ليعرف حزب "العمل" أصوله

إسرائيل هيوم يوسي بيلين 4/1/2019 لا يعد حل المعسكر الصهيوني نهاية حزب "العمل"، حتى وان كان يبدو انجازها في 2015 في هذه اللحظة توقا بعيدا (24 مقعدا برئاسة اسحق هيرتسوغ وبالشراكة مع حركة تسيبي ليفني). فالعمل الذي اقام الدولة ومؤسساتها وجعلها معجزة حقيقية، ليس ظاهرة عابرة على نمط "داش" 1977 أو "المتقاعدون" 2006، ممن اقتحموا علمنا بعصف، احتلوا مكانة شرف في الكنيست، واختفوا كما جاءوا. مثل الاشتراكيين في فرنسا، حزب العمال البريطاني او الاسترالي، السويدي أو النرويجي، أو مثل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ودول كثيرة اخرى، فانه هنا كي يبقى. ان الحركة التي تمثل الكفاح الدائم لتقليص الفوارق في المجتمع وضمان شبكة أمان اجتماعية من خلال الدولة، والتي تؤمن بان السلام ليس متعذرا وان القومية المتطرفة هو خطر رهيب، لن تختفي. يمكنها ان تتقلص، من شأنها أن تخسر في الانتخابات، ولكن أيضا ان تنتعش وتنمو. من يحاول ان يعرض التأييد للعمل كتدهور متواصل نحو الهوة، يمكنه أن يكون شاعريا جدا ولكنه يخطئ الحقيقة. في 1996 في الانتخابات المزدوجة لرئاسة الوزراء والكنيست، انتصر اليمين برئاسة نتنياهو على اليسار برئاسة شمعون بيرس، بأقل من 1 في المئة. ولكن في الكنيست حصل العمل على 34 مقعدا، بينما اضطر الليكود للاكتفاء بـ 32. بعد ثلاث سنوات من ذلك، في 1999، انتصر العمل برئاسة ايهود باراك (هذه المرة في اطار "إسرائيل واحدة" مع "غيشر" برئاسة دافيد ليفي)، فيما أن الفجوة الشخصية في صالح باراك كبيرة جدا. اما المقاعد التي اعطيت للكتلة فكانت 26، مقابل 19 لليكود. في 2003 انتصر الليكود، اما حزب العمل، الذي تنافس هذه المرة وحده، فاضطر للاكتفاء بـ 19 مقعدا برئاسة عمرام متسناع. بعد ثلاث سنوات من ذلك، في الانتخابات التالية، ترأس العمل عمير بيرتس وفاز مرة اخرى بذات العدد من المقاعد، فيما اضطر الليكود للاكتفاء بـ 12 مقعدا، اما كديما، الذي اختفى حاليا، ففاز في الانتخابات. في 2009، هذه المرة برئاسة باراك مرة اخرى، حصل العمل على 13 مقعدا فقط، كان هذا عدد المقاعد الادنى في تاريخه، اما في 2013 تحت قيادة شيلي يحيموفيتش، ففاز العمل بـ 15 مقعدا. وبعد سنتين فقط فاز بـ 9 مقاعد اضافية. في كل مجتمع ديمقراطي محفل محافظ تقليدي، ويوجد محفل لا يسلم بالوضع الراهن، يكافح لتوسيع حقوق الانسان، يؤمن بالمساواة وبتغيير النظام القائم. هذا هو التوزيع البشري العام. لم تولد بعد ديمقراطية حقيقية ليس فيها الا يمين أو يسار. وعليه، فأحزاب مثل العمل وميرتس سيبقيان هنا، ومرغوب فيه أن يفعلوا ذلك كتجمع وليس كحزبين مختلفين. عندما تقلص حزب العمل نالت اصواته الاحزاب الغريبة، وعندما اتسع – تقلصت هذه الاحزاب "الوسطى"، او اختفت على الاطلاق. بعد حل المعسكر الصهيوني يقف العمل امام بضعة احزاب تصف نفسها كوسط وتسعى لان تحصل على الاصوات الطائشة. والسؤال الذي يقف امامه هو كيف يضمن الحفاظ على قوته في اطار جانب الوسط- اليسار من الخريطة، وكيف يضمن حجم الكتلة كلها كي يمنع اليمين من اقامة الحكومة التالية (رغم انه واثق بانتصاره، وبات يتحدث عن أن الائتلاف الحالي سيكون الائتلاف التالي أيضا). بشكل عام، حاول قادة حزب العمل ان يعرضوا انفسهم كرجال وسط. لم يكن هذا استعراضا عابثا. في نظرهم كانوا هم رجال السبيل القويم، لم يكن مثلهم من يمثل المصلحة الحقيقية لدولة إسرائيل والحفاظ على أمنها. اما محاولة اليمين تقديمهم كيساريين، فقد اغضبتهم لانهم لم يروا انفسهم هكذا. بالنسبة لهم اليسار الصهيوني الذي اقام الدولة كان التيار المركزي للمجتمع الإسرائيلي، حين كان من على يسارهم هم الشيوعيون او جماعات صغيرة من اليسار شددت (في نظر زعماء حركة العمل) العدالة العربية اكثر مما مثلوا الحقيقة الإسرائيلية. من اليمين رأوا مناحيم بيغن وخلفائه، اناس مثلوا القومية المتطرفة والشعبوية، أصدروا الوعود التي لم يقصدوا ابدا الايفاء بها واشعلوا الكراهية للآخرين بمعرفتهم كم هي الكراهية تجتذب الاصوات. إن السنوات الطويلة التي وجد فيها اليمين في الحكم سمحت له في ان يلون التيار المركزي (على الاقل في نظر نفسه) بلون أحمر فاقع، لم يكن لونه الحقيقي ابدا، فوجد نفسه ينفي من "التهمة" ويفر منها، بنجاح جزئي جدا. ان النجاحات السياسية التي حملت العمل إلى رئاسة الوزراء بعد تحول 1977، وقعت عندما اطلقوا الوعود الملموسة التي نبعت من الفكر الايديولوجي. هكذا، مثلا، وعد بيرس في 1984 بانقاذ إسرائيل من الهوة الاقتصادية، وبالفعل حقق ذلك بعد اقل من سنة من انتخابه، من خلال "الخطة الاقتصادية". اما اسحق رابين فوعد في 1992 بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين "في غضون ستة حتى تسعة اشهر"، وقد حقق ذلك بالفعل، من خلال اتفاق اوسلو وغير وجه المنطقة. باراك وعد في 1999 بالخروج من لبنان في غضون سنة من اقامة حكومته، وقد فعل ذلك دون أن يصاب اي جندي إسرائيلي، وفي غضون فترة قصيرة من وعده. تجمع من العمل- ميرتس برئاسة آفي غباي يجب أن يرفع العلم الاشتراكي – الديمقراطي، وان يقول بالشكل الاكثر مباشرة وبساطة ما في قلبه. وبدلا من الدخول في معركة على ساحة الوسط، وبدلا من مغازلة المستوطنات والمستوطنين، بدلا من التسليم بالتدين المستشري، يمكنه أن يسمح لنفسه بان يكافح في سبيل اعلامه. أن يعد بالغاء القوانين القومية المتطرفة الشعبوية التي سنت بالهام البيت اليهودي وحلفائه في الليكود، ممن سعوا لتحويل إسرائيل إلى ديمقراطية غير ليبرالية. سيتعين على التجمع الجديد ان يعد بان يتحول التعاون غير المباشر مع حماس في غزة إلى تعاون مباشر مع القيادة الفلسطينية الشرعية في رام الله، في ظل جهد علوي لضمان حدود بيننا وبين الفلسطينيين. اعرف، هذا لن يكون سهلا. ولكن يجدر بنا أن نتذكر القصة القديمة لصاحب المخمر العائلي: فعلى مدى كل السنين خلط هو وابناؤه النبيذ بالماء. وعلى مدى السنين بدأ المشترون يبتعدون عنهم. عندما كان على فراش الموت، تجمع الابناء حول سريره، وبصوت آخذ في الضعف روى لهم سره: "يمكن صنع النبيذ من العنب فقط!".اضافة اعلان