خبراء يحذرون من تزايد تلويث الصناعة للهواء

مدخنة مصنع تضخ ملوثاتها في الهواء مسببة تلوثا يؤثر على البيئة والصحة العامة -  (ارشيفية)
مدخنة مصنع تضخ ملوثاتها في الهواء مسببة تلوثا يؤثر على البيئة والصحة العامة - (ارشيفية)

تقرير اخباري

فرح عطيات

عمان - فيما تقول وزارة البيئة إن خفض نسب ملوثات الهواء لا يتحقق "بعصى سحرية" اعتبر خبراء بيئيون ان الوزارة "فشلت" في اتخاذ اجراءات ناجعة للتخفيف من ظاهرة تلوث الهواء في المملكة، الناجمة عن القطاعات الاقتصادية.
ومن وجهة نظر هؤلاء الخبراء فإن محطات الرصد المنتشرة في مختلف المناطق والمحافظات "لا تظهر الأرقام الحقيقية والفعلية لنسب وتراكيز الغازات وغيرها من ملوثات الهواء".
وفيما كشفت دراسة سابقة لمنظمة الصحة العالمية عن أن تلوث الهواء وتنفس جزئيات منه، يتسبب بالإصابة بمرض سرطان الرئة ووفاة حوالي 1.3 مليون شخص سنويا في البلدان الصناعية والفقيرة، أكد الخبراء أن وزارة البيئة "تميل لصالح الحفاظ على الصناعات وعدم الإضرار بمصلحة المستثمرين على حساب الاهتمام بالقضايا البيئية وعلى رأسها تلوث الهواء".
على أن رئيس قسم الرصد والعينات والتحليل في وزارة البيئة المهندس جبر درادكة أكد أن محطات الرصد التي تم توزيعها من قبل الوزارة في 32 منطقة داخل وخارج العاصمة "تسجل وبشكل يومي نسب الملوثات في الهواء خاصة من المصانع التي تحيط بتلك المناطق".
ولفت إلى ان الوزارة اتخذت إجراءات عدة بناء على تلك النسب من بينها "إلزام المصانع عبر مخاطبات رسمية بتصويب اوضاعها والتخفيف من تراكيز الملوثات التي تسببها ادخنة الصناعات الخاصة بها عبر إنشاء محطات وتركيب اجهزة تعقيم".
وبين أن الوزارة تقوم حاليا "بربط مصانع جديدة من بينها الاسمنت والبرومين وشركة الكهرباء في شرق عمان لتسجيل نتائج ونسب الملوثات الصادرة عنها واتخاذ الاجراءات اللازمة بالاتفاق معها من اجل التخفيف من انبعاث الغازات التي تؤدي إلى تلوث الهواء".
إلا انه اكد مع ذلك "ان خفض نسب ملوثات الهواء لن يتم بعصى سحرية ويحتاج إلى وقت"، بيد ان الوزارة تقوم منذ عدة أعوام بالرصد والمتابعة ووضع الحلول لعلاج هذه المشكلة، بحسب ما قال.
ولفت إلى ان الهدف الاستراتيجي للوزارة رصد 85 % من مناطق المملكة كافة، في وقت تم فيه إنفاق ما يزيد على 3.5 مليون دينار على اغراض الرقابة بموجب اتفاقيات وقعت لتلك الغاية.
الا ان رئيسة اتحاد الجمعيات البيئية إسراء الترك خالفت الدرادكة في الرأي، مؤكدة أن الوزارة "لا تتبع الشفافية والوضوح في إعلان نتائج محطات رصد تلوث الهواء في المملكة"، مشيرة الى انه "لا يتم الإعلان بشكل دوري عن النسب من قبل القائمين عليها الامر الذي يخالف التشريعات والاتفاقيات الدولية التي تنص على ضرورة الكشف عن الأرقام الفعلية".
ولفتت إلى أن "عدم وضوح النتائج يؤكد أن الوزارة لم تتخذ اجراءات فعلية وواقعية من اجل التخفيف من مشكلة تلوث الهواء باعتبار أنها المدافع الاول عن المصانع ومصالح المستثمرين على حساب القضايا البيئية".
واشارت إلى أن "محطات الرصد المنتشرة ليست جميعها مفعلة، رغم أن العديد من المناطق في عمان ولا سيما شرقها تشهد نسبا عالية في ملوثات الهواء بسبب وجود العديد من المصانع فيها وتسبب مشكلات صحية إضافة الى التلوث البيئي".
واشارت دراسة علمية حديثة أشرف عليها باحثون من جامعة ميتشغان بالولايات المتحدة الأميركية، إلى معلومات جديدة وخطيرة "بشأن تلوث الهواء، وأضراره على صحة الإنسان من بينها أن التعرض للهواء الملوث لفترات طويلة يزيد فرص الإصابة بالأزمات القلبية والسكتة الدماغية على المدى البعيد"، مشيرة إلى أن "الهواء الملوث يصيب الشرايين بالتصلب، ويزيد فرص الإصابة بتلك الأمراض، وهو ما يعد أمراً خطيراً للغاية".
وبين باحثو الدراسة التي نشرت نتائجها بدورية "بلوس ميدسين" وعلى موقعها الإلكتروني في 23 نيسان (ابريل) الماضي ان الجزيئات الدقيقة المعلقة بالهواء الملوث "تزيد من سمك الشريان السباتي وتتسبب بتضيقه، وهو ما يعرض الإنسان للخطر، خاصة أنه يعد أحد الأوعية الدموية المهمة التي توصل الدم إلى الرأس والعنق والمخ، ومع تضيق الشرايين تقل سرعة تدفق الدم، وترتفع فرص الإصابة بالجلطات الخطيرة".
فيما بينت دراسة أخرى أن النساء اللواتي يتعرضن لكميات أكبر من المواد الملوثة للهواء "يعانين تراجعا في صحتهن العقلية، إذ ان التعرّض لمعدل يقل قطره عن 5ر2 ميكرومِتر من الهواء الملوث، يرتبط بتراجع في صحة المرأة العقلية".
ويتفق رئيس هيئة ادارة جمعية شرق عمان لحماية البيئة فرحان الدبوبي مع تلك الدراسات التي تشير إلى أن تلوث الهواء ينعكس سلبا على صحة الانسان ولا سيما في المناطق التي تكثر فيها المصانع مثل منطقة شرق عمان.
ولفت إلى ان النتائج الصادرة عن محطات الرصد لملوثات الهواء "لا تعكس النتائج الحقيقية للأمر الواقع، لأن معظمها يتواجد في أماكن لا يوجد فيها مصانع أو اي مسببات في تلويث الاجواء".
واستدل في رأيه على أن محطات الرصد المتواجدة في منطقة شرق عمان "ليست قريبة من مناطق شركات الكهرباء ومصانع الجلود، ومصانع الدهانات، ومحطة توزيع عمان للغاز"، لافتا إلى ان "جهات معنية خوطبت لمعالجة الآثار البيئية لتلك المشاريع، لكن أيا منها لم يستجب للمطالب المتكررة، كما ان الاجراءات التي تقوم بها وزارة البيئة غير مجدية وتميل لصالح المستثمرين".
وطالب الدبوبي الحكومة بـ "تبني وتنفيذ اجراءات تخفيفية ومراقبة بيئية لكافة المشاريع، طيلة فترة عمرها التشغيلي، وبمشاركة المجتمع المحلي"، مشددا في تصريحات لـ"الغد"، على ضرورة "اتخاذ اجراءات تصحيحية للتخلص من الروائح المنبعثة (odors) من هذه المشاريع، على ان يتم ذلك عن طريق طرف ثالث مختص ومعتمد".
ويشتمل برنامج مراقبة مستويات التلوث على قياس الانبعاثات الحرارية والملوثة للهواء، والقياس المستمر لجودة الهواء، ومطابقة التقييم البيئي لهذه المشاريع، مع المواصفات العالمية المعمول بها.
ولفت الدبوبي إلى أهمية التدقيق البيئي الدوري، "على ان تقوم به جهة ثالثة مختصة ومعتمدة عالميا، وبمشاركة المجتمع المحلي المتضرر"، مؤكدا أهمية "اعتماد نظام تظلم وتعيين مندوب من المجتمع المحلي عن كل مشروع، ليكون ضابط ارتباط مع ادارة المشروع، وتوصيل شكاوى وتظلمات المجتمع المحلي للادارة".
ومن بين الإجراءات التي لا بد من اتخاذها، قياس ومراقبة مستوى الضجيج في المناطق السكنية القريبة من المشاريع، او في المستقبلات الحساسة للضجيج، ومقارنتها بمواصفات ومعايير مستوى الضجيج المحيط من طرف ثالث مختص ومعتمد وبمشاركة المجتمع المحلي.
وعرّفت دائرة الإحصاءات العامة في يوم البيئة العالمي تلوث الهواء بأنه "وجود مواد بتركيزات ضارة بصحة الإنسان أو بمكونات بيئته"، فيما وضعت الأمم المتحدة تعريفا لتلوث الهواء ينص على انه "انبعاث مادة ملوثة إلى الجو كالغبار والدخان بكميات تؤدي إلى إلحاق الضرر بالإنسان أو الحيوان أو النبات أو الممتلكات أو أن تتدخل بما يحول دون التمتع بمسرات الحياة".
بدوره، أكد مدير مكتب مكافحة السرطان اختصاصي سرطان الرئة في مركز الحسين للسرطان الدكتور فراس الهواري في تصريحات سابقة، أن تلوث الهواء "يتسبب بنسبة 10 % بالإصابة بسرطان الرئة".
وأوضح أن "90 % ممن يصيبهم سرطان الرئة في الأردن هم من مدخني السجائر، فيما النسبة المتبقية تدخل ضمن عوامل البيئة وتلوث الهواء والتعرض للإشعاع ومواد كيميائية، كالمستخدمة في مواد العزل في الأبنية".
وبين أن هناك دراسات وأبحاثا علمية جديدة بدأت تظهر وتشير إلى أن "تلوث الهواء واستنشاق الديزل يساهمان في الإصابة بسرطان الرئة".
ويحتل سرطان الرئة الذي يصيب الذكور في الأردن المرتبة الأولى بين مختلف أنواع السرطانات الأخرى، حيث تسجل سنويا 300 حالة جديدة، وفق ما جاء في إحصائيات السجل الوطني الأردني للسرطان.
ووفق دائرة الاحصاءات العامة فإن من أهم الملوثات في الأردن "الأغبرة العالقة في الهواء والتي تتركز في الأشهر التي تغلب عليها الأحوال الخماسينية، والغازات الدفيئة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، وارتفاع درجة حرارة الأرض مسببة ما يسمى بظاهرة التغير المناخي".
كما أن الرصاص الذي ينبعث من احتراق البنزين في المركبات، إضافة إلى ما ينتج عن العديد من الصناعات خاصة صناعة البطاريات، يساهم في تلوث الهواء.

اضافة اعلان

[email protected]