عام ألفين وعينيكِ!

"زمان"، وأعني العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي. وهنا يرتجفُ قلبي، أشعرُ أنني كائن "عتيق" ولد بين عصريْن، تماما كما كنا نندهش، صغارا، حين نقرأ قرب تعريف الإمام محمد عبده في كتب التاريخ أن حياته الثرية كانت بين عاميْ 1849 - 1905.

اضافة اعلان

لم تكن الأمور "جدية" بالنسبة لصغار يبتهجون أنهم أدركوا العام الأخير من عقد السبعينيات، وصار لتاريخ ميلادهم مهابة؛ ألا يكفي أنني- كنتُ أتفاخر أمام أقراني من مواليد العام 1980 - ولدتُ في العقد الذي ماتت فيه أم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، وكانت "وردة" في أول تفتحها، وهاني شاكر مطرب صاعد!

بل كنا أقل جدية؛ فالساعة نفضلها ذات أرقام، ومهمتها الوحيدة أن تعدو بالزمن، وتلتهم أعمارنا حتى تنتهي حصة الرياضيات، ونخرج لتكملة الحياة في ملعب صغير، فتصبح مهمة الساعة الكبرى أن تؤخِّرَ الغروبَ حتى هدف حاسم لا يسجله أحد!

رتمُ الحياة كان بطيئا؛ هكذا شعور منْ يدخلُ الحبُّ إلى قلبه في العاشرة من عمره، ويكونُ أصغر من "حبيبته" بثلاثة مناهج دراسية من دون حذف الصفحات الأخيرة نهاية العام!

يتمنّى لو ينزل سالفه إلى أسفل، ثم يحلقه بدرجة صفر مع خط نصف دائري غليظ أسفل رأسه..؛ ما يعني أنه صبيٌّ يستعجلُ المراهقة في عقد التسعينيات!

وتأتي المراهقة، وتكون ثمة بنت جيران تستعجلُ الزواج، حين تغادرُ المدرسة في الصف العاشر بعد أن تستكمل شروط النجاح في درس التدبير المنزلي. ونحنُ شباب، قبل العشرين، لا نحسنُ إلا البكاء على أغنية "عيناكِ"، ولا نملكُ إلا القليل من الحظ الذي حالفَ أبطال فيلم "اسماعيلية رايح جاي"!     

ندخلُ الجامعة، تكون ساعاتنا عقارب نشطة نستحثها أن تزحفَ بنا خارج المحاضرة للقاء طالبة إدارة الأعمال، الجميلة غالبا، التي تسكنُ في عمّان الغربية، ولديها سيارة "بيجو" حمراء، ونستعين بطالب الأدب العربي لكتابة رسالة غرام تصلها عبر "الإيميل" بعشرين نسخة متطابقة، من عشرين عنوانا إلكترونيا!

في سني الألفين صار الأمر "جَدْ"، بل ومخيفا فعندما تحين ساعتي، التي لا عقارب ولا أرقام فيها، سيكون على شاهدي مثبتا رقم مبهر يلخص حياتي في قرنين: 1979 ـ 2019.. هكذا سيكون على الأغلب!

لكن قبل ذلك، عشتُ بكثير من القلق، أحببتُ ألف امرأة عبر "إيميل" إضافي لا يحمل اسمي الصريح، ووعدتُ فتيات كثيرات بالزواج، وكنتُ دائما أخرجُ من العلاقة صادقا.. لأنني كائن افتراضي ليس لدي قيد دقيق في دائرة الأحوال المدنية!  

واليوم كذلك أنا "واحد من الناس"؛ ناس اعتادوا نسبَ الأعوام إلى "نكبات" أو "نكسات" وكذا "حصار"، واتفاقيات ليس فيها من السلام إلا بياض صفحاتنا! وأحتاج، كما تحتاجون، إلى عام يخصُّني وحدي؛ فالأرقام تركض من 1 ـ 9 ، ولم يتبق الكثير حتى العام 2019.

وهذا العام سيكونُ باسمكِ، قليل الأرقام، سأنتسبُ إليه، وقد أحتاجُ إلى قسم يمين، صادق، في محكمة العدل، أنَّ تاريخ ميلادي باتَ الأول من أول رمشة في عام ألفين وعينيكِ!   

لكن أسألكِ بالله لا ترمشي كثيرا.. أريدُ الحياة على مهل، ففي السابق استعجلتُ أكثر مما ينبغي؛ استعجلتُ الشاربَ ولم ينبتْ، استعجلتُ الحبَّ فلم يأتني بعد الزواج. وها أنا أستعجل الحياة فجاءت أخيرا..؛ والآن ما دمتُ في عام عينيكِ، فلا أستعجلُ الرحيلَ! 

[email protected]