نعم.. يمكننا الاتفاق والتغيير!

أهمية التعديلات الدستورية ومخرجات لجنة الحوار الوطني، لا تتمثل فقط في استجابة صانع القرار لبعض مطالب الشارع، بل تتعداها إلى الآلية التي تم التوصل فيها إلى التعديلات المقترحة، والمزج ما بين مخرجات عمل لجنة الحوار ولجنة التعديلات والتوافقات التي حصلت في هذه الأثناء. اضافة اعلان
ومع انتهاء مرحلة العمل على التوصيات، بات من الممكن الحديث عن المواقف التي انطلقت منها مثلا أعمال لجنة الحوار الوطني الموسعة. ففي بداية الاجتماعات، ظهر تباين في المواقف لدرجة تبعث على اليأس من إمكانية التوصل إلى اتفاق على قضايا مهمة وحيوية، مثل التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات والآلية التي ستحكم تنظيمها. وظهر في البداية تمترس البعض خلف عدد من المواقف المسبقة التي كانت تعني نسف جهود عمل تلك اللجنة. ولكن الحوار الذي رافق لقاءات عمل اللجنة، واللقاءات مع العديد من الفاعليات، وجهود رئيس اللجنة طاهر المصري، أظهرت قدرا عاليا من المسؤولية، وأتاحت التوصل إلى تسويات مقبولة. وكانت النتيجة النهائية "لا غالب ولا مغلوب"، فالكل كان معنيا بالحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي.
في ظل ما يجري حولنا من أحداث، ليس أبعدها سورية، بات من الواضح أن المدخل الأمني لم يعد كافيا للتعامل مع مطالب الشباب والفئات الاجتماعية المختلفة في الأردن. كذلك، فإن التلويح بأن الأردن يفتقر إلى مشروع سياسي يمكن أن يحقق قدرا كبيرا من التوافق السياسي بين الفئات المختلفة في الأردن ليس صحيحا. فالمسألة ليست لعبة صفرية؛ فيها رابحون وخاسرون فقط، بل تتعداها إلى صيغة يهم الجميع فيها الحفاظ على الاستقرار ورسم الخطوط بين السلطات المختلفة، التشريعية والقضائية والتنفيذية.
وتشكل التعديلات الدستورية خطوة عملية للرد على المشككين بإمكانية التوصل إلى صيغة سياسية جديدة تقوم على التوازنات الجديدة، والتغييرات التي استجدت على المجتمع خلال العقود الماضية. وهذا يتطلب أيضا العودة إلى النظام الانتخابي المقترح، وكيف يمكن تحقيق التوازن فيه من خلال صيغة تقوم على التمثيل الديمغرافي والجغرافي. والصيغة المبنية على القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظات تشكل مدخلا مناسبا لاستكمال حلقات الإصلاح وترجمتها إلى واقع عملي.
المطلوب الآن، وهذا هو التحدي الأكبر، ترجمة ما تم التوافق عليه بشكل واسع إلى خطوات عملية على الأرض، فعدم النجاح الذي رافق بعض المحاولات المتعثرة في السابق كان في التطبيق وليس في الرؤية، ومع شبه الإجماع المتحقق على ضرورة السير قدما لتجنب السيناريوهات الأسوأ، فإن ذلك يشكل فرصة سانحة.
ترجمة كل ذلك تكون عبر خطوات عملية يشهد أثرها المواطن، وتقوم على مبدأ العدالة أمام القانون، واستعادة الاحترام للمؤسسات الدستورية والرسمية التي تمكن المواطن من نقل شكواه ومظلمته عبر قنوات واضحة وآليات شفافة. عناصر التطبيق موجودة، ومن يضعون العصي في الدواليب باتوا أضعف. واكتملت الخيوط، فلنضعها معا ونثبت أن الكثير من المخاوف المعطلة للإصلاح وهمية ويمكن تجاوزها.