الموت عن طريق الخطأ..!

قبل نحو أسبوعين، قتل الممثل الأميركي، أليك بالدوين، سيدتين من كادر فيلم كان يصوره، عن طريق الخطأ، حين أطلق رصاصة من مسدس يُفترض أن يكون خُلبياً. وقد تحدث الإعلام في العالم كله عن الحادثة، لأن بالدوين أميركي، ومهم. وفي الحقيقة، قُتل عدد يصعب حصره من الناس كل الوقت بالأسلحة عن طريق الخطأ، وكان الضحايا من الأبناء أو الأحباء في كثير من الحالات. ونحن نعرف جيداً حوادث القتل – بالخطأ- في الأعراس والمناسبات، أو لدى تنظيف السلاح أو العبث به في منزل، وقد خسرت شخصياً صديقاً مات، بالخطأ، نتيجة العبث بسلاح. هذا القتل، غير المقصود، وإنما المفجع بنفس المقدار، له تسمية عالمية تنطوي، دلالياً، على وجد عذر مسبقاً. حين يكون القتل جماعياً ويستهدف مئات، آلاف أو ملايين الضحايا الأبرياء نتيجة أعمال العدوان والحرب، سواء بالموت الجسدي، أو فقدان الحس بالحياة من خلال المعاناة والتهجير أو تضييع الحاضر والمستقبل، يسمونه “خسائر عرَضية”. حين تقرر قوة مثل أميركا “تغيير النظام” في بلد مثل العراق، أو الانتقام من خصم كما حدث مثل أفغانستان، متشجعة بامتلاك السلاح المتفوق، فإنها تُسقط في سبيل استهداف فرد أو بضعة أفرد، مواطني بلدان كاملة، موتى أو مشردين أو معذّبين، كـ”خسائر عرضية”، وقعت “عن طريق الخطأ”. وعندما ذهب البيض – بسلاحهم المتفوق- للاضطلاع بمهمة “عبء الرجل الأبيض” المكلف بجلب الحضارة للملونين “الهمجيين”، كان نهب المقدرات واستعباد الناس والمتاجرة بهم وإفقارهم وكل النتائج الكارثية للاستعمار، “خسائر عرَضية” لا قيمة لها مقارنة بـ”الهدف الأسمى” للغزو: التقدم، والحرية، والحضارة للمتخلفين. وعندما يقرر شيء مثل الغزاة الصهاينة في فلسطين قدر منطقة كاملة ويحاول إلغاء شعب كامل بالقتل والتطهير العرقي والامتهان، أيضاً بسبب امتلاك سلاح متفوق، فتلك ضريبة جلب الحضارة والديمقراطية لمنطقة متخلفة واستبدادية! من أقبح نقائص البشرية – وهي كثيرة- تكريس واقع أن امتلاك سلاح، من الهراوة والسكين، إلى المسدس والمدفع فالصاروخ النووي العابر للقارات، هو الذي يقرر هيبة الأفراد والدول ونفوذهم ومقدار حصتهم من مقدرات الكوكب. والسلاح مرادف القتل، لأن وظيفته هي القتل والإخضاع. وعلى المستوى الفردي، يُعرض امتلاك سلاح للدلالة على الفروسية والرجولة (في تنويع آخر من الجندرية). لكنه وسيلة لإمكانية السطوة على الآخر وتخويفه. وحتى لو أُجبر المُسالم على امتلاك سلاح للدفاع، فإن ذلك لأن أفراداً آخرين من الجنس البشري نفسه، يهددون سلامه وعيشه ووجوده بسلاح. ثمة الشر دائماً وراء فكرة السلاح. زعم البشر دائماً أنهم ينأون بأنفسهم عن فكرة أكل القوي الضعيف، وأسموها “شريعة الغاب” المقودة بالغريزة. وقالوا إن الإنسان يمتاز بالإرادة والعقل والأخلاق. ولذلك، يمكنه تدبر أمر العيش بالتعاون والتشارك، حتى لو كان ذلك على حساب الكائنات الأخرى الأكثر عوزاً للأدوات والحيل. لكنّ البشر استخدموا العقل للعبث بالمفاهيم، وعقلنة إرادة تعظيم الحصة الخاصة على حساب حصة الآخر. إنك حتى تكون مرفهاً كفرد، أو أمة ثرية متقدمة، يجب أن تكون قادراً على الاستئثار بمقومات التميز والرفاه وانتزاعها، ينبغي أن تكون أسلحتك أكثر قتلاً وتخويفاً حتى تُهيمِن وتأخذ ما تريد حين تريد. ويتعلق تعريف الأمة المتقدمة، الحرة والإنسانية، أساساً بقدرتها على إنتاج السلاح وتطويره وتوظيفه. ولا بأس بسقوط “خسائر عرَضية” لتأمين الحصة المادية والمعنوية. بعضُ الناس يكرهون حمل مسدس حين لا يلزم، لإدراكهم لما هو المسدس. لكنّهم بذلك يختارون، في المجتمعات حيث يمتلك الآخرون أسلحة، أن يكونوا مهدّدين بطريقة ما. إنهم لا يمتلكون نفس الفرصة في حال حدوث خلاف عرَضي مع آخر مسلح، وسوف يتنازلون غالباً. سوف يكون المسلح تحت إغراء التسلط والاستقواء، وحتى في أميركا، الدولة التي تزعم المثالية في حكم القانون، يتسبب السماح للمدنيين بامتلاك سلاح في مصرع آلاف الأبرياء. إنك لن تستطيع أبداً ضبط مزاج شخص في يده سلاح إذا طاش سهمه، أو أراد عرض “فروسيته” بإطلاق النار في عرس وهدد الآخرين. الحقيقة هي أن امتلاك سلاح نوعي، أي أكثر قتلاً، هو الذي يُعرِّف كل شيء آخر في العالم، من نوعية العيش الفردي، إلى احتكار سلطة تعريف المفاهيم. ومعه يتحدد احتمال الموت، أو الحياة على ذمة الموت أو بطريقة تشبه الموت، قصداً أو “عن طريق الخطأ”.اضافة اعلان