بين المستثمر الجيد والمستثمر السيئ

سامح المحاريق يهدد أحد كبار رجال الأعمال في قطاع الخدمات بتصفية أعماله والرحيل خارج الأردن، الخبر مقلق للوهلة الأولى، خاصة أن شركاته توظف مئات الأشخاص، ولكن مع رؤية الصورة الكاملة، فهذه الشركات جزء من قطاع الخدمات التي تلبي احتياجات قائمة للأفراد والشركات في الأردن، والطلب على هذه الخدمات شبه ثابت، بمعنى أن خروج أي لاعب سيفتح المجال للاعبين آخرين من أجل الدخول مكانه، ونسبة كبيرة من الموظفين ستجد مكانها لديهم، فالرجل الذي يهدد اليوم بمغادرة أعماله للأردن هو الذي استفاد من عمله في سوقها وليس العكس، وكان يقوم أيضاً بتحويلات كبيرة للخارج. القصة ليست حول الرجل أو مشاكله الكثيرة، ولكنها حول مفهومنا للاستثمار، فثمة فرق كبير بين التاجر والمستثمر، ويجب أن يوجد فرق في المعاملة التفضيلية لكل منهما سواء على مستوى الضرائب أو المزايا الأخرى، وعلى كل الأحوال فالمستثمرون في قطاع الخدمات التي تنصرف لتستهلك في السوق الأردني ليسوا المستثمرين الذين نريد، ولا يجب أن نظهر لهم شيئاً من المرونة، وعليهم أن يدفعوا ثمناً معقولاً لتواجدهم في السوق الأردني، ففي النهاية أن تقوم بتوظيف طاقات أردنية لخدمة مستفيدين أردنيين فهو أمر لا يخلق القيمة المضافة. النموذج الذي نبحث عنه هو الذي يستطيع أن يعزز من صادرات الأردن الملموسة وغير الملموسة، أو يوفر من وارداته، فالأردن يرتبط باتفاقيات تجارية متميزة مع الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية، ويجب البحث عن أصحاب الاستثمارات الصناعية الذين يملكون المال والتكنولوجيا، لأنهم في هذه الحالة سيسهمون بجانب توفير الوظائف في السوق المحلي إلى وجود جزء من أموالهم يعود إلى الدورة الإنتاجية في الأردن، ونريد أيضاً مستثمرين في القطاع السياحي يمكنهم أن يعززوا من تواجد الأصول السياحية من فنادق ومرافق تعمل على تخفيض تكلفة السياحة في الأردن وزيادة جاذبيتها وتنافسيتها بالتالي. بعد ذلك يمكن التفكير في مستثمرين عقاريين يدفعون بتكلفة العقارات إلى حدود معقولة من أجل اجتذاب الشركات التي تبحث عن مكان في المنطقة، أو لتوظيف بعض الأردنيين في قطاعات التكنولوجيا وتطوير البرمجيات، خاصة التي تعتمد على اللغة العربية أو لتطوير أدوات الترجمة على الإنترنت أو تعزيز المحتوى العربي. جذب الاستثمار لا يعني أن نفتح الباب لمستثمرين يأتون من أجل تقديم خدمات تقدمها أصلاً شركات أردنية، ويوجد عليها طلب مستقر، بمعنى منحهم جزءاً من السوق لمجرد أنهم يمتلكون الأموال، فالأردن لا يعاني من نقص في الأموال التي يمكن تحويلها إلى استثمارات، هو يعاني من الخوف والتشاؤم بخصوص الوضع الاقتصادي الذي يدفع المدخرين للإبقاء على مدخراتهم في البنوك، أو لتجميدها في استثمارات عقارية غير منتجة، ويعاني من عدم استقرار البيئة التشريعية التي تجعل من الاستثمار إرهاقاً نفسياً يتجنبه الكثيرون، بل ويلجأ آخرون للبحث عن دول تقدم مزايا استثمارية في حزم بسيطة وميسرة. البعض يريدون جذب الأثرياء لأنهم يستفيدون من العلاقة معهم، من العطايا والهدايا، وما نحتاجه هو شركاء حقيقيون يعرفون ما الذي يريدونه ويفهمون مزايا الأردن ويستوعبون خريطة إمكانياته البشرية والاستراتيجية ليستخلصوا أفضل ما لديه لتوظيفه بطريقة حكيمة ومربحة ومستدامة، هؤلاء الشركاء يحتاجون طريقة أخرى في التعامل غير السائدة حالياً، رؤية مختلفة ومتكاملة وإلا سنبقى نراوح مكاننا في أوهام السيولة والتدفق الذي يمر من خلال الأردن من غير أن يرويه أو يترك فيه ثماراً.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان