مبدعون وكتاب يتساءلون: متى تتغير صورة المرأة النمطية في الأدب والفلسفة؟

998
998
عزيزة علي عمان- رأى بعض المبدعين والمبدعات أن المرأة هي وقود الحروب التي تشتعل في العالم، وتتحمل المسؤوليات التي تقع على عاتقها، ولا تتخلى عن أي دور من الأدوار المناطة بها، رغم ما تتعرض له من ضغوطات، اجتماعية وسياسية وثقافية. كما أشاروا إلى أن المرأة على المستوى الإبداعي والفلسفي، حققت الكثير من الإنجازات، واعتبروا أن صور المرأة التي رسمها الكتاب والأدباء كان بعضها “مهترئة” لنساء طحنهن الزمن. القاصة والمترجمة ماجدة العتوم قالت: “المرأة فيما أكتبه هي المرأة/الإنسان التي تعيش الحياة بكل تفاصيلها وتناضل من أجل تحقيق أحلامها وإنجاز أهدافها.. هي المرأة الأم والأخت والزوجة والابنة والعاشقة. وهي المرأة العاملة والمبدعة والمناضلة والحالمة. هي المرأة التي تكوّن المجتمع مناصفة مع الرجل. وتشكّل دعامة أساسية لبيتها وعائلتها وعملها ومجتمعها”. تواصل العتوم: المرأة هي كل هذا وذاك، ولا تتخلى عن أي دور من تلك الأدوار، رغم ما تتعرض له من ضغوطات. هي الإنسانة أولا وآخرا، ولا يمكن التقليل من دورها ولا الإنقاص من قيمتها، فهي تسعى بكل ما فيها من طاقات ورغبات لتكون موجودة في كل جزئيات الحياة ونواحيها. وترفض العتوم صورة المرأة النمطية الخاضعة المستسلمة، التي هي موجودة في الأدب، مؤكدة أن المرأة رغم كل ما تواجهه من صعاب وعراقيل وتحديات بحكم الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكنها تقاوم ولو حتى من خلال تحمّل تقبّل كل الأدوار المنوطة بها لتبثت حضورها ولا تغيب عن المشهد. وأكدت العتوم أن الامومة لا تتعارض مع إبداع المرأة، بل هي تعمل جاهدة لتدعم كل واحدة فيها الأخرى. فالمرأة مخلوق مناضل يرفض الاستسلام ويحارب من أجل البقاء والحضور جنبا إلى جنب مع نصفها الآخر، ولا بد أن هذا أمر يُحترَم ويُقدّر ويُحسَب لها، ولا بد من النظر إليها من زاوية إنسانية بعيدا عن الجندرية، لتواصل القيام بمهامها ويظل المجتمع صحيا ومتوازنا. القاصة سحر ملص قالت: كيف نحتفل بيوم المرأة عالمي، وأنا ارى اضطهاد وظلم العالم، يحصد رؤوس الرجال والأطفال والنساء، في معظم بقاع الأرض مشتتا النساء والأطفال في أرجاء المعمورة، هل نضيء لها شمعة في يوم واحد من أيام السنة ثم نحرقها بلهيب قنابل الحرب في مدن العالم، تلك المرأة التي تلد الحياة، وتهدهد الأطفال، تغني لهم في دياجير العتمة، وتحضن طفولتهم، وتربي أرواحهم لتأتي آلة الحرب تردم لها ما فعلت؟. وتضيف ملص، هل اتحدث عن المرأة الحصادة أم العاملة. الأم أم الزوجة، العالمة أو المعلمة، الطبيبة أو الممرضة؟ أليست المرأة هي صوت العالم الشجي الذي تحن له الأرض فتخرج زرعها، ألم تغني حواء لآدم كي تؤنس وحشته في صدى الزمن العتيق، مبينا أن المرأة هي صانعة الحلم وربة الجمال راسمة دروب الرجال، ليقودوا العالم ثم يأتي من يقدمهم قربانا لشياطين الحرب، وتتساءل ملص: هل أوقدت المرأة شعلة الحرب عبر التاريخ، هل دقت طبول الحرب أم أنها دوما كانت حاملة راية السلام. ومن ناحية إبداعية ترى ملص، أن صورة المرأة التي رسمها الكتاب والأدباء لها، كان بعضها مهترئة لنساء طحنهن الزمن. واستعبدتهن جدران وقيود واهنة جعلت منهن قابعات خلف ستارة التسلط الذكوري، فبعض الصور أظهرتهن خانعات، جاهلات مع أن بعض الصور الحقيقية للمرأة أظهرت عظمتها وقوتها، وهل رسمت أقلام الكتاب صورة المرأة الحقيقية، أم أن المرأة ذاتها كانت تقف أمام مرايا محدبة أو مقعرة تشوه الصور وتجعلها لا تؤمن بذاتها وقدراتها. وخلصت ملص إلى انه عندما وقفت المرأة أمام مرآة صادقة حقيقية ظهرت صورتها الأصلية شاهدناها على قمة رأس الهرم الانساني العامل والعالم، إذن المسألة قضية مرايا وإرادة، وأين تضع المرأة نفسها وتؤمن بقدراتها، لكن المرأة أينما كانت وحيثما وجدت فهي انسانة عظيمة، داعية الى التخلص من الصورة النمطية للمرأة ويعاد رسم هذه الصورة بمداد الحقيقة. من جهته قال الناقد والأكاديمي الدكتور راشد عيسى، إن المرأة حققت إنجازًا جيّدًا في مجال السرد عربيًا وعالميًا، لكنها في مجال الشعر ما تزال قصائدها واقعة ضمن المألوف والتقليدي، فأغلب شعر المرأة صدى، وخواطر تدافع عن الذات دفاعًا عاطفيًا لا يستند إلى معرفة عميقة، معتقدا أن شعر المرأة حتى الآن ما يزال متراجعًا عن الاشتباك مع قضايا الحب والسياسة والفلسفة. وثمة استثناء لكنه ضئيل جدًا لا يُقاس عليه. وعن صورة المرأة في الأدب رأى عيسى، أن صورة المرأة في أدب الرجل أو في أدبها هي ما تزال تتحرك ضمن الأم والحبيبة والمناخات الأسرية بصورة عامة وقلّما اشتبكت مع التاريخي والفكري والسياسي، وإذا تجاسرت على الاشتغال على ظاهرة استلاب الحقوق الأنثوية فنجد تطرفًا وانزياحًا مبالغًا فيه، وهو تطرف سيصطدم بالضرورة مع منظومة الأعراف والسلطة الذكرية. لن تتقدم صورة المرأة في الأدب العربي المعاصر خطوة حاسمة ما لم تتحقق في المجتمع نهضة تنويرية حقيقية. وأشار عيسى إلى أن صورة المرأة الشائعة في الرواية والشعر، هي الحبيبة الكاملة أو الخائنة وأحيانًا المناضلة على قلة هذا النوع الأخير، فما يزال موقف الرجل الأديب من المرأة موقفًا حسيًّا أو موقفًا انفعاليًا يدين المرأة أما المرأة النموذج سواء نضاليًا أو فكريًا فشبه غائبة عن الأدب الطليعي، لافتا الى أن هناك بعض القفزات الإيجابية، ولكنها صغيرة لا تملك مسار الديمومة الكافية لإحداث نقلة في الوعي الجمعي. واعتبر عيسى تراجع قضايا المرأة، انتهت بتراجع قياداتها من المشاريع النهضوية المطروحة مع أن معظم رائدات الفكر التنويري حملن رسائل إنسانية نبيلة، لكنها لم تنجح بالصورة المأمولة لندرة مشاركة الرجل في ذلك مشاركة رئيسة، فلا يمكن أن تتحقق نتائج إيجابية ملموسة دون شراكة فاعلة بين المرأة والرجل. وعبرت الناقدة الدكتورة دلال عنبتاوي عن رأيها بالقول: عندما نتوقف عن المرأة المبدعة سواء أكانت قاصة أو روائية أو شاعرة، فإننا نرى أنها حاضرة وتسير جنبا إلى جنب مع الرجل المبدع، بل وكادت أن تتفوق عليه قليلا حين أصبحت هذه الصفحات الثلاث عالمها ومنبرها الحقيقي الواضح الذي تعبر من خلاله عما في داخلها من الآلام وهواجس وأفكار ومخاوف نحو ما يسير إليه العالم الآن من كوارث طبيعية وحروب بشرية طاحنة معلنة أو غير معلنة مرة بغطاء حرب بيولوجية جرثومية وفيروسية من كورونا وتحوراتها وتحولاتها ومن حرب تشهر السلاح وتهدد البشرية جمعاء بحرب نووية كارثية. ورأت عنبتاوي أن المرأة المبدعة كاتبة النص تعبر من خلال نصوصها عن كل القلق والخوف والحب الذي يستوطنها منذ الأزل. تقف للتعبير عن الحب والحرص والتوق الكبير للدفاع عن هذه الإنسانية المعذبة من خلال كلماتها الرقيقة ورؤاها العظيمة الحالمة دوما بعالم يخلو من الدمار ولايسوده الا الحب والعدالة والفرح ليحتفل العالم بها لحظتها احتفالا حقيقيا غير زائف ولا مهشم ويراها، حالمة بعالم يخلو من الألم والقتل والبطش والدمار والتنمر الذي يتسلط فيه الكبير على الصغير والقوي على الضعيف، وقتها يحق للعالم أن يحتفل بالمرأة. الدكتورة لينا جزراوي تحدثت عن المرأة في تاريخ الفلسفة، وأثرها في صُنع التاريخ. قائلة: إن تاريخ الفلسفة هو تاريخ الفلاسفة الرجال، ولذلك سادت فِكرة بدأت من الفلسفة الإغريقية بأن التفلسف هو عمليّة عقليّة تحتاج لإمكانيّات، ومهارات لا تمتلِكها المرأة لأن عقلها وبحسب فلاسِفة الإغريق كأرسطو وأفلاطون وسقراط، فيه عجز يمنعها من أن تُمارِس التعقّل والفضيلة، وهي أدنى من الرّجل في المكانة وفي الإمكانيّات، فالصورة الشائِعة عن المرأة هي التي رسمها الفيلسوف منذ بداية الفلسفة في بِلاد اليونان. وأشارت الى صورة المرأة في الفلسفة المعاصرة حيث حضرت بقوة في الفلسفة، مشيرة الى نجد سوزان ستبنج، الفيلسوفة وعالمة المنطق الانجليزية، وأيضا نجد سوزان لانجر، فيلسوفة الجمال وعالمة المنطق الاميركية، ويجب ألا ننسى سيمون دي بوفوار، الفيلسوفة الوجودية الفرنسية التي كتبت كتاب بعنوان “الجنس الآخر”، وأسست لمفهوم الجندر، كما كتبت عن الاخلاق وعن الشيخوخة، والفيلسوفة الالمانية الاصل حنة أرندت التي كتبت عن أصول الحكم الشمولي وكتبت عن الثورة، والعنف وعن الحرية وعن حياة العقل، وأصبحت فيما بعد منظرة سياسية وأسماء كثيرة لا تتسع المساحة لذكرها. ودعت إلى إعادة النظر في الآراء الساذجة حول المرأة في مجتمعنا، والتي تراها أقل قدرة عقلية، وأضعف في الامكانيات. فهي قادرة أن تكون في أي مكان تريد، بشرط أن تمتلك المؤهلات المناسبة للمكان.اضافة اعلان