إنهم يضربون "التوجيهي"

فُلان معه «توجيهي أردني».. مقولة كانت في غابر الأيام تُعد ميزة لكُل من يحمل شهادة الدراسة الثانوية العامة الأردنية، وكأنها «ماركة» مُسجلة للحاصل عليها على مُستوى المنطقة ككُل، إذ تؤهل صاحبها العبور، بكُل سلاسة وسهولة، إلى سوق العمل أو حتى التعليم، لا بل ويُشار إليه بالبنان.

اضافة اعلان


خلال الأعوام القليلة الماضية، بدأت عملية ضرب «التوجيهي الأردني»، وكأنها تدل على أن هُناك عملا مُمنهجًا للقضاء على سُمعة هذا الامتحان، الذي كان يوصف بأنه مُحكم للغاية، غير قابل للتلاعب أو التهاون، بالإضافة إلى أنه يدل على أن الطالب الذي يجتازه قادر على اجتياز أي امتحان آخر، في المراحل اللاحقة، وأقصد هُنا التعليم العالي.


لا أقصد هُنا بأن الوقت غير كاف، فهذا بنظري غير منطقي أبدًا، بدليل وجود طلبة كُثر لم يكترثوا لذلك أو يعترضوا على الوقت، ولا أقصد أيضًا بأن هُناك أسئلة «تعجيزية»، كما يصفها مدرسون وطلبة، فذلك أيضًا مطلوب، وإلا كيف نستطيع «التمييز» بين طلبة ذوي مُستوى مُتقدم وآخرين دون ذلك؟، ومن غير ذلك، كيف نستطيع الفوز بطلبة لابتعاثهم إلى الجامعات المُتقدمة، باعتبارهم «نوابغ»؟، ولا أقصد كذلك بأن الامتحان لا يُراعي الفروقات الفردية، فذلك فيه «بُهت» لواضعي الأسئلة ووزارة التربية والتعليم، على حد سواء.


إنما أقصد ذلك الجدل أو الخلل أو اللغط الذي حصل في بعض امتحانات «التوجيهي»، فتارة تجد خطأ في أحد الأسئلة، كما حصل في ورقة مادة الرياضيات، وتارة ثانية تُعدل وزارة التربية على أحد الأسئلة قُبيل بدء الامتحان، كما حدث في مادة الكيمياء، وثالثة يقع جدل ما بين «التربية» من جهة ومدرسين من جهة ثانية حول «صحة» السؤال، كما حصل في مادة اللغة الإنجليزية.


الأخطاء أو الخطأ الواحد في أي امتحان أمر مرفوض وممنوع، فما بالك عندما يكون في امتحان وطني كـ»التوجيهي»، يُحدد مصير الآلاف من الطلبة، الذين حتمًا استنفدوا وقتهم، ولم يتمكنوا من الإجابة عن باقي الأسئلة، حتى يأتي القرار بإلغاء أو تعديل سؤال مُعين، فضلًا عن أنه يؤثر سلبًا على أولياء الأمور، لا بل على الأُسرة بأكملها.


فعندما يتم إلغاء سؤال ما لوجود «شبهة» خطأ فيه، فإن ذلك يعني وجود خلل واضح لا لُبس فيه، فالأصل بعد ما يقرب من قرن من الزمان لعقد مثل هذا الامتحان، ألا يكون هُناك مجال لأي خطأ أو حتى تعديل، فأين كانت لجنة المُراجعة عندما تم الانتهاء من وضع الأسئلة، والتي يقع على عاتقها التأكد من صحتها؟!.


حصلت أمور، لم تكن تحصل في سابق الأيام، البداية كانت قبيل أعوام، عندما تم «تهريب» أسئلة الامتحانات، وبعدها توالت الأحداث ما بين وجود أخطاء أو تعديلات على أسئلة.. ذلك كُله ليس بريئًا، إلا إذا كان يُقصد منه ضرب امتحان «التوجيهي» في مقتل، يُراد منه تدمير ما تبقى من سمعة التعليم في الأردن، والذي كان يُباهي به دول المنطقة من قبل.


كما يحصل في كثير من مؤسسات القطاع العام من تدمير «مُمنهج»، حيث كانت هذه المؤسسات ترفد مثيلاتها في دول الآن هي في مصاف دول مُتقدمة، فإن ذلك يحصل أيضًا في التعليم، وبالأخص امتحان وطني هو «التوجيهي».. ويبقى السؤال من يتحمل المسؤولية؟ ولمصلحة من يتم ضرب أو «تخريب» التعليم؟.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا