هل أحدث "كورونا" انقلابا في عادات لم تفلح جهود مجتمعية بتغييرها؟

Untitled-1
Untitled-1

منى أبوحمور

عمان- تمكنت الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة والقائمة على التباعد الجسدي وتقليل فرص الاختلاط لمواجهة جائحة كورونا والتصدي لانتشار الوباء؛ تمكنت من تغيير الكثير من العادات الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمع من قبل.اضافة اعلان
ذلك التغيير، الذي لم تفلح به محاولات وجهود مجتمعية بتغييره سابقا، كالعادات والتقاليد المرتبطة بالزواج والخطبة وكذلك بيوت العزاء وغيرها من التجمعات الاجتماعية التي باتت تشكل في الآونة الأخيرة حملا ثقيلا على أصحابها، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
ذلك التغيير الإيجابي، يتطلب أيضا مع الوقت وبعد انتهاء الجائحة؛ القناعة والوعي ليكون دافع استمرارية وحتى لا تعود العادات إلى سابقها بعد زوال القوانين الملزمة لذلك، وفق مختصين.
ورغم ظهور الكثير من المبادرات الوطنية والمجتمعية والوثائق العشائرية والمطالبات بتقليص هذه المناسبات والتخفيف على أصحابها بالاعوام الماضية، إلا أن تلك المحاولات لم تلق قبولا مجتمعيا، باعتبارها جزءا أصيلا من العادات والتقاليد المترسخة في المجتمع ومن غير السهل تغييرها.
خبراء يعتبرون جائحة كورونا واحدة من أهم محركات التغيير المجتمعي التي أثرت في سلوكات الناس وطرق معيشتهم وتعاملهم مع الظروف الراهنة.
الاكتفاء بالمقربين وقت الدفن، وتقبل التعازي على مواقع التواصل الاجتماعي، يعتبر تغييرا جذريا أحدثته جائحة كورونا في عادات العزاء في الأردن وفق خليل المحمدي الذي فقد والده خلال جائحة كورونا واكتفى بتلقي واجب العزاء عبر الفيسبوك.
يقول "نعم كان العزاء مختلفا وكانت المشاعر غريبة عند تلقي التعزية"، إلا أن عدم التفكير في العادات والتقاليد وتحضير الولائم واستئجار أماكن لتلقي العزاء خففت عبئا كبيرا، خصوصا أنه وفاة والده كانت فجأة.
إلى ذلك استطاعت الأفراح العائلية الصغيرة أن تخفف عبئا كبيرا عن المقبلين على الزواج الذين تمكنوا من عقد قرانهم بتكلفة قليلة ووسط أجواء من الفرح والسعادة رغم بساطتها.
من جهته يرى المتخصص بعلم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع أن جائحة كورونا أحد محركات التغيير وأثرت على سلوكات العديد من المجتمعات وغيرت عادات وتقاليد وأقصت العديد من سلوكات المجتمع.
ومن أهم العادات الاجتماعية التي غيرتها جائحة كورونا بحسب جريبيع، تكلفة الزواج وبيوت العزاء ومواكب التخرج والاحتفالات الكبيرة في مختلف المناسبات الاجتماعية، التي لم تستطع الكثير من المبادرات المجتمعية والوثائق العشائرية التي دعت في السابق الى التخفيف من أعبائها وبقيت مثار جدل في المجتمع.
ويعزو جريبيع التغيير الذي نجحت جائحة كورونا في إحداثه إلى حزمة الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة، للتصدي لجائحة كورونا ولعل أهمها التباعد الجسدي ومنع التجمعات.
ويضيف "لا ننكر على جميع الأصعدة أن جائحة كورونا خلقت بيئة للتغيير للعديد من الممارسات المجتمعية التي أصبحت مقبولة للناس"، وتمت الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي، مستبعدا أن تعود تلك الممارسات المجتمعية كالسابق بسبب الخوف والقلق من التجمعات الكبيرة.
إلى ذلك، فإن النتائج الاقتصادية التي جاءت بسبب جائحة كورونا وفق جريبيع والعامل الصحي الأهم في هذه المرحلة، هما سببان رئيسيان لتغيير شكل وأنماط العادات الاجتماعية وطرق التواصل المجتمعي.
الاستشاري الأسري مفيد سرحان يبين أن التغير الاجتماعي من أصعب وأدق عمليات التغير، وهي عملية بطيئة ومتدرجة وتحتاج إلى وقت، لأنها تتعامل مع قيم وعادات وتقاليد متوارثة من سنوات طويلة بل إن بعضها أصبح ملزماً في نظر الناس أكثر من القانون نفسه.
ومع أن عملية التغير الاجتماعي بطيئة، إلا أنها اكثر ثباتاً من عمليات التغير السريعة لانها تصبح مقبولة من أفراد المجتمع ولا يجد الشخص حرجاً في الأخذ بها، فسلطة العادات والتقاليد قوية ولا يرغب الغالبية في مواجهتا.
ومع إقرار الكثيرين بعدم مواءمة الكثير من عاداتنا وتقاليدنا لواقع المجتمع وإمكاناته وفق سرحان، كما في عادات الزواج التي ترتفع فيها التكاليف وتكون أكثر من قدرة غالبية أفراد المجتمع إضافة إلى سيطرة التقليد الأعمى والمباهاة على كثير من طقوس الزواج وعادات العزاء أيضا، في اغلبها ممارسات بعيدة عن المنطق السليم مثل إقامة أهل المتوفى وليمة كبرى بعد دفن الميت وتواصل العزاء لثلاثة أيام متتالية يقدم فيها الغداء اليومي وتسبب إرهاقاً مادياً وجسدياً لأهل المتوفى.
ورغم محاولة الكثير من العائلات والعشائر تنظيم وثائق لتنظيم هذه العادات وتهذيبها بما يتناسب مع واقع المجتمع وإمكاناته المادية وطبيعة ظروف الناس، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق النجاحات المطلوبة وبقي أثرها محدودا، ومع انتشار وباء كورونا وما تبعه من إجراءات وقائية وأوامر دفاع فرضت عدم إقامة التجمعات لأكثر من عشرين شخصاً والتباعد الجسدي، إضافة إلى حظر يوم الجمعة وتقليص الساعات المسموح بها للتنقل؛ وجد المجتمع نفسه أمام إجراءات فرضت عليه الالتزام بها تحت طائلة المساءلة القانونية وإن كان بعضهم يحاول الالتفاف عليها كتنظيم بيوت العزاء داخل المنازل أو في مواقف السيارات داخل العمارات.
هذا الواقع، وفق سرحان، أحدث تغيرات إجبارية لدى الكثيرين عن غير قناعة منهم وآخرين كان الواقع فرصة لهم لإثبات قناعاتهم وأن ما طالبوا به منذ سنوات أمر ممكن التطبيق ويحقق في غالبه مصلحة الجميع من ناحية مادية واجتماعية بحسب سرحان.
جائحة كورونا وما رافقها فرصة لإعادة النظر في كثير من العادات السلبية ومناسبة للبناء على إيجابيات ما تحقق خلالها، واستمرارية التغير الإيجابي يتطلب القناعة والوعي ليكون دافع استمرارية التغير ذاتي حتى لا تعود العادات إلى سابقها بعد زوال القوانين الملزمة لذلك.
ويستدرك سرحان، هناك مفاهيم ومعتقدات خاطئة عند الكثيرين فبعضهم مثلاً يرى أن الفرح يعني مزيداً من الانفاق المبالغ فيه أو تسيير مواكب كبيرة في مناسبات الزواج والتخرج تغلق الطرق وتعوق حركة السير ويرافقها ممارسات خطيرة حتى على من يمارسها كالجلوس فوق السيارات أو إخراج الأجساد من نوافذها والتي تسببت حوادث كثيرة، رغم أن الفرح هو شعور داخلي ينبع من الإنسان ذاته وهو لا يقبل الإضرار بالآخرين و نحن بحاجة إلى استثمار الواقع الحالي لنشر التوعية والحديث عن إيجابيات تنظم الاحتفالات في المناسبات.
وبحسب سرحان، فإن التواصل والتكافل الاجتماعي ضرورة بشرية وحاجة للجميع في بعض الظروف، فالشخص بحاجة إلى من يقف إلى جانبه أوقات الشدة ومنها وفاة أحد الوالدين أو الأبناء أو قريب، ويمكن تحقيقها بالمشاركة في اداء صلاة الجنازة على الميت والمشاركة في عملية الدفن دون أن يتبعها ولائم يقيمها أهل الميت بل إن من السنة أن يصنع الطعام لأهل الميت من الدرجة الأولى وليس دعوة أهالي البلدة والحي والأصدقاء.
كما يمكن أن يكتفي بالعزاء ليوم واحد وهو ما يحقق مصلحة الجميع ويلبي الحاجات الإنسانية ويبقي على تماسك المجتمع ولحمته وهي ضرورة يجب أن نحافظ عليها.
وفي مناسبات الزواج ومناسبات الفرح الأخرى الاكتفاء بحضور أعداد محددة من أهل العروسين والابتعاد عن إقامة الحفلات مرتفعة التكاليف أو الولائم الكبيرة وكذلك في المناسبات الأخرى. وهو ما يعني المواءمة مع حاجتنا للفرح واستمرار التواصل بيننا دون مبالغة أو تهويل أو تبذير وإسراف وهو ما سينعكس إيجابياً على الجميع.