"التهجير".. مسلسل يطال أكثر من دولة!

لا يعتقد أحد، بأن موجات اللجوء والتهجير التي أصابت العراقيين والسوريين واللبنانيين، ومن قبلهم الفلسطينيون، أكان في العامين 1948 (النكبة) أم 1967 (النكسة)، جاءت بمحض الصدفة، فأصحاب علم السياسة يؤكدون منذ قديم الأزل بأنه «ليس هناك شيء في السياسة متروك للصدفة».

اضافة اعلان


يجب ألا ننظر إلى «التهجير» الحاصل لأهل غزة حاليًا، على أنه صدفة، أو رد فعل لما حصل، وإنما مُخطط شيطاني، أُحيكت خيوطه ومحاوره على مهل وبكل ترو وبأقصى درجات الدقة.


لن أتحدث عما خُطط له قُبيل حدوث «النكبة»، و»النكسة»، وما حصل خلالهما، وما آلت إليه الأوضاع بُعيد ذلك، فتلك المُصيبتان قد أُشبعتا تحليلًا وتمحصيًا.. لكن لنعود قليلًا إلى الوراء، وأقصد قبل نحو عشرين عامًا من الآن، عندما أقدمت الولايات المُتحدة الأميركية على احتلال العراق، وتركه في مهب الريح، تتلاطمه الفتن والطائفية والمُنظمات الإرهابية.


فذلك الاحتلال الأميركي للعراق العظيم، كان سببًا في تهجير نحو ستة ملايين عراقي، فضلًا عن قتل عشرات الآلاف من أبنائه، ومثلهم من الإصابات، كثير منها تسبب بإعاقات دائمة لأصحابها.. ويا ليت الأمور وقفت عند هذا الحد، بل عمل الأميركان على زرع فتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي.


ذلك كُله يدل على أن هُناك خطة جُهنمية، قديمة يتم تحديثها كُل فترة زمنية مُعينة، لتقسيم المنطقة إلى دويلات، وتفريغها من أبنائها وأصحابها الأصليين، بمعنى أصح تهجيرهم أو إبادتهم، أو جعلهم عرضة للجوع والعطش والأمراض.. تلك خطة يقودها العم سام بمُساندة ودعم من قوى غربية يُطلقون عليها «عُظمى».


لا يحتاج المرء إلى الكثير من الذكاء أو الدهاء، لكي يتيقن بأن المنطقة تخضع إلى إعادة رسمها «ديموغرافيًا»، منذ أربعينيات القرن الماضي، وليس وليدة صدفة أو أيام أو أشهر معدودة.. فالرئة الشمالية للأردن، وأقصد هُنا سورية، يتعرض أهلها، منذ العام 2011، لعمليات تهجير مُتعمدة، بمُشاركة دول إقليمية ودولية.


لا أحد يقول لي بأن نصف سكان سورية، ما بين مُهجر ونازح، هو أمر اعتيادي، نتيجة أزمة داخلية أو حرب أهلية، إلا إذا كان هُناك مُخطط مرسوم من قبل قيادات عواصم تصول وتجول في العالم كيفما تشاء، غير مُنتظرة قرارًا من مجلس أمن أو هيئة أُمم، ولا تحسب حساب شعب أو أُمة أو دولة ما.


نصف سكان سورية، يعني ما يقرب من الـ12 مليون شخص، هم لاجئون ونازحون.. هل سيعود هؤلاء إلى وطنهم الأُم؟، الإجابة بالطبع لا، حتى لو عاد مليون أو مليونان أو ثلاثة ملايين، وذلك أمر مُستبعد، فهؤلاء سيتجرعون علقمًا جراء ما يواجهونه من أمور أكانت أمنية أم سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية.


ثم عرّج «التهجير» على لبنان، ولكن هذه المرة بطريقة أُخرى، فأهل هذا البلد تعرضوا لتجويع من نوع آخر، من خلال ضرب اقتصادهم في مقتل، وفقدان الليرة اللبنانية الكثير من قيمتها، ما أجبر الآلاف منهم على مُغادرة وطنهم، طلبًا للرزق وخوفًا من عواقب خسارة تجارتهم وأرزاقهم.


أما قطاع غزة، فحدث بلا حرج، وضع كُل الاحتمالات على محمل اليقين والجد، فما يتعرض له من قتل وتدمير وإبادة ومجازة جماعية مُمنهجة، وحرق للأخضر واليابس، يدل بما لا يدع للشك بأن هُناك مُخططًا صهيو - أميركي - غربي، لتفريغ غزة وتهجير أهلها، وهو ما يؤكده كبار قادة الصهانية، أنهم ماضون وبكل قوة لغزو واحتلال رفح، الذي يضم حاليًا أكثر من 1.5 مليون غزي، الأمر الذي يعني طردهم خارج حدود القطاع.


الأمر لم ينته بعد، فالخوف كُل الخوف من أن تكون الموجة الجديدة القادمة للأهل في الضفة الغربية، الذين يتعرضون لعمليات قتل مرسومة من قبل مُستوطنين بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي.. وهُنا تكمن المصائب التي سيكتوي بنيرانها الأردن، الذي يواجه وباستمرار تهديدات من قبيل أنه «وطن بديل»، أو تهجير فلسطينيي الضفة إليه!.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا