المساعدات الخيرية بالأغوار.. هل كرست ثقافة الاتكالية؟

طرود خير مجهزة لتوزيعها على أسر محتاجة بالغور الجنوبي-(ارشيفية)
طرود خير مجهزة لتوزيعها على أسر محتاجة بالغور الجنوبي-(ارشيفية)

 فيما تعد مؤسسات المجتمع المدنى إحدى أهم القوى الفاعلة بالنهوض بالمجتمعات ومساعدة الفقراء والفئات المهمشة، إلا أن اقتصار دور غالبية الجمعيات الخيرية على تقديم المساعدات العينية والنقدية لا يعكس الأهداف والتطلعات التي أنشئت من أجلها.

اضافة اعلان


السياسة التي تنتهجها الجهات المعنية بمحاربة الفقر سواء كانت حكومية أو مؤسسات مجتمع مدني تقوم على تقديم الدعم والمساعدة والعمل الخيري، وقليلا ما تقفز إلى محاور التمكين وتعزيز القدرة على الحصول على فرص عمل من خلال التدريب والتأهيل وإقامة المشاريع الصغيرة، الأمر الذي دفع أعدادا كبيرة للاعتماد على الدعم بدلا من التوجه للعمل.


تقول رئيسة إحدى الجمعيات الخيرية كوثر العدوان "الصورة الذهنية لدى الفئات المستهدفة مبنية على قدرتها على الحصول على المساعدات سواء المساعدات العينية أو النقدية، في حين أن قيام الجمعيات بأي أنشطة أو برامج تهدف إلى النهوض بالواقع الاقتصادي لا يلقى اهتماما في العادة"، مضيفة، "تفعيل الدور التنموي للحد من ظاهرة الفقر والبطالة يصطدم بالعديد من العوائق كعدم وجود موارد كافية تمكنها من أداء رسالتها".


وتؤكد، "يوجد خلل في منظومة العمل التطوعي والخيري على صعيد المؤسسات الرسمية أو مؤسات المجتمع المدني، إذ إن الدعم المتكرر والمنتظم سواء كان شهريا أو موسميا خلق حالة من الاتكالية والكسل لدى البعض حتى وصل الحال بهم إلى الركون للمساعدات وعدم محاولة التغيير"، مبينة، "في المقابل فإن عددا من المؤسسات العاملة في هذا المجال لا تزال غير قادرة على تطوير أدائها لتتخطى حاجز تقديم المساعدات فقط".


وتنوه رئيسة جمعية خيرية مريم الهويمل إلى أن التحول إلى لعب الأدوار التنموية يحتاج إلى كلف مادية وخبرات ومهارات لدى العاملين، لافتة إلى أن الدعم المقدم للجمعيات الخيرية بالكاد يغطي النفقات الإدارية كأجرة المبنى وفواتير الكهرباء والماء.


وتضيف إن أي جمعية تعمل على هذا المحور تحتاج إلى متطوعين مؤهلين ومصاريف كثيرة، حتى إن التشبيك مع المنظمات الدولية والإقليمية ومؤسسات المجتمع المدني يتطلب توفير الدعم اللوجستي، والجمعيات بوضعها الحالي غير قادرة على ذلك، لافتة إلى الفئات المستهدفة تنظر للجمعيات على أنها فقط لتقديم المساعدات الإنسانية ولا يهتمون بأي أنشطة أخرى.


وتوضح الهويمل أن غياب المردود المادي الثابت وتراجع المساعدات حدّا من قدرة الجمعيات على تنفيذ أي برامج أو مبادرات تنموية، حتى وإن وجدت الأفكار البناءة، مشددة على ضرورة توفير إدامة الأدوات الضرورية لمساعدة الجمعيات على الأدوار المنشودة.


ويرى الخبير في مجال التنمية الاجتماعية حسان العدوان أن المساعدات النقدية المتكررة أسهمت نوعا ما في خلق حالة من الاتكالية لدى بعض الفئات المهمشة، قائلا "عوامل عدة تؤثر في التحول إلى عنصر فاعل في المجتمع كغياب الوعي لدى الفئات المستهدفة والعادات والتقاليد وعدم وجود إمكانات مادية لدى الجهات العاملة في المجال الخيري للنهوض بواقع المجتمعات المحلية، ناهيك عن القصور الإداري لغالبية القائمين عليها وافتقادهم للخبرات والأدوات اللازمة لتبني أفكار هادفة وأدوار فاعلة".


ويؤكد، المطلوب في هذه المرحلة تعظيم الدور التنموي بالتوسع في إقامة المشاريع الصغيرة للشباب العاطل وتوفير المشاريع البسيطة للفئات الأشد فقرا والمعدمة وضرورة إيجاد البيئة المناسبة لنجاح هذه المشاريع"، قائلا "لدينا تجارب سابقة كثيرة لجمعيات خيرية ومؤسسات مجتمع مدني دفعت للعمل بهذا الاتجاه إلا أن غياب الرقابة والمتابعة وإغفال بعض الجوانب أسهم في فشلها".


ويشير حسان إلى أن الواقع الحالي للجمعيات الخيرية كنموذج للعمل التطوعي الخيري الذي يستهدف الفئات المهمشة ما يزال دون المأمول، إذ أن غالبيتها اتخذت من توزيع المساعدات على الفقراء والمحتاجين نهجا لعملها، لافتا إلى أن قلة من الجمعيات اتخذت نهجا غير تقليدي في العمل الخيري بالعمل على تأهيل وتدريب الشباب والفتيات والتشبيك مع أماكن عمل لتشغيلهم، إضافة إلى اقامة مشاريع إنتاجية أو تقديم منح لإقامة مشاريع صغيرة مدرة للدخل.


ويبين الناشط في مجال التنمية البشرية الأستاذ سامي العايدي أن ضعف التحول من العمل الاغاثي إلى العمل التنموي سيكون له آثار سلبية على المجتمعات، إذ سيكرس  ثقافة الاعتماد على الغير، بأن ينتظر رب الأسرة المساعدات بدلا من البحث عن تطوير الذات، إضافة إلى الابقاء على الفقر، موضحا أن الهدف من العمل الخيري هو الحد من الفقر وتحقيق عوامل الاكتفاء الذاتي للفئات المستهدفة.


ويضيف على المؤسسات العاملة في المجال الخيري إعادة ترتيب أولويات عملها لتغيير هذه الصورة النمطية لدى المجتمع، وأن تبدأ بمعالجة أسباب الفقر، لا أن تكتفي بالإنفاق وتقديم المساعدات، مشددا على ضرورة توفير المناخ المناسب لدفع الفئات المستهدفة للانتقال من قطاع المتلقين الى قطاع المنتجين وتوفير مصادر دخل حتى وإن كانت جزئية.


من جانبه، يوضح مدير صندوق المعونة الوطنية للواء ديرع لا علي الغنانيم، أن الهدف من الدعم النقدي هو تأمين الحماية الاجتماعية للأسر الأشد احتياجا، إضافة إلى تمكينها اقتصادياً من خلال برامج التدريب المهني والتشبيك مع الجهات الداعمة للصندوق، لتوفير مشاريع مدرة للدخل للأسر المنتفعة، لدفعها للخروج بها من دائرة الفقر إلى دائرة العمل والإنتاج.


وكانت وزيرة التنمية الاجتماعية وفاء بني مصطفى قد أكدت في تصريحات سابقة أن أولويات وزارة التنمية الاجتماعية في رؤية التحديث الاقتصادي، هي مراجعة التشريعات المعنية بالحماية الاجتماعية، والتوسع في برامج بدائل الإيواء، واستبدال الرعاية المؤسسية بالرعاية الأسرية البديلة، وبرامج تمكين المرأة لتعزيز الحماية الاجتماعية لها، وتحسين نوعية الحياة للفئات المحتاجة، وتطوير منهجية إدارة الحالة لضمان حماية اجتماعية للحالات المحتاجة للحماية والرعاية من خدمات الوزارة، والتحول الرقمي في تقديم خدمات الحماية والرعاية والتنمية الاجتماعية، وتطوير محور الاستجابة للأزمات والصدمات ضمن الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية.


ووفق بني مصطفى فإن عدد المستفيدين من خدمات صندوق المعونة الوطنية يصل إلى 220 ألف أسرة أردنية.
وبحسب مصدر في مديرية التنمية بالأغوار، فإن عدد الجمعيات الخيرية في لواءي دير علا والشونة الجنوبية يقارب من 70 جمعية قلة منها تنشط بأداء أدوار تنموية إلى جانب دورها التقليدي.


وجدير ذكره أن الجمعيات الخيرية أصبحت الملاذ الرئيس للعديد من الأسر الفقيرة، بما توفره من غذاء وملبس لشريحة واسعة من الأسر، التي تفاقمت أوضاعها المعيشية مع ارتفاع الأسعار وتراجع فرص العمل في وادي الأردن، نتيجة تراجع القطاع الزراعي منذ سنوات.


ويرى عاملون في المجال التطوعي، أن هذه الشريحة المجتمعية آخذة بالاتساع على مدى السنوات الماضية، ما يوقع على عاتق الجمعيات الخيرية مسؤولية كبيرة، في توفير أبسط الحقوق الإنسانية كالطعام والشراب والملبس، مؤكدين أن ما تتمتع به الجمعيات الخيرية من صلاحيات واسعة ومرونة في الحركة داخل المجتمع، يمكنها من معرفة مشاكله واحتياجاته، وقدرتها على جمع المساعدات بشكل قانوني يشكل تحديا كبيرا أمام إداراتها.


ويرتبط بالحديث عن دور الجمعيات وزيادة الاعتماد عليها، الإشارة إلى تراجع قدرتها في تقديم الدعم للأسر الفقيرة، نتيجة انخفاض حجم المساعدات التي تصلها من جهات مختلفة ومنها تبرعات المحسنين، خاصة خلال الـ 3 سنوات الأخيرة، حتى وصل الوضع ببعضها، إلى عدم امتلاكها ما تقدمه للأسر الفقيرة المسجلة ضمن كشوفاتها.


وتزداد التحذيرات في الآونة الأخيرة من عجز قد يصيب العديد من الجمعيات، ليس فقط على مستوى الأغوار ومناطق وادي الأردن، بل إن الحالة عامة، وتشمل كافة محافظات المملكة. 

 

اقرأ أيضا:

 

دعوات لضبط عمل الجمعيات الخيرية في رمضان