هل نحب من يخدعنا؟

تاريخ أمتنا مع صناعة الوهم طويل، ودائما كنا مع كل خيبة أمل أو خديعة نصاب بخيبة أمل وانتكاسة، لكن مع مرور الوقت نعود مستعدين لتقبل وهم جديد وتعظيم جهة أو دولة جديدة تمارس علينا صياغة بطولات شكلية أو تخطفنا من خلال قضية مقدسة مثل قضية فلسطين لتسويق وخدمة قضية أخرى لهذه الجهة أو تلك.

اضافة اعلان


ودائما ما يكون الصوت العقلاني أو الذي يتحدث عن حقيقة ما يجري محل هجوم وافتراء واتهام بكل التهم الرديئة، فنحن مشتاقون للنصر والإنجاز لكن واقعنا لا يخدم هذا الشوق، ولهذا نصدق من يذهب بنا إلى أمنياتنا ونمنحه الأوصاف الكبرى ونضعه في أعلى مراتب الوطنية لكننا نعود إلى خيبة جديدة مع كل أزمة أو مرحلة صعبة.


نقرأ ونسمع عن مرحلة ما قبل حرب 1967 حين كان نظام جمال عبد الناصر يملأ الفضاء تهديدا لإسرائيل، بل وذهب خطوات إلى إعلان الحرب مثل إغلاق مضيق تيران، وكانت إسرائيل تسوق نفسها للغرب على أنها ضحية هذه التهديدات، وكان حديث نظام عبد الناصر عن الصواريخ التي ستدمر إسرائيل، لكن الأمة استيقظت يوم الخامس من حزيران وقد دمرت إسرائيل كل طائرات مصر العسكرية، وكان الشيء الغريب أن دولة تهدد بالحرب لم تتوقع هجوما عليها من العدو، وضاعت سيناء والجولان والضفة الغربية، واكتشفت الأمة انها كانت تعيش وهما وأن صراخ نظام القومية والثورية كان لأغراض إعلامية ولم يكن على الأرض ما يصلح للحرب.


ولم يقف بث الوهم عند تلك الهزيمة بل عاد ذات النظام ليعلن استقالة زعيمه لوقت قصير قبل أن يعلن عن عودته تحت ضغط الجماهير التي تم إخراجها للمطالبة بعودة الزعيم، وقيل بعدها أن الهزيمة لم تتحقق لان العدو كان يريد إسقاط الزعيم ولم يتحقق له ذلك.


وحتى في زمننا هذا فإن ايران بنظامها الفارسي لديها مشروع يخدمها، وعندما كانت تحارب العراق في الثمانينيات كانت تعلن أن طريق القدس تمر ببغداد وسقطت بغداد بتحالف أميركي مع اتباع إيران العراقيين ولم تفتح طريق القدس، ومن جاءوا على دبابات أميركية يوم احتلال العراق هم اليوم من يعلنون الجهاد ضد أميركا.


إيران حاربت عبر ميليشياتها في عواصم عربية في بغداد ودمشق ولبنان واليمن لكن لم يسجل تاريخ نظام ولاية الفقيه أنه أطلق رصاصة على إسرائيل.


وحتى في آخر عدوان على لبنان فإن حزب الله أعلن النصر ولم يحدثنا يومها عن الدمار والموت الذي  أصاب لبنان وأهله ولا حتى خسائره العسكرية، ثم وافق الحزب على قرار مجلس الأمن 1701 الذي ينص على وقف الحرب ومن يومها لم يطلق حزب الله نارا تجاه إسرائيل الا ما يجري اليوم من مناوشات بحجة مناصرة غزة.


بعضنا غرق في وهم إيران وحزب الله وجعلهم المنقذين للأمة واليوم يتأكد للجميع أن إيران دولة لها مشروع نفوذ فارسي في المنطقة العربية استخدمت فيه فلسطين والشيعة العرب من المؤمنين بولاية الفقيه وأن مشروعها هو ما يحكم سلوكها وليس قضايا العرب.


وتركيا أيضا دولة لها مشروع نفوذ تركي ومصالح اقتصادية وسياسية لكننا أحببنا أن نصدق انها دولة الخلافة وأن زعيمها خليفة المسلمين ولم يتوقف أحد عند مستويات العلاقة بين تركيا وإسرائيل عسكريا واقتصاديا وسياسيا، ويوم انسحب أردوغان من جلسة فيها بيريز احتجاجا على قصف إسرائيلي منحناه لقب المنقذ مع أننا لم نسأل انفسنا لماذا دخل إلى القاعة ام انه لم يسمع بالمجزرة إلا بعد دخوله؟


واليوم تركيا تدين إسرائيل وتخرج في مسيرة يقودها الرئيس لكنها لم تفعل غير ذلك والسبب انها دولة لها مصالح وعلاقات لن تضحي بها من أجل غزة أو فلسطين.


تركيا قبل أكثر من عشر سنوات كان مشروعها يقوم على أن تغازل العرب بقضية فلسطين ودعم الاخوان المسلمين الذين كانت اسهمهم مرتفعة وكانوا على وشك حكم عدة دول، وكانت تركيا تريد أن تسيطر على التنظيم الذي سيحكم دولا مهمة لكن بعد سقوط حكم الاخوان تغيرت بوصلة مصالح تركيا لكننا نحن العرب بحكم ما نعاني من ضعف نبحث عن سند ونسينا ان الدول أولوياتها مصالحها وليست قضايانا.


واليوم في العدوان على غزة كل دولة تتصرف وفق مصالحها في إيران وتركيا وأيضا حزب الله ذراع إيران الذي لن تضحي به من أجل حماس وغزة.


الوهم والبطولات الشكلية والغرق بالعاطفة يجعلنا مع كل أزمة نبتعد عن الحقيقة ولا نحب أن نسمعها ونتهم من يحاول قولها، لكننا بعد دفع الثمن نصدق أن الأمور لم تكن كما نريد بل كما هي.


اما الدول التي تمارس السياسة ولا تصنع وهما فربما لا يعجب بعضنا سياستها لكنها لا تقول إلا ما تفعل ولا تضعنا في وهم الانتصار غير الموجود فهي تعلن مواقفها وما تستطيع فعله ولا تجعل الناس يعتقدون بغير ما هو على الأرض..


لا نلوم الآخرين فهم يبحثون عن مصالحهم وغايتهم تبرر وسائلهم حتى لو كانت صناعة الأوهام لنا لكن المشكلة في بعض أبناء جلدتنا الذين يحبون الوهم أو من يصنعونه لنا.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا