معركة الموصل امتحان عسير لقدرات "داعش" والحكومة العراقية

مقاتلة رافال الفرنسية تنطلق من حاملة طائرات في الخليج العربي لضرب مواقع تنظيم داعش في العراق.(ا ف ب)
مقاتلة رافال الفرنسية تنطلق من حاملة طائرات في الخليج العربي لضرب مواقع تنظيم داعش في العراق.(ا ف ب)

سليمان قبيلات

عمّان - باتت معركة الموصل الموعودة في الربيع المقبل، امتحانا عسيرا للحكومة العراقية وتنظيم "داعش" الذي تتقلص خريطته الجغرافية على نحو واضح في العراق، بينما تبدو الحكومة في وضع لا تحسد عليه أمام الإعلانات الاميركية المتوالية عن موعد الهجوم وخطته، فضلا عن الضغط الذي تمارسه مليشيا "الحشد الشعبي" للمشاركة في المعركة، الأمر الذي سيثير ردود فعل غاضبة في الموصل.
وتقول مصادر اميركية إن القيادتين الأميركية والعراقية أثارت الشكوك حول مدى استعداد القوات البرية العراقية للمعركة، لا سيما أنها استعادت بصعوبة مدنا أصغر بكثير من الموصل.
ويتفق متابعون على ان "داعش" خسر معظم مناطق نفوذه في محافظة ديالى ومناطق كبيرة ومهمة في محافظة نينوى، كسنجار وزمار، اضافة الى ان القوات العراقية والكردية باتت على مشارف مدينة الموصل".
في غضون ذلك، أكد مسؤول نافذ في البيشمركة الكردية، وصول شحنة من الأسلحة والذخائر إلى أربيل لاستخدامها في معركة الموصل الكبرى.
ويرصد المراقبون حالة من الإرباك يعيشها داعش داخل الموصل التي تعتبر أحد أهم معاقله، ولم تعد آمنة لقياداته، لافتين الى ان "المعلومات الواردة من الموصل تؤكد أن التنظيم بدأ يعاني حالاً من الانهيار والتفكك الداخلي، والاختراقات الكبيرة على مستوى القيادات، حيث قتل مؤخرا عدد منهم، ولعل أبرزهم قائد القوة الخاصة "أبو سليمان"، الذي قضى في غارة شنتها طائرة تابعة للتحالف في 23 الشهر الماضي، وذلك بعد يوم واحد من مقتل وزير الصناعة العسكرية في التنظيم قرب المنطقة الصناعية في الجانب الغربي من المدينة، وهو من عشيرة السبعاوي".
ومن بين قيادات داعش التي قتلت، والي الموصل رضوان الحمدوني "أبو جرناس" وثلاثة من كبار معاونيه، بينهم رافع المشهداني، وحسن سعيد الجبوري "أبو طالوت" الذي عين والياً على المدينة، والقائد الميداني للتنظيم شهاب أحمد اللهيبي "أبو سعد".
ويلاحظ المراقبون أن "تزايد وتيرة استهداف قيادات داعش يؤكد أن منظومة القيادة والسيطرة تتعرض إلى ضربات مباشرة ومؤثرة، وأن الاحتياطات الأمنية والاعتقالات الواسعة لم تحل دون استمرار هذه العمليات الدقيقة. الأمر الذي انعكس سلباً على علاقة قيادات التنظيم بعضها مع بعض، حيث يسود جو كبير من التوجس واللاثقة".
ويسجل المراقبون "خلافات داخلية كبيرة بين قيادات داعش من العرب والقيادات العراقية، فالقيادات العربية تطالب بأن يكون لها دور في المناصب الإدارية والخدماتية وليس في الشؤون العسكرية فقط. كما أن القادة العراقيين باتوا يتذمرون من تصرفات بعض القادة العرب وقسوتهم المفرطة تجاه الجنود والناس". وذكرت المصادر أن أحد القادة العراقيين ويدعى إسماعيل الخاتوني، قتل في أطراف غرب الموصل بعد شجار مع بعض القادة العرب، واتهامهم له بأنه ينتمي إلى حزب البعث، ويسرب الأخبار إلى استخبارات التحالف. 
واعتبر المراقبون "رواية مقتل الخاتوتي مؤشرا لمنعطف خطير قد يحدث داخل التنظيم، لأن معظم قياداته العراقيين هم من حزب البعث سابقا، وإذا ما تكررت هذه الأحداث فمن الممكن أن تحدث انشقاقات مستقبلية، ومواجهات عنيفة بين هذين الجناحين القويين". ويربط المراقبون خروج عدد من المقاتلين العرب وعائلاتهم من العراق إلى الرقة بهذا الصراع الداخلي في داعش.
كذلك لا يغفل المراقبون "انفضاض الحاضنة الشعبية عن داعش، إذ تسود حال من النفور والاستياء سببتها القوانين الصارمة التي يفرضها التنظيم على الناس، وحملات الاعتقالات الواسعة وما يرافقها من إذلال وتعذيب، اضافة الى ازدياد وتيرة الاعتقالات لكوادر النقشبندية في الموصل". وقالوا ان الاضطهاد المستمر دفع عشائر عربية للوقوف إلى جانب قوات البيشمركة في معاركها ومساندتها ضد داعش، فيما بدأت مجموعات سرية تنشط وتعمل على اغتيال وتصفية عناصر التنظيم، لعل أبرزها سعود الجحيشي، الذي قتل على طريق الموصل بغداد.
لكن الأمر الأكثر لفتاً للانتباه، حسب المراقبين هو "إقدام عدد من الأشخاص، وللمرة الأولى، على كتابة شعارات مناوئة لداعش في 21 الشهر الماضي على بعض المنازل التي تقطنها عوائل عناصر التنظيم في منطقة العكيدات، ومن هذه الشعارات: "الخوارج الكفار، سنسحق رؤوسكم ونقتلكم أنتم وعوائلكم، سنقتل كل من انتمى لداعش".
ويتوقف المراقبون عند التدهور الاقتصادي الذي يعيشه داعش، بعد استهداف التحالف للمنشآت النفطية التتي يسيطر عليها التنظيم، وانخفاض أسعار النفط، والموازنة الكبيرة للتنظيم، ما أثر بشكل كبير على خزينته، اذ اتخذ التنظيم مؤخرا إجراءات اقتصادية تعكس مدى تدهور وضعه المالي. منها إقدام عناصره على جباية الإيجارات في المنطقة الصناعية في الموصل لسنتين مقبلتين، وفرض ضريبة كبيرة على شركات الإنترنت تصل إلى 40 بالمائة، ليسمح لها بالعمل.
وتحت ضغط المصاعب التي تواجهه، بدأ داعش بإحصاء المحلات والأكشاك وترقيمها في الموصل، لإجبار البائعين على دفع مبالغ الإيجار التي يفرضها التنظيم، اضافة الى اصدار أمر للبنوك بعدم إعطاء الأرصدة لأصحابها إلا بعد مراجعة التنظيم، لمعرفة ما يتوجب على كل فرد من أموال زكاة. لكن الإجراء الأكثر غرابة هو طلب التنظيم من قادة جميع المناطق، تخصيص مجموعات مهمتها إخلاء البيوت التي يسيطرون عليها وسلب محتوياتها، من أثاث وغيره، ونقله إلى الموصل وبيعه في الأسواق، وتحويل هذه المبالغ إلى خزينة التنظيم.
ويرصد المراقبون كذلك، إجراءات عسكرية طارئة، مثل، سحب خمسين في المائة من الموظفين وإرسالهم إلى القتال، بينما اكدت مصادر مطلعة أن كثيراً منهم فروا من الموصل إلى جهات مجهولة، اضافة الى قتل كل الهاربين من المعارك.
ومن المصاعب التي تواجه كذلك، انه يخشى ان يستولي الجيش العراقي والبيشمركة الكردية على طريق يشقه من الموصل بمسافة مئة كيلومتر حتى الحدود السورية وصولاً إلى الرقة، اضافة الى تفخيخ البنايات الكبيرة التي تصلح لعمليات الإنزال، ومنها بنايات المجمع الحكومي في الموصل، وإحاطة جنوب غربي الموصل بصبّات كونكريتية وسواتر ترابية كبيرة، اعتقادا بأن الهجوم سيأتي من هذه الجهة.
اميركيا، لم يستبعد وزير الدفاع الاميركي أشتون كارتر في تصريحات اول من امس، ارسال جنود الى الارض لمواجهة داعش، وقال ان اي تدابير عسكرية اضافية يتعين دراستها بشكل متأن. وأكد "سنفعل كل ما يلزم لننتصر". وتعهد الوزير الاميركي بالحاق الهزيمة النهائية  بداعش.
وحسب مسؤولين أميركيين، تستلزم إعادة السيطرة على الموصل، التي يفوق عدد سكانها مليون نسمة وتعد ثاني كبرى مدن العراق، ما بين 20 ألفا و25 ألف جندي عراقي وكردي لتطهيرها من مبنى لآخر، مع احتمال أن يكون الكثير من الشوارع والمباني مفخخة، علما بأن من المقرر أن تبدأ المعركة في نيسان (ابريل) المقبل.

اضافة اعلان

[email protected]