المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف

عمان- كن عضواً في جمعية الأقوياء، ولا تكن رأساً في قطيع النعاج، قد تبدو ضعيفاً؛ لأنك قبلت أن تكون ضعيفاً، فعشْ كما تريد، ولكن لا بد من أن تعلم أنه بإمكانك أن تصبح قوياً، وأن تتعافى من شعورك بالضعف.اضافة اعلان
إن الأقوياء بالحق هم السعداء، والضعفاء بالباطل هم التعساء، واعلم يقيناً أن الشيء الذي لا تستطيعه، هو الشيء الذي لا تريد أن تكونه، القوّة مطلب أساسي، وإلا فلا قيمة للحياة من دون قوة، إن القوّة مصدر للثقة، والثقة لا توجد إلا في قلوب الأقوياء، وإذا أردت القوّة الحقيقيّة فابحث عن قوّة لا تحتاج إلى غيرها إنها قوة الله عز وجل.
إن الجبن والخور، والاستكانة والاستسلام، والانهزامية والذلّ، وجميع المفردات، في قاموس الضعف، مرفوضة في حياة الأقوياء؛ فأنت كائن لم تُخلق لتكون مسلوب الإرادة، بارد الهمّة.
عليك ألاّ تتردّد لحظة في الانتساب "لعضوية نادي الأقوياء"، فلديك عملاق ينام بين جنبيك؛ فابحث عنه، حتى لا تموت، وأنت تعيش بين الأحياء، ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء.
لكن السؤال المهم؛ كيف نبحث عن القوة، ونحن ضعفاء؟
إن الحديث عن القوة النابعة من الضعف، ليس دعوة إلى الرضا بالضعف، أو إلى السكوت عليه، بل هو دعوة لاستشعار القوة، حتى في حالة الضعف، إذن يجب أن نبحث في كل مظنة ضعف، عن سبب قوة كامنة فيه، ولو أخلص المسلمون في طلب ذلك لوجدوه، ولصار الضعف قوة، لأن الضعف ينطوي على قوة مستورة، يؤيدها الله في حفظه ورعايته، فإذا قوة الضعف، تهد الجبال، وتدق الحصون، كما ترون وتسمعون.
أنت قويّ، هذا سر ضعفك، وأنا ضعيف، هذا سر قوتي!
 لذلك نستطيع أن نقابل القنبلة الذرية، بقنبلة الذُرية، أي بتربية جيل واع ملتزم ينهض بأمته، ويعيد لها دورها القيادي بين الأمم.
إن أشكال القوّة متنوعة، وإن أبعادها مختلفة ، ومن الصعب الحديث عنها جميعاً ، ولكن نشير إلى أشهر هذه القوى تفصيلاً حيناً وإجمالاً حينا آخرً.
قد يقول قائل: كيف يُحاسب القاتل على فعلته؟ يحاسب لأنَّه أقْدم على قتْل إنسانٍ بِغَير حقّ، فالقاضي إن حكم على المجرِم بالإعدام وفق أحكام الشريعة، هل يُحاسب القاضي عند الله؟! لا، لأن التوحيد لا يُلغي المـسؤوليَّة، لو أنَّ طبيبًا أخـطأ مع مريض، ومات المريض، فالذي قال: من طبَّب ولم يُعلم منه طبّ فهو ضامن، يجب أن يدْفع الدِّيَّة، فالمريض مات بأجله، ولكن نقول لهذا الطبيب: لا علاقة لك بالتوحيد، فأنت محاسب ومُقصّر! ونقول للقاتل: قتلْتَ نفسًا بِغَير نفسٍ، فالعمر هو ظرف عمل الإنسان، إلا أنَّ العمر أنواع: فالعمر الزَّمني لا قيمة له إطلاقًا، ففي التاريخ الإسلامي نجد علماء كباراً تركوا آثاراً مذهلة، وعاشوا أقلّ من خمسين عامًا كالإمام النَّووي رحمه الله تعالى، وهناك قادة فتحوا آسيا وعاشوا أقلّ من ثلاثين عامًا، وهناك أعمار تافهة كأن يعيش ثمانين سنة من دون عمل صالح، وأوضح مثل يُوضِّح العمر، دُكان فتحَ بِساعة باع بمليون، ودُكان آخر بعشر ساعات باع مئة ليرة ! فالعِبرة بِمَضمون هذا العمر، ولذلك الله عز وجل في آية وحيدة أقْسم بِعُمر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى:
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾، لأنَّ عمر النبي علـيه الصلاة والسلام ثمين، فهو في مدَّة يسيرة قلب وجه الأرض، ورسَّخ التوحيد في الأرض، والفضيلة والسعادة والقِيَم، فإيـّاك أن تقيس العمر زمنِيًّا فهو لا قيمة له إطلاقًا، ورد في بعض الأدعِيَة: "لا بورِكَ لي في طلوع شمس يوم لم أزْدَد فيه قربًا إلى الله تعالى، ولا علمًا" حتى لو أمْضَيتَ عمرك في المباحات فأنت في خسارة، لأنّ مُضيّ الزَّمَن يستهلك الإنسان، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
 قال الحسن البصري: "ما من يوم ينشقّ فجره إلا ويُنادي يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوَّد مِنِّي فإني لا أعود إلى يوم القيامة" وعقارب الزَّمن لا يمكن أن ترجع ! فأنت بين يوم مضى، والحديث عنه لا جدوى، وبين يوم سيأتي لا تملكُهُ، وأذكر أنَّني جلسْتُ مع رجل في المدرسة فحدَّثني عن خِطَّته لِعِشرين سنة قادمة، أنَّه سيذهب إلى الجزائر ويُدَرِّس هناك خمس سنوات، ويطَّلع على معالم البلد، ويزور فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ويعود بعدها إلى الشام ليفتحُ محلاًّ ويكبر أولاده ويتقاعد، انتهى اللِّقاء وعُدْتُ إلى البيت، ثم عُدْتُ مساءً إلى عملي في مركز المدينة، وأنا في طريق العودة إلى البيت رأيْتُ نَعوتَهُ على الجدران في اليوم نفسه!! لذا قالوا: من عدَّ غداً من أجله فقد أساء صُحبة الموت! من حوالي شهر صلَّى أحد أخواننا العشاء، وآوى إلى فراشه والعادة أن يُصلِّي الفجر في المسجد، ويبدو أنَّ أهله لم ينتبهوا أصلى أم لا ؟! في الساعة الثامنة والنِّصف هيؤوا الطَّعام، وقالت الأم لابنها: أيْقظ أباك فذَهَب فوجدهُ ميِّتاً !! فالأجل مُحَدَّد، وإخفاؤُهُ عنَّا لِحِكمة بالغة ! قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

من موسوعة النابلسي للعلوم الشرعية