بين الدراسة والعمل.. أطفال يدخلون معترك الحياة مبكرا

3
أحد الأطفال خلال عمله بورشة لإصلاح المركبات- (أرشيفية)
البلقاء- مقابل 3 دنانير فقط في اليوم الواحد، يعمل الطفل أسامة البالغ من العمر 14 عاما، من الساعة الثالثة ظهرا حتى العاشرة مساء، في أحد المحال التجارية (سوبر ماركت) بمخيم البقعة في محافظة البلقاء، ليساعد عائلته (والديه و 3 شقيقات) على تحمل أعباء وتكاليف الحياة.اضافة اعلان
ووفق ما ذكر أسامة، فإنه منتظم في عمله منذ ما يقارب عاما ونصف، والذي يشمل ترتيب البضائع على الرفوف وأعمال التنظيف و"أي شيء يطلبه صاحب المحل" على حد تعبيره، مشيرا إلى أنه ينتظم كذلك في مدرسته ويغادر منها إلى المنزل لتناول طعام الغداء قبل الالتحاق بالعمل.
ولدى سؤاله عن تأثير العمل على دراسته وتحصيله العلمي، لم يُبد أسامة اهتماما بالأمر، واكتفى بالقول "ما بحب الدراسة بس أبوي وأمي مش راضيين أترك المدرسة".
من جانبه، يقول صاحب "السوبر ماركت" إن أسامة هو ابن صديقه الذي يعاني من ظروف معيشية صعبة كونه "عامل مياومة في مجال الطلاء" ويسكن بالأجرة، ولا يوجد من يسنده في تحمل تكاليف الحياة سوى ابنه أسامة الوحيد بين 3 شقيقات جميعهن طالبات مدرسة.
وأضاف، أنه قام بتشغيل أسامة لديه من باب مساعدة وإسناد عائلته في إيجاد مصدر دخل إضافي، لافتا في الوقت ذاته إلى أن أجرة أسامة زهيدة كون "الوضع ما بسمح بأكثر من هيك".
وتكفي جولة واحدة في مخيم البقعة، للاطلاع على قصص عشرات بل مئات الأطفال الذي ينخرطون في سوق العمل بمهن مختلفة أبرزها محال الحدادة والنجارة وصيانة المركبات وأكشاك بيع القهوة، فضلا عن العربات والبسطات التي تنتشر بكثافة في أرجاء المخيم.
قصة أسامة تكاد تنطبق على الطفل سيف البالغ من العمر 13 عاما، الذي يحمل بعد انتهاء دوامه المدرسي "صينية" يلوح بها للسائقين للفت انتباهم إلى كشك القهوة الذي يعمل به من الساعة الثانية ظهرا حتى الثامنة مساء.
سيف يقول، إنه بدأ العمل منذ عامين في أكشاك عدة وبشكل متقطع، إلا أنه مستمر في الكشك الذي يعمل به حاليا منذ نحو 8 أشهر، مقابل 5 دنانير يوميا، لافتا إلى أنه أكبر الأبناء في الأسرة التي تضم بالإضافة إليه، 3 أطفال آخرين، وأنه يعمل لمساعدة والده في مصاريف المنزل، بسبب دخله المحدود من عمله مراسلا في إحدى المؤسسات.
أما سعد البالغ من العمر 11 عاما، فيدفع عربة محملة بأنواع عدة من المكسرات ويطوف بها أرجاء المخيم بحثا عن زبائن، مشيرا إلى أن والده الذي يعاني من المرض يعمل في الوقت نفسه على إحدى البسطات التي تبيع بضائع متنوعة.
يقول سيف، إنه ووالده يعيلان أسرتهما المكونة من 7 أفراد، وإنه يعمل على العربة منذ نحو عامين لمدة 6 ساعات يوميا، مؤكدا أنه منتظم في مدرسته خلال الفترة المسائية، ويطمح بإكمال تعليمه وصولا إلى الجامعة. 
ولا توجد نسبة رسمية لمعدل الفقر في مخيم البقعة على وجه التحديد، إلا إن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الأردن، تشير عبر موقعها الإلكتروني، إلى أن الفقر يتصدر المشاكل الرئيسة في المخيم، إلى جانب "مستوى تعليمي متهالك، نقص جمع النفايات، حاجة المساكن إلى رفع سويتها، ومعدل بطالة عال، الزواج بين الأقارب، وانتشار الزواج والطلاق المبكرين".  
من جهتها، قالت رئيسة قسم تفتيش الحد من عمل الأطفال في وزارة العمل المهندسة هيفاء درويش لـ"الغد"، إن "دور وزارة العمل هو مراقبة تطبيق قانون العمل الأردني، وبما يخص عمل الأحداث يقوم مفتش العمل بمراقبة تطبيق بنود القانون الخاصة بذلك وهي مواد القانون (73، 74، 75، 76،77) حيث يقوم مفتش العمل أثناء الزيارة التفتيشية الدورية أو الحملات التفتيشية المتخصصة والتي تكون موجهة للحد من عمل الأطفال باتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين".
وبشأن تلك الإجراءات، أوضحت درويش أنها "تكون إما إنذارا لمدة لا تزيد على 7 أيام أو مخالفة صاحب العمل المخالف"، مشيرة إلى "جولات تفتيشية متخصصة تطال محال بيع القهوة السائلة وكذلك القطاعات الأخرى التي يكثر فيها عمل الأطفال مثل قطاع الميكانيك وتجارة التجزئة".
ولفتت إلى أنه، "وفي حال المخالفة يتم إرسال الضبوطات إلى المحاكم في جميع أنحاء المملكة ليتم دفع الغرامات حسب المادة 77 من القانون"، متطرقة في الوقت ذاته إلى عمل حملات توعوية تشمل جميع القطاعات بشكل دوري سواء من خلال الزيارات التفتيشية الميدانية أو من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة لوزارة العمل أو الموقع الإلكتروني توضح الأضرار والمخاطر الموجودة في القطاعات على صحة وعمل الأطفال وضرورة إرجاعهم إلى مقاعد الدراسة". 
ويوصي المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" في تقرير كان أصدره بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، بتحديث الإستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال، بحيث تكون ملزمة لجميع الجهات ذات العلاقة، وضرورة إعادة تشكيل الفريق الوطني لتحديث الإستراتيجية ووضع آلية عمل محكمة لمهامه وصلاحياته.
واعتبر التقرير أن صدور "الإطار الوطني للحد من حالات الأطفال العاملين والمتسولين" وكذلك "دليل إجراءات التعامل مع حالات الأطفال العاملين والمتسولين" وإقرارهما من مجلس الوزراء خلال عام 2021 يمثل نقلة نوعية في التعامل مع حالات عمل الأطفال، ويشكل اختبارا لقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها في التصدي لهذه الظاهرة، حيث اشتمل على مختلف أنواع الخدمات اللازمة للطفل العامل وأسرته والمجتمع من مختلف الجهات الرسمية والأهلية ذات العلاقة في المجالات الاجتماعية والنفسية، والصحية، والاقتصادية، والتربوية والتعليمية، والقانونية والقضائية، وفي توفير الحماية والأمان، بعد أن كان الإطار الوطني السابق الصادر عام 2011 يقتصر على دور وزارات العمل والتنمية الاجتماعية والتربية والتعليم.
وأوضح، أن الأردن صادق على أهم الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة عمل الأطفال، ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفاقيتا العمل الدوليتان رقم (138) بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام" ورقم (182) بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال"، وأن قانون العمل الأردني جاء منسجما مع مبادئ هذه الاتفاقيات، إذ منع تشغيل الحدث إذا لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور، ومنع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ الثامنة عشرة من عمره، وعلى أن لا تزيد ساعات عمله على ست ساعات.
وحذر "بيت العمال" في تقريره من تزايد أعداد الأطفال العاملين، عما كان عليه في آخر مسح إحصائي جرى في عام 2016، مؤكدا أن الحاجة أصبحت ماسة لتحديث البيانات الخاصة بعمل الأطفال لقياس مدى الأثر الذي سببته جائحة كورونا والارتفاعات المتتالية على معدلات البطالة، وبناء قاعدة بيانات شاملة لعمل الأطفال يجري تحديثها دوريا.
وبين أنه لا يتوفر حاليا سوى أرقام المسح الوطني لعمل الأطفال عام 2016، الذي أشار إلى أن عدد الأطفال العاملين في الفئة العمرية من 5 إلى17 سنة بلغ حوالي 76 ألف طفل، 80 % منهم أردنيون، وأن أكثر من 45 ألفا من الأطفال العاملين عملوا في أعمال تصنف بأنها خطرة، وفقا لمعايير العمل الدولية وقانون العمل.
وأشار التقرير إلى أن أبرز النشاطات الاقتصادية التي يعمل بها الأطفال تتمثل بتجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات والزراعة والصناعات التحويلية، والإنشاءات، وأن القطاع الزراعي يستخدم بشكل أكبر الأطفال في الأعمار من 5-11 عاما، حيث يعمل 56 % من الأطفال العاملين من هذه الفئة في هذا القطاع، بينما يتوجه الأطفال في الفئة العمرية من 15-17 عاما إلى العمل بنسب أكبر في الصناعات التحويلية والإنشاءات والبيع وإصلاح المركبات.
ولفت إلى أن متوسط أجور مجمل الأطفال العاملين يبلغ 171 دينار شهريا وما يقرب من خمسة دنانير يوميا، وأنهم يتعرضون لمخاطر متعددة على صحتهم وسلامتهم، ومن أهمها الغبار والدخان، والضجيج، والحرارة العالية، والأدوات الخطرة، والمواد الكيماوية، إضافة إلى الإيذاء النفسي والبدني.