حق السخرية والإساءة!!

سميح المعايطة

قديما كان يقال إن القلم سلطة، وأن الميكروفون والكاميرا سلطة بيد أهل الإعلام يخشاها من يخطئ أو يقصر من أصحاب المسؤولية في كل المجالات.

اضافة اعلان


لكن تطور التكنولوجيا أوجد سلطة بيد كل شخص يملك جهازا ذكيا، ولهذا في كل بلد هنالك أعداد كبيرة ممن يقدمون إنتاجهم للناس عبر الفيديوهات المباشرة أو المسجلة، اما المضمون فمن كل الأنواع من غناء ورقص وطبخ ومحاضرات طبية وعلمية ودينية وأحاديث في الرياضة والفن وكل شيء، وكل هذا الإنتاج الغزير من حقوق الناس ما دامت ضمن ما هو متعارف عليه من معايير أخلاقية وقانونية وعدم المس بالآخرين.


لكن هذا الفضاء فيه نوع من الإنتاج يعتقد أصحابه أن جلوسهم أو وقوفهم أمام الكاميرا يعطيهم الحق في قول أي شيء بحق أي أحد أو جهة، والبعض يعتقد انه ساخر وفكاهي ودمه خفيف فيعطي لنفسه الحق في السخرية من أي أحد، وأحيانا لا يكون هنالك موضوع للحديث فتكون السخرية من أشخاص عاديين إلى حد الاساءة والذم والقدح.


فرق بين شخص يجلس أمام كاميرا هاتفه أو جهازه الذكي ويتحدث بمنطق ومعلومة أو رأي ووجهة نظر قد نتفق معها أو نختلف وبين شخص يعتقد أنه يملك السلطة للاساءة والسخرية ممن يشاء بحجة التكنولوجيا وحرية الرأي، وعندما يتوجه أحد ممن مستهم اساءة هذا المشهور أو ذاك إلى القضاء طلبا للانصاف فإنه يشعر بالظلم ، وكأن الحق ممنوح له فقط ليتعرض لمن يشاء بما يشاء من أقوال وحركات واتهامات، وكم هي حالات الاساءة التي عرف أصحابها أن لها ثمنا عندما لجأ الضحايا إلى القضايا فارسلوا جاهات طلبا للصلح والصفح وخاصة إذا ما حكم القضاء بغرامة كبيرة على الناشط أو المشهور.


لا تتحدث عن أصحاب الرأي المنطقي الموضوعي في القضايا السياسية أو الاقتصادية أو أي مجال، فحرية الرأي حق لهم، لكن عندما يكون رأي أو تحليل أو وجهة نظر تستند إلى معطيات ومعلومات أو فكر، وهذا النوع ليس خلافيا، ولا حتى عمن يخرج على فضاء وسائل التواصل يقدم نصائح في أي مجال، لكن الحديث عمن يعتقد أن لديه حقا بأن يقول في الناس ما يشاء وأن يتهم ويسخر ويسيء بحجة الحريات، وكأن الأشخاص الآخرين ليس لديهم حقوقا.


فرق بين تقييم أداء مسؤول أو مؤسسة أو مناقشة قضية وبين من يجلس فقط للاساءة والتعامل بفوقية مع الآخرين وتقييم شخصياتهم بلسان مسيء وسخرية لاعلاقة لها بحرية الرأي والتعبير.


الحفاظ على حرية تأتي بالاستعمال الأخلاقي والقانوني لوسائل التواصل، ومن لديه موهبة أو محاضرة علمية أو تقييم رياضي أو رأي اقتصادي أو سياسي فهذا أمر مفيد للناس لكن من يجلس لكسب أعداد من المتابعين والمعجبين لزيادة دخله المالي على حساب كرامة الآخرين فعليه أن يدفع بالقانون ثمنا لخروجه عن القانون والحاقه الأذى بسمعة الناس ومسه بفكرة حرية التعبير.


مرة أخرى لا نتحدث عن التعبير العقلاني الموضوعي حول القضايا العامة أو تقييم أداء المؤسسات وقياداتها لكن الحديث عن اعتقاد البعض أن لهم حقا في الاساءة أو السخرية أو ذم أي شخص وأي جهة، وبعض هؤلاء ينسى أن السلطة الوهمية التي يمتلكها بالجلوس أمام كاميرا الجهاز الذكي يملكها الآخرون، وان القدرة على الاساءة متوفرة لأي شخص، وأن إهانة الآخرين والسخرية منهم متاحة لمن يريد، وأن الشتيمة سلاح فئة نعرفها جميعا في مجتمعنا، وأن المنطق والحجة والمعلومة هي ما يميز الشخص وليس الشتيمة والاستهزاء بالآخرين.


الأمر لا يحتاج إلى تشريعات جديدة لانها موجودة بل إلى ردع ذاتي ان أمكن أو تعزيز ثقافة اللجوء للقضاء لأن من يتطاول على الناس دون وجه حق سيتردد كثيرا قبل فعل هذا إذا تعرض لحكم القضاء بدفع غرامة قد تكلفه بيع بيته أو سيارته أو حتى التوسل لصاحب الحق للتنازل عن حقه.


التطور التكنولوجي ليس سلاحا للتجاوز بل أداة لتطوير الحضور الإيجابي أو التعبير عن الرأي بموضوعية ومنطق وليس كما نرى من البعض في عالمنا العربي.

 

المقال السابق للكاتب 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا