المطالبة بسياسات حازمة لخفض الجرائم الأسرية

الجرائم الأسرية - تعبيرية
الجرائم الأسرية - تعبيرية

أعادت سلسلة من الجرائم الأسرية التي ارتكبت خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، والتي ذهب ضحيتها أطفال ونساء، إلى الواجهة مجددا المطالبات القانونية والحقوقية بتبني سياسات فاعلة وخطاب مجتمعي أكثر حزما لحماية الأسرة من العنف. وكذلك المطالبة بتضييق التكييف القانوني لمبدأ إسقاط الحق الشخصي في هذه القضايا. 

اضافة اعلان


وبحسب تقديرات غير رسمية، فإن عدد الجرائم الأسرية خلال النصف الأول من هذا العام تضاعف بمعدل 12 جريمة عما سجل العام 2022، حيث شهد العام الماضي خلال الأشهر الستة الأولى وقوع 6 جرائم داخل الأسرة فيما بلغ عدد الجرائم التي وقعت داخل الأسرة خلال عام 2022 بأكمله، نحو 25 جريمة بحسب إحصاءات سابقة.


في الأثناء، قال الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة ورئيس الفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف، الدكتور محمد المقدادي، إن هناك انطباعا عاما بازدياد عدد الجرائم الأسرية خاصة القتل رغم عدم وجود إحصائية موثقة حتى الآن، مشيرا إلى أن معالجة هذه المشكلة لايتعلق فقط بإجراءات منظومة الحماية من العنف.  


وبين المقدادي، أن الفريق الوطني يقوم بإجراء تقارير تقص دورية لاتنشر تفاصيلها في الإعلام لاعتبارات تتعلق بالمعالجات مع الأطراف المعنية والمؤسسات ذات العلاقة، خاصة فيما يتعلق بالأدلة الإجرائية للعاملين في المؤسسات مؤكدا أن هناك حاجة لتأهيل أكبر لهم وتدريب واتباع إجراءات الاستجابة بشكل أكثر فاعلية وأكبر.  


وقال ل "الغد": هناك قضية مهمة فيما يتعلق بالنساء المعنفات، فقانون الحماية من العنف الأسري منح السيدة الحرية في الشكوى ولكن الكثير من الأحيان النساء المعنفات بجنح بسيطة لايقمن بالتبليغ والشكوى أو أي متابعة اجتماعية وهذا يتطلب تكثيف العمل على الجانب التوعوي اجتماعيا وتحفيزهن على طلب الخدمة الاجتماعية".  


 ونوه المقدادي، إلى أن جذور العنف الأسري لايمكن لمنظومة الحماية معالجته لوحدها فقط، مشيرا إلى أن هناك أسباب واعتبارات أخرى تتعلق بمشكلات اجتماعية واقتصادية موازية منها "تعاطي المخدرات والبطالة والفقر وقلة فرص العمل وهي في ازدياد وكلما ازدادت نتوقع ازدياد العنف الأسري".


ويرى المقدادي أن أخطر ما يحيط بقضايا العنف الأسري، صعوبة الكشف عنها مبكرا وعزوف"الضحايا أو الأهل أو الجيران عن التبليغ". وكذلك عزوف المعنفات أنفسهن عن طلب الخدمة الاجتماعية خاصة أن كل التقارير تشير إلى أن القتل داخل الأسرة سبقه عنف تطور ولم يترافق مع تدخل من الأهل أو الجهات المعنية".  


وبالرغم من التعديلات القانونية التي طرأت على قانون العقوبات لعام 2017، وألغت الاستفادة من العذر المخفف فيما يسمى بجرائم "القتل بدافع الشرف"، فإن طبيعة الجرائم المرتكبة اليوم داخل الأسرة تتخذ منحى تصاعديا وأكثر "بشاعة" في تنفيذ الجريمة بما ينذر بخطورة تنامي الظاهرة في الوقت الذي أظهرت فيه دراسة سابقة في 2021 للجنة الوطنية لشؤون المرأة أن77 % من قضايا القتل الأسرية يستفيد الجناة فيها من إسقاط الحق الشخصي.  


 من جهتها قالت الباحثة في معهد تضامن النساء، الدكتورة زهور الغرايبة، إن جرائم القتل داخل الأسرة هو حلقة من حلقات عنف متواصل داخل الأسرة لم يتم التبليغ عنه وأصبح عنفا مركبا بمرور الوقت حتى وقوع الجريمة.  


وبينت "للغد" أن هناك خطابا اجتماعيا "يبرر" العنف الواقع على النساء داخل الأسرة في كثير من الأحيان، وقالت "ندعو اليوم إلى إلغاء أي أثر شخصي لإسقاط الحق الشخصي في هذه القضايا" أو تضييقه في أقل الحدود، ومنها أن لايؤخذ بإسقاط الحق الشخصي في حال كانت الجريمة تقع على أنثى أو طفل في الجرائم الواقعة في نطاق الأسرة وعدم شمول مرتكبي هذه الجرائم في قرارات العفو العام. 


وشددت الغرايبة على ضرورة تبني مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع بأكمله خطابا أكثر حزما وشدة تجاه العنف الأسري. 


أما الخبير في حقوق الإنسان والوقاية من العنف والجريمة ومستشار الطب الشرعي، الدكتور هاني جهشان، فقد اعتبر أن هناك تقصيرا رسميا في حماية حق الطفل والمرأة في الحياة، وأن حالات القتل داخل الأسرة التي تصل إلى وسائل الإعلام  لاتعكس "صورة "مكتملة" عن الواقع. بل إنها تعكس عددا قليلا من الحالات خاصة قتل الأطفال، كما أن مدى انتشار العنف الأسري "القاتل"، لا يمكن قياسه من خلال إحصاءات مرتكزة على مسح السكان، وفقا لجهشان.  


ويشخص جهشان المشكلة على أكثر من مستوى، اجتماعي وتشريعي ورسمي كما يقسم التعامل مع الجرائم الأسرية أو العنف إلى مسار متعلق بالأطفال ومسار متعلق بالنساء.  


وفيما يخص الضحايا من الأطفال في قضايا العنف الأسري، فإن إثبات حدوث عنف أسري أفضى إلى مقتلهم يترافق مع صعوبات عدة، من بينها عدم إفصاح الأهالي عن تعرض أبنائهم للعنف بعدم توقع حدوث الوفاة، وتعذر توثيق عدد وفيات الأطفال الناتجة عن العنف من خلال سجلات الحالات التي تصل لمقدمي الخدمات، لأن أغلب هذه الوفيات تحصل بشكل متسارع لا يوفر فرصة لعرض الطفل على الأطباء الشرعيين وقد يتم دفن جثة الطفل دون إجراءات التشريح القضائية.  


 ودعا جهشان في هذا السياق إلى تطبيق نظام الكشف الطبي الشرعي التشريحي على جميع وفيات الأطفال المفاجئة المرافق لتطبيق نظام الإبلاغ عن وفيات الأطفال بشكل محكم، وكذلك تطبيق نظام فرق مراجعة وفيات الأطفال متعددة القطاعات الاجتماعية والقضائية والطبية. 


أما في جرائم قتل النساء داخل الأسرة، فقد قسم جهشان أنواع تلك الجرائم إلى جرائم قتل مرتبط بالعلاقات الأسرية والعاطفية، ومنها القتل المرتبط بالنوع الاجتماعي، والقتل العرفي (ما يسمى جرائم الشرف وجرائم العاطفة)، أو القتل الجماعي للأسرة والانتحار بعد قتل أفراد الأسرة، قائلا إن الجاني والمجني عليه في هذه الجرائم يقيمون في نفس المسكن أو بينهما علاقة اجتماعية، ويرتبط هذا القتل بعوامل عاطفية أو اقتصادية أو قانونية، كالنزاع على الإرث المالي للزوجات أو الشقيقات مثلا. 


وينتقد جهشان في حديثه لـ"الغد" تبسيط التعاطي مع العنف الأسري والقتل في إطار الأسرة رسميا، قائلا إن حصر مواجهة العنف الأسري المميت في البحث عن "من هو المعتدي؟" هو طرح سطحي  يصل إلى درجة السذاجة"، معتبرا أن مواجهة العنف الأسري بما فيه العنف الأسري القاتل هو مسؤولية وطنية وتحد كبير يتجاوز حماية حياة الفرد والأسرة والمجتمع، إلى الالتزام بحماية حقوق الإنسان والمرأة والطفل بالشرائع السماوية والقانون والاتفاقيات الدولية. 


ونبه جهشان إلى أن السياسات الرسمية والحكومية المعلنة في التصدي للعنف الأسري، لم تجد نفعا في الحد من العنف الأسري القاتل، ومؤشر على الإخفاق في "برامج الوقاية" وأضاف "إن مجرد إعلان الحكومة وهذه المؤسسات عن الالتزام بالحماية من العنف الأسري، لم يمنع وفاة العديد من الأطفال والنساء، كما أن غضب كامل المجتمع الأردني عقب موت أي امرأة أو طفل قتلا لم يق من وفاة غيرهم". 


ويرى جهشان، أن الإصلاحات القانونية لمواجهة العنف الأسري "ما تزال متعثرة" إلا أن العائق الحقيقي وباعتراف أغلب الجهات الحكومية، وفقا لجهشان، هو "تضاؤل الاستثمار في مجال إعداد وتنفيذ الإستراتيجيات والسياسات ورصد وتقييم المداخلات التي تتعامل مع جذور العنف الأسري وعواقبه بمرجعية الدليل العلمي المسند بالأبحاث".


ويعتقد جهشان أن وجود فجوة بين الخطاب الرسمي وبين واقع العنف الأسري القاتل مرده إلى 4 أسباب رئيسية هي وجود نزعة سلبية لدى المسؤولين والمهنيين بالتعامل مع مشكلة العنف الأسري بعدم تصديق وجودها، والاعتراف بها "كاستثناء" والتعامل الميداني مع برامج مواجهة العنف الأسري "بعشوائية بعيدا عن المهنية والتخصص" وعدم تقدير كلفة العنف الأسري الاجتماعية والاقتصادية على الدولة".


مشيرا إلى أن الدراسات أظهرت أن الطفل المساء إليه أكثر عرضة من غيره لخبرات الحياة المناوئة مثل التدخين، تناول الكحول، المخدرات، وبالتالي أمراض القلب والكبد وكذلك أكثر عرضة للسلوكيات العنفية مثل الانتحار وارتكاب الجرائم.  


كما رأى جهشان أن هناك غيابا للتعامل مع العنف ضد الطفل والعنف الأسري كمشكلة صحية عموما، لها أولوية ببرامج الوقاية الأولية وتوفير البيئة الملائمة في القطاع الصحي للاكتشاف المبكر والتبليغ عن حالات العنف وبالتالي الوقاية من العنف القاتل، إضافة إلى عدم الإدراك أن خدمات الاستجابة للعنف عقب حصوله، ليست بديلا بأي شكل من الأشكال عن برامج الوقاية الأولية من العنف قبل حصوله وليست بديلا أيضا عن برامج الاكتشاف المبكر وآليات التبليغ عن العنف في القطاعات التعليمية والصحية والاجتماعية.


ولايرى الخبير جهشان أن تغليظ العقوبات هو الحل لمنع هذه الجرائم أو ردعها، بل بالكشف المبكر عن حالات العنف ومأسسة برامج الوقاية الأولية بالتعامل مع عوامل الخطورة للجريمة قبل حدوثها. 


ويحمل جهشان مسؤولية استمرار وتعمق هذه الجرائم، إلى الحكومة بالدرجة الأولى من بينها وزارة الصحة التي يقع على عاتقها الوقاية من العنف بإنشاء مديرية للوقاية من العنف، وضعف برامج الاستجابة لديها حيال الأمراض والاضطرابات النفسية والإدمان وضعف الاستجابة لها على المستوى الوطني.

 

وكذلك وزارة التنمية الاجتماعية  التي رأى أنها "متعثرة" في برامج حماية الأسرة وخاصة برامج الوقاية وتغيير الاتجاهات السلبية بالمجتمع المتعلقة بالعنف، وفشل السياسات الرسمية في الحد من مشاكل الفقر والبطالة، عدا عن غياب أي جهة تتحمل مسؤولية علاج وتأهيل الأطفال مرتكبي الجرائم (الأحداث) بشكل متكامل من الناحية النفسية والاجتماعية، وفي وقت مبكر. 


وربط جهشان استمرار جرائم القتل الأسرية والقتل عموما، بانتشار أدوات جرائم ارتكاب القتل والأسلحة النارية الصغيرة ومشكلة تعاطي وتجارة المخدرات والعقاقير الطبية في المجتمع.  


وعلى المستوى التشريعي، أشار جهشان إلى أن هناك عدة فجوات في التشريعات الأردنية التي ما تزال تسمح بالإفلات من العقاب وخاصة بجرائم قتل النساء والأطفال داخل الأسرة المتعلقة بإسقاط الحق الشخصي، وأن قانون العقوبات ما يزال يشمل مواد تشكل انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان من مثل المادة 62 التي تسمح بالضرب التأديبي للأطفال وقانون الحماية من العنف الأسري الذي أظهر فجوات أثناء التطبيق الميداني.  


وفيما يتعلق بقانون حقوق الطفل، فقد اعتبر جهشان أن القانون ولد "خداجا" وعلى استعجال ولم يتطرق لكثير من حقوق الطفل على سبيل المثال وليس الحصر حقوق الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة. 


ودعا جهشان المجلس الوطني لشؤون الأسرة إلى تعزيز نظام تتبع حالات الأتمتة في رصد حالات العنف المبلغ عنها، معتبرا أن هناك إخفاقا للآن في  تنفيذ الإستراتيجيات والأطر الوطنية لحماية الأسرة، وعمل الفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف  لتنفيذ العمل التشاركي الوقائي ببرامج توعية مستدامة قابلة للرصد وقياس النتائج، معتبرا أن هناك تعثرا لدى الفريق ببرامج الاكتشاف المبكر للحالات في القطاع الصحي والاجتماعي والقانوني.

 

اقرأ المزيد : 

لجنتان لدراسة "حوادث عنف وقتل أسري"