وداد والذئب

وداد والذئب
وداد والذئب
ريم أبو صيام- يقول الكاتب الفرنسي ميلان كونديرا في روايته الشهيرة البطء: "في المستقبل يكمن مصدر الخوف، ومن تحرر من المستقبل لا يبقى لديه ما يخشاه".. لم تكن وداد يوماً فتاة مثقفة.. لم يجلس في حِجرها، ولو مرة، كتاباً غير كتابها المدرسي.. لم تشاهد في حياتها ندوة أو مناظرة أو أي مهرجان أدبي.. لا تعرف الطرق المؤدية إلى المركز الثقافي أو صالات السينما.. لم تحظى أبداً بحب شاعر مستجد أو فنان سؤوم.. لا تستهويها أحداث الكون وأحوال العامة وأخبار الطقس ولوائح المرشحين لنوبل والأوسكار والمناصب المرموقة.. كانت تدور في أفلاك المتاح وفي كل ما تيسر من قناعات موروثة.. مكتفية بأنماط حياة مستورة دون اضافات أو بهرجة.. وعوالم سميكة لا يستطيع اختراقها أحد.. إذاً كانت وداد نموذجاً سهلاً للبشري البسيط الذي قد تصادفه في أي وقت وقد تجده في أي بيت.. النموذج المنقذ لكل كتاب السيناريو ان ضاقت بهم شخوص الحكاية.. غير أن كان لوداد فلسفة خاصة تناقض حكمة مسيو ميلان حول المستقبل.. كانت قلقة بشأنه.. يُفزعها كل ما هو مجهول.. وتؤمن أن من خاف سلم.. المستقبل.. ذلك الذميم المتواري في فراش الجدة.. ولا صياد في الغابة يُخلصها.. أو أم في البيت توصي وتدعو وتنتظر.. كانت تأخذ وسواسها هذا على محمل الجد، تحبه وترعاه وتعتني به كأنه حقيقة خالصة لا يمسسه ريب أو تشكيك.. فعالجت الغيب بالتكهن.. أرادت أن تباغته، أن تنقض عليه، حتى لا تقع الفأس في الرأس.. لم تترك تاجر أحلام إلا وقصدته.. لم تسمع عن عرافة داهية في بلادها إلا ورمت بياضها في كفها.. كانت تفتش عند جارتها غليظة الذهن عن غد ملتبس في فنجانها المقلوب.. وحين ترجع تحرر قدميها عند عتبة الدار من حذائها وخطاياها وتستغفر وتدخل تنام.. وداد الآن في المستقبل.. تقف في البلكونة تتفرج على الراكضين في إثر وسواسها القديم، وتضحك ملئ قلبها وعقلها معاً، فلا ذئب يرقد اليوم في فراش الجدة.. الذئب الذي تسلل إلى رأسها وأقام وعَمَّرَ وبلغ الثمانين.. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان