ناهض... لا لكاتم الصوت

جريمة اغتيال الكاتب الصحفي ناهض حتر، على درجات قصر العدل في عمان تعتبر الاولى من نوعها التي تستهدف شخصية اعلامية او سياسية بسبب آرائه السياسية او الفكرية، وهذا بحد ذاته منحى يتوجب أخذه بعين الاعتبار من قبل كل الجهات المعنية سواء بالتحقيق او بقراءة المشهد الداخلي بشكل عام.اضافة اعلان
وايضا يتوجب التعامل مع مثل هكذا منحى بعيون مفتوحة ويقظة غير متناهية وتشذيب استخدام  مواقع التواصل الاجتماعي بحيث لا تكون تلك المواقع منصات لبث الفتنة والكراهية ورفض الاخر والتشفي بالقتل.
فجريمة الاغتيال المدانة بكل المقاييس الدينية والانسانية سبقتها حملة تحريض غير معهودة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتجييش غير منطقية، وهي تعيدنا الى زمن التسعينيات عندما طالت يد الارهاب الكاتب المصري الدكتور فرج فودة  1992 والذي تم اغتياله على يد ما كان يطلق عليها الجماعة الاسلامية المصرية بسبب آرائه الفكرية وكتاباته المختلفة وخاصة كتابه "الحقيقة الغائبة".
من قتل حتر كان يريدنا الدخول في الحيط، يريد تمزيق نسيجنا الاجتماعي ويشوه فسيفساء وطننا الواحد الذي طالما كان عصيا على أي عبث او تطاول عليه، فهو اراد بفعلته تلك زرع بذور فتنة لا تنتهي، هدفه منها ادخال البلاد والعباد في ازمة داخلية تطول نسيجنا ووحدتنا.
الكلام والتنظير وبيانات الشجب والاستنكار وتبادل الاتهامات لا يفيد في هذا الصدد، فما حصل حصل، والنتيجة قيام قاتل يؤمن بشريعة الغاب وسيلة للحوار، يرفض سيادة الدولة وعدالتها، فيقرر ممارسة القتل بطريقته وبرؤيته، ويقرر ان يقوم هو بدور القاضي والجلاد.
الرصاصات التي طالت حتر لم توجه له وحده، وانما وجهت للاردن كله، فتلك الرصاصات ارادت  تشويه صورة الاردن الحديث الذي يؤمن بحرية الراي والاختلاف، واحترام الاخر، والتعايش المشترك، أرادت إعادتنا سنين للوراء حيث لا قانون ولا دستور ولا محاكم، ولا فكر ولا معتقد، ولا اختلاف.
من يتابع ما جرى بعد الجريمة النكراء، وبعد أن يلحظ  إدانة كل الجهات والمكونات السياسية لما حدث، سيجد ايضا أن هناك من يسكن بيننا يرفض الآخر، يتشفى بالقتل، ويحرض عليه، من يتحدث بلغة داعشية مرفوضة ومكشوفة، لغة لم نعرفها سابقا، ولم نعهدها، لغة ليست لغة تعايش، وانما تفوح منها رائحة قتل وتحريض واثارة فتن وطائفية مقيتة.
ترى من أقنع القاتل، وأولئك المحرضين وبعض الشامتين، بان القتل هو وسيلة الحوار بيننا، وان القصاص باليد هي طريقة الحوار، وان كاتم الصوت هو الوسيلة الوحيدة لاسكات كل من يختلف معك في الرأي او المعتقد.
كل ذاك يجعلنا نعلي الصوت بأهمية التنبه لتغلغل الفكر السلفي المتشدد بيننا، هذا الفكر الذي لم نعهده ابدا في الاردن، هذا الفكر الذي لا يؤمن بالدولة ولا بالقانون، هذا الفكر الذي يريد اخراجنا من وسطيتنا وتسامحنا ويدخلنا في دوامة الحقد والانغلاق، والتشدد، ورفض الآخر.
علينا بكل مكوناتنا الانتباه بأن الافكار التي أفرزت من اغتال ناهض حتر ما يزال ينهل منها العشرات غيره، وان هناك من يبث سمومه في جسدنا الواحد، ويزرع في عقول بعضنا آراء سوداوية يعبرون عنها حينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وينفذها آخرون بأيديهم، كما حصل مع الزميل حتر الذي نصب قاتله نفسه قاضيا يحكم وينفذ.
ما حصل الاحد الماضي كان صادما بكل مقاييس الانسانية، غير معهود على مجتمعنا بكل المقاييس الدينية، مرفوض بكل مقاييس الحرية والديمقراطية وسيادة القانون.
أولئك السوداويون علينا لفظهم، إخراجهم من بيننا، إعادة تأهيل مجتمعنا والبحث عن بؤر التطرف الفكري الذي يتغذى منها البعض، وغلق منابعها ومشاربها الفكرية.