ربيع ترامب الخطير

كريس باتِن

لندن - جاء فصل الربيع في النصف الشمالي للكرة الأرضية. وبدأت الأزهار تتفتح، والشمس تشرق كل يوم. أما عندما يتعلق الأمر بشؤون العالم، فإن التوقعات ليست وردية.
في الشرق الأوسط، هددت إسرائيل بشن هجوم عسكري ضد سورية وإيران. كما تتحدى المملكة العربية السعودية إيران، في محاولة للحد من نفوذ الأخيرة المتنامي في المنطقة. وفي مصر، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي قبضته على السلطة، وقام باستخدام الجيش لملاحقة خصومه السياسيين، وحصل على فوز انتخابي كاسح. والسؤال المطروح الآن هو: هل سيدرك الجنود العرب يوماً ما أن الديكتاتورية تعزز الأصولية الإسلامية وعدم الاستقرار؟
لكن هذا الاتجاه لا يقتصر على الشرق الأوسط فقط. فقد تمكن الرئيس فلاديمير بوتين مؤخراً من تحقيق فوز انتخابي مضمون، ويرجع ذلك جزئياً إلى استخدامه للأجهزة الأمنية وأصدقائها في المافيا الروسية للقضاء على أي تهديد محتمل لنظامه. لكن الكرملين غير راضٍ عن إلحاق الضرر بنظام الحكم نفسه في روسيا بسبب العصابات الثرية الحاكمة، وسيعمل على تقويض العمليات الديمقراطية في أماكن أخرى.
وبالنسبة للصين، تمكن الرئيس شي جين بينج من شق طريقه ليصبح الزعيم الأكثر هيمنة منذ ولاية الرئيس ماو تسي تونغ. واليوم، بعد أن تم القضاء على الفترة الرئاسية لمحدودة التي قدمها دنغ شياو بينغ لعزل البلاد ضد ديكتاتورية رجل واحد، أصبح مستقبل السلالة الشيوعية الحاكمة متعلقاً على كاهل القائد الأعلى.
وبالمثل، تواجه الولايات المتحدة الآن –التي كنا نعتبرها القائد الأكبر للعالم الحر- آفاقاً قاتمة. وتحت قيادة زعماء مثل هاري ترومان، ودوايت أيزنهاور، وجورج بوش وجون كينيدي وباراك أوباما، دفعت البلاد النظام الدولي نحو الأفضل. واليوم، يعمل دونالد ترامب -الجاهل، والمتحامل، والمخادع، والكاذب، وعديم الأخلاق- على تدمير هذا النظام.      
عندما تم انتخاب ترامب لأول مرة، اعتقد البعض أنه سيكون عند حسن الظن. وكما اعتقد البعض، فإنه بغض النظر عن حملته الانتخابية المغرضة، سيقوم الرؤساء والمستشارون الأكثر حكمة بدعم الرئيس الأميركي، وسيتعلم حتماً كيف تعمل حكومة الولايات المتحدة. لكن هذا التفاؤل لم يكن في محله.  
مع بداية العام الثاني من ولايته، أصبح ترامب يتصرف بشكل أسوأ مما يشير إليه سِجله، كما يقوم، بشكل غير رسمي، بتنحية المستشارين والمسؤولين الآخرين متى شاء. وفي الآونة الأخيرة، استبدل ريكس تيلرسون -الذي كان يعتبر واحداً من "القادة الأساسيين" الذين يحمون الولايات المتحدة والعالم من أسوأ غرائز ترامب- بمايك بومبيو مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق، كوزير للخارجية.  
والأسوأ من ذلك، قام ترامب باستبدال المستشار السابق للأمن القومي الجنرال ماكماستر بجون بولتون -مسؤول السياسة الخارجية صاحب أكثر وجهات النظر خطورة في العالم الغربي بأكمله. وبولتون مؤيد لنهج "أميركا أولاً" وسفاح بيروقراطي، وهو بارع في القضاء على المنافسين.
والأخطر من ذلك أن بولتون يعتبر أكبر المتشددين في السياسة الخارجية، والصقر الأقوى الذي سيقضي على جميع الصقور. وباعتباره من كبار المؤيدين للاحتلال الأميركي للعراق، يعتقد بولتون أن كل مشكلة تستوجب الرد العسكري. وليست الصراعات الحالية مع كوريا الشمالية (حيث دعا إلى شن هجوم عسكري وقائي) وإيران (حيث اقترح مرارا تغيير النظام بالقوة) استثناءات.
بين بولتون وبومبيو، ازدادت فرص انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات على البلد. وأدى مجرد توقع تلك النتيجة إلى ارتفاع أسعار النفط -وهي هدية أخرى من ترامب إلى بوتين.
لكن الأمور ليست أفضل بكثير بالنسبة للسياسة الاقتصادية. فالآن، بعد أن ملأ ترامب فريقه الاقتصادي بالقوميين، أصبحت حمائيته التجارية الموعودة منذ زمن طويل حقيقة واقعة. ومن المؤكد أن ترامب ليس مخطئاً في مواجهة الصين بسبب سرقة الملكية الفكرية والمعاملة التجارية الصارخة، لكنه مخطئ في نهجه: فبدلاً من تجنيد حلفاء مثل اليابان والاتحاد الأوروبي للضغط على الصين، أغضب الصديق والعدو على حد سواء بالتعريفات الأحادية وغيرها من الحواجز غير المدروسة، مما يزيد من احتمال وقوع حرب تجارية من شأنها أن تؤذي الجميع.
من غير المفاجئ أن يكون سلوك ترامب قد أدى إلى تآكل القيادة العالمية للولايات المتحدة بسرعة، وهو ما يعود إلى استخفافه بالقيم الديمقراطية الليبرالية، والذي يضعف الأركان المؤسسية للنظام العالمي الذي لطالما دافعت عنه الولايات المتحدة. وتتمثل الطريقة الوحيدة للحد من هذا التراجع في قيام الديمقراطيات الليبرالية الأخرى في العالم -في أوروبا وآسيا والكومنولث- باتخاذ إجراءات حاسمة بهذا الشأن.
بداية، يجب أن تتحرك هذه البلدان على وجه السرعة للدفاع عن التجارة الحرة وفتح الأسواق. ومن خلال العمل مع منظمة التجارة العالمية، يجب عليهم بذل جهود منسقة للرد على الانتهاكات التي ترتكبها كل من الصين والولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تعمل هذه الدول على دعم سيادة القانون الدولي -وهو مفهوم يُغضب بولتون- من خلال الالتزام بتعزيز الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وهذا يعني التمسك بالمبادئ التي ساعدت في دعم السلام والازدهار منذ الخمسينيات، بما في ذلك من خلال دعم الاتفاق النووي الإيراني، وخاصة مع إصرار البلاد على إتمام الصفقة، وسعيها إلى إيجاد حل سلمي لأزمة كوريا الشمالية.  
بينما يضع ترامب وفريقه سياسة مدمرة تلو الأخرى، يجب أن تستجيب ديمقراطيات العالم الأخرى بكفاءة وتعاون. وعندئذ، يمكن أن يأمل المجتمع الدولي الاستمرار حتى عودة قيادة أميركية أكثر مسؤولية.

اضافة اعلان

*آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ، ومفوض الاتحاد الأوروبي السابق للشؤون الخارجية. وهو مستشار لجامعة أوكسفورد.
*خاص بـ"الغد" بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".