الحواة: الإعلام العربي بين بحري وسعيد والصحاف

الوهم كان سلعة أساسية للإعلام العربي منذ أن اختط العارفون "سياسته" الأولى. منذ حليف "الفيهرر" وانتهاء بحليف "الوهم" في القرن الواحد والعشرين.

اضافة اعلان

من "حي العرب من برلين" ليونس بحري إلى "تجوع يا سمك" لأحمد سعيد، ووصولا إلى "العلوج الأمريكان" لمحمد سعيد الصحاف، شكّل الزيف والكذب وجدانا لملايين العرب الذين لم يعرفوا إلى أين المسير في ظل إعلام يحاول أن "يقولب" حسبما يريد الساسة، وغير مكترث لـ"هزائم عديدة" انقضمت فيها الأوطان.

حتى عندما بدأت ألفية جديدة، ظل الإعلام العربي مسكونا بهاجس التدليس والكذب والخداع، رغم أن "الله فتحها علينا"، وأسسنا وسائل إعلام تنبش "ما وراء الخبر"، وتستدعي "الرأي والرأي الآخر"، وتطالبنا بأن "نعرف أكثر"، إلا أن حجب الحقائق ظلّ سياسة واضحة المعالم في أدائنا العربي، الذي "أقسمنا على الدوام" أن نجعله "أداء مميزا"، ولا تشبهه أي طريقة أخرى مهما ابتكر الحواة والماكرون والمخادعون من طرق ووسائل.

قبل منتصف القرن الماضي جاء "السائح الغريب" يونس بحري ليؤسس لـ"صفاقة إعلامية عربية" تبيح جميع المحذورات، من الكذب والخداع والتضليل والعمالة، مفتتحا طريقا طويلة، سيسير فيها "صحافيون وإعلاميون كثر"، مقتفين أثر خطواته "المُلْهِمَة"، من أجل افتتاح "المزاد" الذي لم يستطع أحد إقفاله حتى اليوم.

وعلى وقع هزائمنا الأليمة والواضحة وضوح الجرح العربي، وقف أحمد سعيد ظاهرة أخرى تسخر من وجداننا، وتبيعنا أحلاما لا نجدها في "أليس في بلاد العجائب". فصدقنا "هرطقات" ما كانت تمر على مبتدئ في الحياة، ولا مبتدئ في الحب. غير أن أجدادنا قالوا أن الغريق يتعلّق بالقشة الواهية، لذلك تعلقنا بـ"حكاياتهم الخرافية" من أجل أن لا نقع في الموت السريري الذي يقود إلى فقدان الروح.

حفظنا أقاويل الرجلين، لذلك تحررنا من الاستعمار مع الأول، وحررنا الأرض المغتصبة مع الثاني. وما بين هذا وذاك، بنينا نهضة لم تتحقق لأمة وجدت على البسيطة.

كان ذلك في "عهد البناء"، قبل تمكين الأوطان من سبل التقدم الحديثة. فكلما تقدم الزمن، زادت الحداثة، وزاد التحدي، ففي القرن الواحد والعشرين، دخلت قاموسنا ألفاظ حديثة؛ كيماوي، جرثومي، نووي، مغناطيسي، إلى غير ذلك من تسميات لم تقف رادعا أمام "حماة الأمة" من التصدي لفكّ طلاسمها، وتصريحات للناطقين الإعلاميين العباقرة، شفعوها بأغلظ الأيمان بأنها لا تشكل أي تهديد لـ"الأمة المتماسكة"، فـ"النار سوف تأكل نصف العدو"، وما يتبقى منه لا شك ذهب طعاما لأسماك البحر الأحمر والمتوسط.. وربما أسماك البحر الميت كذلك!

هكذا حفظنا مفردة "العلوج"، وأضفناها إلى ما في مخزوننا من هزائم ندري بعضها، فيما يغيب عن ذهننا جزؤها الأكبر.

على وقع الهزائم، هزيمة إثر أخرى، تشكل وعينا بـ"الإعلام"؛ قديمه وجديده، وبتنا نحفظ له "هيبة" و"مفردات لازمة" لا تطاوع سواه، فأساتذتنا معروفون، و"ساحات نجاحنا" هي الأخرى معروفة ولا تحتاج إلى شهود إثبات من أجل رؤية الحق.

ولكن، ومنذ أكثر من ثمانية أعوام على آخر "لطخة إعلامية واضحة المعالم"، ما نزال نختبر الكذب والنفاق والتدليس والخداع على جميع وسائلنا الإعلامية.. كأني بي أسمع صوت أمّي تقرّعني على فشلي الدائم وهي تقول: "كأنّك يا أبو زيد ما غزيت"!

[email protected]