الكونغرس وسوق الأسهم

لويجي زينجالس*
شيكاغو – تخيل انك عضو منتخب في مجلس النواب الاميركي وفي منتصف نقاش يتعلق بقانون اصلاحات الرعاية الصحية والذي تم اقراره في سنة 2010 وفي اجتماع لاحدى لجان مجلس النواب علمت قبل اي شخص اخر ان خيار التأمين العام المقترح –برنامج سوف يتنافس مع التأمين الخاص – لن يكون ضمن النقاش المطروح. ان هذه المعلومات سوف يكون لها تأثير على اسعار اسهم شركات التأمين الخاصة فهل بامكانك ان تتاجر في اسهم تلك الشركات قبل ان يتم الاعلان عن تلك المعلومة؟اضافة اعلان
ان من الصعب من الناحية الاخلاقية فصل هذا المثال عن القضايا التقليدية المتعلقة باستخدام معلومات تجارية سرية في التداول ولكن لا يوجد قانون يمنع ذلك. ان الكونجرس الاميركي – الفرع التشريعي للحكومة الأميركية- يعفي نفسه عمليا من الاحكام الاعتيادية المتعلقة باستخدام معلومات تجارية سرية في التداول. ان الكونجرس والمحكمة العليا الأميركية هي الهيئات الفيدرالية الوحيدة والتي يمكن لموظفيها وبدون قيود التداول بالاسهم وذلك على أساس معلومات غير متوفرة للعامة. ان جميع موظفي الحكومة الاخرين والذين يتعاملون بالاسهم بناء على معلومات خاصة تشبه المعلومات المذكورة أعلاه سوف يكون تصرفهم غير قانوني.
ليس فقط بإمكان أعضاء الكونجرس التداول بالأسهم بشكل قانوني بناء على معلومات سرية ولكنهم يقومون بذلك فعليا بالرغم من التأثير المحتمل على سمعتهم. لقد ذكر البرنامج التلفزيوني الاميركي "ستون دقيقة" مؤخرا ان هناك مزاعم بإن عددا من اعضاء الكونجرس الحاليين استخدموا معلومات سرية حصلوا عليها من خلال عملهم لتحقيق مكاسب شخصية وبينما يصعب اثبات الرابط بين المعلومات التي تم الحصول عليها بشكل خاص والتداول (كما هو الحال في معظم قضايا التداول بناء على معلومات تجارية سرية) فإن التوقيت مثير للشكوك بشكل كبير.
لكن من الصعب تحدي هذا الامتياز النيابي وهذا يعود جزئيا الى ان التداول بناء على معلومات سرية هو مفهوم غامض طبقا للقانون الأميركي حيث لا توجد تعريفات قانونية للمصطلحات "المعلومات السرية" أو "التداول بناء على معلومات سرية".
ان الاتحاد الاوروبي في المقابل حاول تعريف تلك البنود من خلال توجيهات تستهدف تحريم مثل تلك الممارسات فطبقا لاحدى تلك التوجيهات الصادرة في سنة 1989 ان الشخص الذي يتلقى معلومات سرية هو شخص بسبب علاقته بالشركة كمدير او عضو في مجلس الادارة او موظف او مساهم رئيسي يمتلك معلومات سرية (حقائق مادية غير معلنة) ويقوم باستخدامها وهو يعلم ذلك من اجل اكتساب اوراق مالية او التخلص منها لحسابه او حساب شخص آخر".
لكن هذا التعريف بالرغم من كونه صريحا ومباشرا يترك ثغرة قانونية كبيرة بالنسبة للمشرعين فعلى سبيل المثال فإن هناك امكانية لان يقوم النواب البريطانيون على سبيل المثال بالاتجار بشكل قانوني بالاسهم بناء على معلومات حصلوا عليها من خلال ممارسة عملهم الاعتيادي وهذا لا يجعلهم أشخاصا يتلقون معلومات سرية داخلية.
إن ورقة تم نشرها في مجلة التحليل المالي والكمي سنة 2004 اظهرت ان اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي الذين تاجروا بالاسهم قد انتصروا على السوق بمعدل 12 % كل عام واذا اخذنا بعين الاعتبار ان افضل مديري صناديق التحوط يجدون ان من الصعوبة بمكان عليهم الحصول على نتائج مماثلة ، فإن علينا ان نستنتج ان اعضاء مجلس الشيوخ هولاء اما ان يكونوا افضل من مديري صناديق التحوط او انهم يستفيدون من معلومات خاصة.
ان الشيء الاكثر إثارة للقلق من التداول بناء على معلومات سرية من قبل النواب المنتخبون هو صناعة الاستخبارات السياسية والتي تزدهر حاليا في واشنطن وبروكسل وغيرها من العواصم العالمية الرئيسة ففي الولايات المتحدة الأميركية يقوم اعضاء الكونجرس الاميركي السابقون وموظفوهم بجمع معلومات خاصة ويقومون ببيعها الى مديري صناديق التحوط حيث يكسبون 100 مليون دولار اميركي سنويا.
ان اقتراحا لمنع التداول بناء على معلومات سرية من قبل اعضاء الكونجرس الاميركي ما يزال يقبع في الكونجرس منذ سنة 2006 لكن يبدو ان برنامج "ستون دقيقة" قد أثار بعض الاهتمام فخلال اربعة ايام من عرض البرنامج زاد عدد النواب الذين تبنوا الاقتراح من تسعة الى 57 كما تمت الدعوة الى عقد جلسة لمناقشة التشريع في الشهر المقبل.
لكن المشكلة ليست ببساطة استثناء الكونجرس من قانون التداول بناء على معلومات سرية. ان القضية الحقيقية هي ان الكونجرس الاميركي – مثل غيره من مجالس النواب في ببلدان عديدة- يمارس عمله طبقا لاحكام تختلف تماما عن تلك التي يتم فرضها على المواطنين العاديين وعلى وجه الخصوص فإن احكام المحاسبة والشفافية والاحتيال والتي تحكم قطاع الاعمال لا تنطبق على الممثلين المنتخبين.
ان هذه مشكلة تتجاوز التداول بناء على معلومات سرية فلو قام مديرون تنفيذيون بالكذب خلال مؤتمر فإنه بالامكان مقاضاتهم ولكن السياسيين يكذبون خلال الحملات الانتخابية وأثناء توليهم السلطة مع عواقب بسيطة أو بدون عواقب. لو تم اجبار الحكومة الاميركية على التقيد بنفس القواعد المحاسبية التي يلتزم بها القطاع الخاص لكان من الواجب عليها دعم شركات فاني ماي وفريدي ماك – شركات الرهن العقاري الضخمة المدعومة من الحكومة والتي كانت في قلب الأزمة المالية الأخيرة – والكشف عن جميع الالتزامات المحتملة بسعر السوق.
بدلا من توسيع نطاق قانون استخدام المعلومات السرية في التداول ليشمل الكونجرس الاميركي (أو غيره من البرلمانات)، يجب على المواطنين المطالبة بأن يتم تطبيق جميع القيود ومتطلبات الافصاح المفروضة على القطاع الخاص تلقائيا على النواب المنتخبين ايضا. ان هذا سوف يجعل تلك البرلمانات أكثر مصداقية وقوانينها أكثر عدالة.
*أستاذ في روح المبادرة والتمويل في كلية بوث لادارة الاعمال التابعة لجامعة شيكاغو.
خاص بـ "الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكت.