جهدها لتقديم الإغاثة الانسانية السريعة والمنقذة للحياة، وبعد انتشار الخبر تتسع دائرة الاغاثة وتبدأ الدول المجاورة والصديقة بإرسال المساعدات الطبية والانسانية. وهذه الظاهرة كما تقول ابراهيم هي غاية في الإنسانية في مد يد العون والمساعدة لكل ملهوف ومحتاج، فبغض النظر عن الجغرافيا والسياسة والاقتصاد تبقى الانسانية هي الجامع والمحرك الأكبر للمجتمعات والشعوب. التطور التكنولوجي والرقمي، بحسب ابراهيم، ساهم في جعل أفراد العالم أجمع على اطلاع بما يحدث لإخوانهم في الانسانية من كوارث وأزمات من خلال الاطلاع على صور وفيديوهات الضحايا والاشخاص المتأثرين بالنكبات، وهذا يزيد شعورهم وتضامنهم واحساسهم بهم ويزيد من إكثار الدعوات والمساعدات النقدية والعينية من خلال المبادرات الشعبية. وتؤكد ابراهيم أيضاً أنه في حال حدوث الكوارث الطبيعية في أي دولة على الدول والجهات الحكومية والرسمية في باقي الدول أخذ العبر والدروس والتدابير الوقائية اللازمة في حال حدوث لا قدر الله أي شيء من هذا القبيل. كما تشدد ابراهيم على أهمية نشر التوعية بين أفراد المجتمع ونشر ثقافة التعامل مع الكوارث والازمات الطبيعية من خلال المؤسسات التعليمية والمؤسسات الاعلامية ومنظمات المجتمع المدني ومواقع التواصل الاجتماعي. “ومن المهم أن نغرس في نفوس أبنائنا أهمية وضرورة المساعدة والإغاثة في حال حدوثها لا سمح الله، وكذلك يجب أن ننشر ثقافة إعادة اعمار وتأهيل الافراد والأُسر والمجتمعات المنكوبة وليس فقط إعادة اعمار المباني والمنشآت ويكون ذلك من خلال التركيز على تقديم الدعم المعنوي والنفسي والاجتماعي للمتضررين وأسرهم ورفع المعنويات في المجتمعات المنكوبة ونشر الأمن والطمأنينة في نفوس المواطنين”، وفق ابراهيم. في اليوم الرابع بعد الزلزال العنيف الذي هز شرق المتوسط، ارتفع عدد الضحايا حتى الآن لـ 12,873 شخصا في تركيا و3,508 في سورية جراء الزلزال الذي ضرب في وقت مبكر الاثنين وبلغت قوته 7,8 درجات. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان