في الجبة غاز وألغاز

سائد كراجة عندما سئل ونستون تشرتشل عن نوايا روسيا في الحرب العالمية قال: «‏ a riddle wrapped in a mystery inside an enigma»، وهو ما يمكن ترجمته انها لغز مغلف في لغز داخل لغز، واضاف وقد يكون مفتاح اللغز مصالحها الوطنية، واوكرانيا منذ عصر ستالين كانت وما تزال الخاصرة الرخوة، التي يستغلها الغرب لتهديد روسيا، والروس لم ينسوا تحالف الاوكران مع هتلر في غزوه لروسيا، ولهذا أعلن بوتين ان من اهداف حملته القضاء على «النازيين الجدد» في اوكرانيا. وبالحديث عن بوتين فإن بداية الصراع بدأت من استخفاف شخصي كبير من بوتين القيصر، بالرئيس الاوكراني الكوميديان، الذي وصل للحكم في اوكرانيا من مسلسل كوميدي مثل فيه دور الرئيس، ثم هزم حليف روسيا في اوكرانيا وتولى الرئاسة، وبعدها وجه بوصلته نحو «الاستقلال» عن روسيا، ولوح بالانضمام للناتو والاتحاد الاوروبي، بل لقلة خبرته السياسية بدء يتصرف وكأن اوكرانيا جغرافيا جزء من «اوروبا الغربية». قل عن بوتين ما تشاء، ولكن لا تقل عنه انه معجب بالنموذج الديمقراطي الاوروبي، فحريات التعبير والحريات العامة في بلاده مقيدة الى حد بعيد، ويذكر انه رئيس مؤمن – ويقال ان امه عمدته حين الولادة رغم ولادته في عز الحكم الشيوعي-، ولا شك انه قائد فذ وشخص استثنائي في مسيرته المهنية والشخصية، وهو نموذج للاجتهاد والتفاني بالعمل. بوتين يحكم دولة مساحتها ثمن مساحة الكرة الارضية، وهي للتقريب ثمانية عشر ضعف مساحة مصر، وهو في نمط حكمه اقرب للنموذج الستاليني، مع اتباع فلسفة السوق الحر المقيد في الاقتصاد، واباحة معظم الحريات الشخصية غير السياسية، ولديه حلم شخصي بروسيا القيصرية الامبراطورية، ولهذا فإن لب النزاع هو ان انضمام اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو، يعني ان الارض الاوكرانية صارت ارضا معادية لروسيا، وصارت صواريخ الناتو في عقر موسكو، وصار خط الغاز الروسي الذي يدر دخلا هائلا على روسيا رهن سيطرة حلف الناتو، وهذا كله تهديد «وجودي لروسيا». ما كنت لألتفت للازمة الاوكرانية الروسية، لولا إشارة وزير ماليتنا إلى انها «عمقت تعقيدات المشهد الاقتصادي»، وأظنه يشير الى ارتفاع اسعار النفط الذي تثقل فاتورته ميزانيتنا، اما ان الازمة تهدد بحرب عالمية ثالثة؛ فإننا نعيشها منذ الخمسينيات وبدرجات متفاوتة، ما لفت نظري ان بوتين يلعب لعبة الدول الكبرى والقانون الدولي، حيث تستغل هذه الدول القانون الدولي ولا تتبعه، فهو حين مواجهته بمخالفة القانون الدولي ذكرهم بغزو العراق والتدخل في سورية. الدرس المستفاد لنا أردنيا، وللجنة التي تخطط للاقتصاد الآن، ان الدول تعيش بالتعاون الاقتصادي، وليس بالاعتماد الاقتصادي، ويجب ان نسعى لهذا الاعتماد على الذات، وعلى قد لحافنا، وان نقيم علاقات تكامل اقتصادي يجبر قلة الموارد عندنا، اما سياسيا فإن الدرس المستفاد ان «التحولات البرتقالية» ليست خيارا وطنيا وحسب، بل هي معادلات اقليمية يجب مراعاتها، ويقل تاثيرها بالاستقلال الاقتصادي، وحسن التدبير السياسي، وايضا ان اميركا حليف مهم وضروري، لكنه حليف مضر حينما يكون حليفا حصريا. اما الدرس المستفاد عربيا فهو ان كل العالم يستنكر مخالفة القانون الدولي، الا في القضية الفلسطينية فهم جميعا قابلون وصامتون عن مخالفته في النزاع العربي الاسرائيلي من القيصر الى الكوميديان الاسرائيلي، مرورا بسكان البيت الابيض وليس انتهاء بقادة الاتحاد الاوروبي! وقديما قالوا الحكم الرشيد هو ان تعرف كيف تختار الاصدقاء، وكيف تختار الاعداء، ولا أعتقد ان هذه افضل ميزاتنا عربيا، فاهم علي جنابك؟!

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان