الإفقار الرسمي المنظم

لا شك في مصداقية نوايا بعض الجهود والبرامج الرسمية التي تستهدف التشغيل والحد من البطالة، ولا شك في المقابل بوجود جهود اخرى تعيد إنتاج الفقر والبطالة، وهي للأسف الأكثر. المشكلة أن سمة هذه البرامج والفعاليات تركزها على فئات محدودة، وفي الأغلب لا تستفيد منها الفئات الاكثر حاجة، ثمة استعراض إعلامي وأرقام تطلق بدون حسيب او رقيب، وثمة سياسات تأثيرها الفعلي المزيد من الإفقار ولكن هذه المرة بشكل رسمي.اضافة اعلان
الفقر لدينا حلقة مفرغة صلبة؛ دوران هائل في العمل الاجتماعي يلف حول ذاته من دون أن يتقدم خطوة واحدة، حديث طويل لا ينقطع ولا ينتهي حول الفقر والفقراء والتمكين وبناء القدرات والتأهيل، من دون نتائج ملموسة على الأرض، دوران هائل لا يصل الفقراء منه إلا المزيد من الإفقار.
  ثمة مدرسة لدينا ترفض الاعتراف بعمليات تجريف الثروة المنظمة وإعادة تركيزها بشكل عمودي، لدى هذه المدرسة الفقر ما يزال في معدلاته الطبيعية، والطبقة الوسطى بخير، وإلى وقت قريب كانت توصيات وأنصار هذه المدرسة هي المسموعة، وشاهدها السلوك الاستهلاكي لفئات اجتماعية محدودة؛ علينا تتبع آثار الإفقار المنظم على الثقافة المجتمعية من انتشار أشكال جديدة من الفساد الصغير، لم يكن يعرفها المجتمع الأردني قبل عقد، من المال السياسي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى الغش والاحتيال الذي ترعاه الأسرة كما بدا في امتحانات التوجيهي قبل أيام.
هناك أربعة أمثلة على أن البرامج التي تطرح وتقدم للناس على أساس أنها تستهدف محاصرة الفقر وتوليد فرص عمل، قد تعمل على المزيد من تركيز الثروة ولا تصل إلى الفئات التي صممت من أجلها؛ أول هذه الأمثلة تمويل المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، صحيح أن هذا النمط من التمويل قد نجح في إحداث التغيير في بعض المجتمعات، لكن هل الطريقة الأردنية حققت المطلوب فقد أثبتت آخر الدراسات التي رصدت وتابعت مصير العشرات من هذه المشاريع أنها مجرد حبرعلى ورق، وأن التمويل عادة ما يذهب للاستهلاك المنزلي وإلى المزيد من الديون. المثال الثاني، هل تذهب حملات التشغيل الحالية إلى الفئات المستهدفة وإلى مجتمعات البطالة بالفعل، الواضح أن هذه الحملات تركز على الفرص الموجودة في القطاع الخاص في العاصمة، ولم تصل بشكل جدي إلى المحافظات التي تعد مرتعا للبطالة. وهذا النمط من الحملات لن يأتي بثمار حقيقية على مستوى المحافظات، لأنها تفتقد لقاعدة إنتاجية للقطاع الخاص، وبدون إعادة توزيع الأنشطة الإنتاجية لا يمكن الحديث عن فروق حقيقية في إدارة ملف التشغيل والبطالة.
المثال الثالث، مشروع قانون ضريبة الدخل الذي من المتوقع، بل مطلوب منه، أن يزيد إيرادات الخزينة بنحو 15 % من ايرادات الضريبة، وبدلا من إصلاح النظام الضريبي وجعله أكثر عدلا وتوازنا؛ بالإقرار بمبدأ تصاعدية الضريبة، وتطوير الآليات القانونية لنفاذ القانون على الجميع، والحد من الهدر الضريبي، يذهب القانون الجديد الى زيادة الضريبة على الفئات التي تدفع الضريبة من الموظفين في القطاعين العام والخاص الذين لا يوجد لهم الا رواتبهم.
اما المثال الرابع، فلم تبرز لهذا الوقت أي إنجازات أو آثار واضحة لصندوق تنمية المحافظات على الأرض بعد مرور أكثر من عامين على إعلان تأسيسه، ولم نجد عملا جادا لتحول تدريجي لبناء قاعدة إنتاجية اجتماعية، بل إن منهج العمل الجاري يستعيد فكر الرعاية التنموية السلبي الذي حوّل الناس من فلاحين وزراع منتجين إلى عاطلين ومعطلين يستجدون الصدقات السياسية والاجتماعية التي تأخذ في كل مرحلة شكلا جديدا يحافظ على فكرة العطايا والمنح والهبات والريع والقروض الوهمية.

[email protected] 

basimtweissi@