"الكبت": قاتل صامت يهدد صحة الفرد النفسية ويقيد علاقاته

"الكبت": قاتل صامت يهدد صحة الفرد النفسية ويقيد علاقاته
"الكبت": قاتل صامت يهدد صحة الفرد النفسية ويقيد علاقاته

عاش محمد عبدالرحمن (33 عاما) صمتا مطبقا وتنازلات متكررة من أجل الحفاظ على علاقة هادئة مع زوجته. آمن أن هذا النهج هو السبيل الوحيد لضمان استمرار زواجهما من دون مشاكل، متجاهلاً مشاعره واحتياجاته.

اضافة اعلان


يعترف محمد أنه في الماضي كان يختار كبت مشاعره في كثير من المواقف التي أثارت شعوره بالضيق. ولم يكن يدرك حينها أنه يكتم نارا تتقد بداخله. ويرجع محمد سبب ذلك إلى جهله بكيفية التعبير عن مشاعر الضيق والحزن، بل كان يربط التعبير عن المشاعر بالضعف.


يقول "تربينا على فكرة أن التعبير عن العواطف ضعف، وأن الصمت وكبت المشاعر هما الحل". معبرا عن ندمه على تبنيه لهذا المعتقد، لاعترافه بأنه سبب له المزيد من الضيق بدلاً من الراحة.


يشير محمد إلى أنه بعد معاناة من الضيق لسنوات، استمع إلى نصيحة صديقه، وقرر البوح بمشاعره لزوجته مهما كانت، ليشعر براحة كبيرة وزوال ثقل كبير عن صدره نتيجة لذلك.


والأمر ذاته، واجهت سيرين (28 عاما) صعوبة في التعامل مع تصرفات زوجها التي كانت تسبب لها الضيق. فكانت تلجأ إلى الصمت وكبت مشاعرها حرصا على عدم إثارة حزنه أو خلق مشاكل بينهما، ولكنها لم تدرك أن ذلك كان يتسبب بقنبلة موقوتة داخلها تنتظر الانفجار.


تروي سيرين المعاناة النفسية الناجمة عن كبت المشاعر. فبدلا من أن يساعدها ذلك على تجاوز صعاب الحياة، زاد الأمر سوءا، تاركا أثرا سلبيا عميقا على صحتها النفسية وسلوكها. سيطرت مشاعر القلق والتوتر عليها، ولم تتمكن سيرين من التحمل أكثر. لقد وصل صبرها إلى نهايته، ففجرت مشاعرها المكبوتة أمام زوجها دفعة واحدة. أدى هذا إلى انهيارها نفسيا وجسديا.


وتعبر عن غضبها المكبوت، قائلة "المفروض نحن النساء نصمت ونتحمل، وهذا أكبر خطأ". هذه العبارة تعكس الصورة النمطية التي فرضها المجتمع على المرأة، والتي تقضي بضرورة الصمت والتحمل، بغض النظر عن مدى الظلم الواقع.


وما بين البوح بالمشاعر والكبت الداخلي معضلة نفسية يعاني منها الكثير. وهنالك سعي من قبل الناس لبناء علاقات ناجحة مع الآخرين، مما يدفع البعض إلى كبت مشاعرهم وإخفائها خوفا من التأثير السلبي على تلك العلاقات، وبذلك يفتحون بابا من الاضطرابات النفسية التي قد تدخلهم في دوامة من الأزمات.


تشرح الدكتورة اختصاصية الإرشاد التربوي والنفسي والعلاقات الزوجية سلمى البيروتي، أن الكبت العاطفي يمثل إحدى آليات التكيف والتعايش التي يلجأ إليها الإنسان في مواجهة الضغوطات أو المواقف، خصوصا عندما لا يعرف كيفية التعامل معها بطريقة صحيحة، قد يلجأ إلى كبت مشاعره، وذلك تجنبا للمزيد من التوتر.


تؤكد البيروتي أن كبت المشاعر لا يمثل فقط تجنبا للمشاعر السلبية، بل هو كبت هائل داخل الفرد ليصبح مصدرا للأذى النفسي على المدى الطويل، لافتة إلى أن المشاعر تختلف من شخص لآخر، وذلك تبعا لطبيعة الفرد وخلفياته وتجاربه.


التعامل مع المشاعر تحت الضغوطات هو موضوع أساسي، فالبعض يكبت حتى تستمر العلاقة، ولكن هنالك ثمن باهظ لذلك على الصعيد الشخصي، في حين أن آخرين لديهم ردود فعل سريعة للأمور، وفي كلتا الحالتين، الإنسان يفقد توازنه العاطفي أو الانفعالي.


وتؤكد البيروتي أنه في كلتا الحالتين هذا غير مفيد للعلاقات، لأن العلاقة هي الحالة التي يكون فيها الفرد متصلا عاطفيا وفكريا وروحيا مع الشريك الآخر، فالعلاقة تحتاج إلى التعبير سواء كان لفظيا أو غير لفظي.


وتذكر البيروتي أن الدراسات أوجدت أن غياب التواصل العاطفي والفكري يؤدي إلى انهيار العلاقات، والعاطفي بشكل أكبر، فمن خلاله يتم التعبير عن حاجات الفرد والآخر يلبيها من مودة وتشجيع واحترام وتقبل ومواساة وأمان وغيره من الحاجات العلاقاتية.


وتشدد البيروتي على أن أي علاقة تفقد تلبية هذه الحاجات تكون عواقبها كبيرة مع الوقت وقد يحدث الانفصال، وكما تظهر أعراض عديدة على الفرد، منها الاكتئاب والوسواس القهري وغيرها من الاضطرابات النفسية والإدمان سواء على العمل أو الشراء وغير ذلك، وعلى المدى البعيد، تظهر هذه الأعراض بسبب الكبت العاطفي للمشاعر والعواطف والحاجات بداخل الفرد.


وتشير البيروتي إلى أن سبب الكبت يعود إلى مرحلة التنشئة، فلم يكن لدى الفرد النموذج الذي يعلمه كيف يتعامل مع مشاعره ويعبر عنها، وهنالك من يرى في ذلك ضعفا، فلا يصح أن تعبر عن مشاعرك وعواطفك لكي لا يستغلك من حولك.
وتقول البيروتي "للأسف، قد يفقد بعض الأفراد الوعي بذواتهم، فلم تقدم لهم فرصة تأكيد أهمية مشاعرهم وإخراجها أو حتى إيجاد المفردات للتعبير عما يجول في النفس البشرية من عواطف وأحاسيس".


ووفق البيروتي "ينبغي التعبير عن مشاعرنا بشكل ناضج وليس فقط أن يكون الفرد مسيرا بعواطفه ومتناسيا الجانب العقلاني"، ولذلك نحن دائما نحتاج إلى الدمج بين الفكر والعاطفة حتى نصل لحالة من النضوج.


ولكن، من ناحية أخرى، إذا كان اعتماد الفرد الكلي فقط على عقله من دون اللجوء إلى المشاعر أو العواطف الخاصة به، سوف يؤدي به إلى أن يكون جافا، لذلك فإن التعبير عن المشاعر سواء الامتنان والفرح أو حتى الحزن والضغوطات لأشخاص نثق بهم، هو الحل الأفضل.


ويقول "ينبغي على الفرد الوعي بذاته وحاجاته النفسية والاجتماعية والعلاقاتية، فكل إنسان لديه حاجاته مع الشريك، ولابد من البدء بتعلم كيفية تلبيتها وتقديمها للآخر، ومعرفة كيف يستقبل من الآخر مشاعره وليس التقليل من قيمتها، إنما استقبالها بكل صدر رحب".


ومن الجانب النفسي، يبين الاختصاصي النفسي موسى مطارنة، أن الكبت العاطفي هو من أخطر أنواع الكبت، إذ يكون الشخص في حالة من غياب التوازن النفسي.

 

وأمام الضغوطات النفسية التي يمر بها الفرد وتسبب له حالة من القلق والتوتر والعصبية وأمراض الضغط والقلب وغيرها، لا بد من تفريغ الإنسان لما بداخله.


وبما يخص الكبت العاطفي للمرأة، يشير مطارنة إلى أن المرأة في مجتمعاتنا قد تخجل من أن تعبر عن ذاتها واحتياجاتها، فيظهر الكبت أمام الصمت العقابي والتصحر العاطفي. وهذا نتيجة لموروث ثقافي خاطئ، بحسب مطارنة، ما يولد لدى المرأة ضغطا نفسيا ووسواسا وخوفا تنعكس سلبا على صحتها لتجد نفسها في حالة من البكاء الصامت وإخفاء ألمها بصمت.


ولذلك، الكبت من أخطر الأمور على النفس الإنسانية، بحسب مطارنة، وهو أساس جميع الأمراض النفسية والعضوية، ولذلك ينصح بالتعبير عن النفس، فالصمت والكبت قاتلان، والإنسان بحاجة لأن يعبر عن احتياجاته النفسية وألا يصمت.


ويؤكد مطارنة أن الإنسان القوي يتجنب الكبت ويعبر عن ذاته، يطالب بحقه ويعبر عنه ويملك القوة والشجاعة لفعل ذلك. لذلك، ينصح جميع أولياء الأمور بأن يمنحوا أبناءهم حرية التحدث والحوار وتقبلهم والتفاعل معهم بعيدا عن العنف أو الصراخ أو كبت مشاعرهم.


ويختتم مطارنة حديثه، أن علاج الكبت يتطلب استخدام استراتيجية التفريغ الانفعالي من تمارين التنفس والرياضة والمشي وكتابة ما يجول في نفس الإنسان على ورقة والتأمل واليوغا، إلى جانب الذهاب إلى مكان يعطي شعورا بالراحة والتعبير عما بداخله أولا بأول.

 

اقرأ أيضاً: 

متى يكون الصمت طوق نجاة للإنسان؟

"الصمت".. حينما يكون فرصة للعلاج ومغادرة دوامة الضغوط النفسية

التعبير عن مشاعر الحب يحرر النفس من السلبية ويمنح الصفاء