أسطورة إسرائيل كـ"حاملة طائرات أميركية" في الشرق الأوسط‏

1713004767501566600
احتجاج خارج الاجتماع السنوي لـ"أيباك" في واشنطن، آذار (مارس) 2016 – (المصدر)

‏‏‏جان بريكمونت‏‏ ‏‏وديانا جونستون – (كونسورتيوم نيوز) 2024/3/6


يجب على الجمهور الأميركي أن يدرك أن إسرائيل، بالإضافة إلى أنها ليست ميزة، تشكل عائقا مزمنا للولايات المتحدة، تبدد مليارات الدولارات الأميركية، وتجر الولايات المتحدة إلى الحروب، وتؤدي معاملتها الإبادية للفلسطينيين إلى تقويض ادعاءات أميركا الأخلاقية بشكل جذري في معظم أنحاء العالم.

اضافة اعلان

 

و‏إذا ما اختفى نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، فإن النفط والتجارة سيظلان يتدفقان من الشرق الأوسط نحو الغرب.‏
                      *   *   *
‏لماذا تقدم الولايات المتحدة دعما كاملا لإسرائيل؟ 


في الإجابة عن هذا السؤال، ثمة أسطورة رائجة مشتركة بين كل من الذين يمجدون الدولة الصهيونية، والذين ينتقدونها بشدة على حد سواء. وهي أسطورة ينبغي تفكيكها.


تقول ‏الأسطورة أن إسرائيل هي أحد الأصول الاستراتيجية الأميركية الرئيسية، وتوصف بأنها نوع من "حاملة طائرات أميركية" غير قابلة للغرق، ومهمة بشكل حاسم لمصالح واشنطن في الشرق الأوسط. ‏


الخيط المنطقي الذي ينسجه أولئك الذين يتقاسمون هذه الأسطورة هو إظهار أن لدى الولايات المتحدة مصالح اقتصادية واستراتيجية في الشرق الأوسط الغني بالنفط (وهو ما لا ينكره أحد)، واقتباس شخصيات سياسية أميركية (وبالطبع إسرائيلية) تدعي أن إسرائيل هي أفضل -أو حتى الحليف الوحيد للولايات المتحدة في المنطقة.‏


على سبيل المثال، ذهب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى حد قول أنه لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان على الولايات المتحدة أن تخترعها‏‏. ‏


‏لكن الدليل الحاسم، المفقود تماما من تحليل أصحاب هذا الاتجاه، هو أدنى مثال يثبت أن إسرائيل تخدم بالفعل المصالح الأميركية في المنطقة. ‏وإذا لم يتم تقديم أمثلة، فذلك ببساطة لأنه لا يوجد أي منها. لم تطلق إسرائيل قط رصاصة واحدة نيابة عن الولايات المتحدة، ولا اشترت حتى قطرة نفط واحدة تحت سيطرة الولايات المتحدة. ‏


‏يمكننا أن نبدأ بحجة منطقية: إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بنفط الشرق الأوسط، فلماذا تدعم دولة مكروهة (لأي سبب من الأسباب) لدى جميع سكان الدول المنتجة للنفط في المنطقة؟ ‏


‏في خمسينيات القرن العشرين، كان هذا منطق معظم الخبراء الأميركيين، الذين وضعوا العلاقات الجيدة مع الدول العربية قبل دعم إسرائيل. ولا شك أن هذا يساعد في فهم سبب تأسيس (آيباك)، ‏‏"لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية"، في العام 1963: مواءمة سياسة الولايات المتحدة مع سياسة إسرائيل.


حرب العام 1967 وما بعدها‏

 


‏أقلع الدعم الأميركي لإسرائيل بعد حرب العام 1967. في ذلك الحين، وجَّه نجاح إسرائيل في الحرب ضربة قاتلة إلى فكرة القومية العربية التي جسدها جمال ناصر في مصر، والتي اعتبرها بعض صانعي السياسة الأميركيين –زورا- تهديدا شيوعيا محتملا (وهو ما رأوه في كل مكان تقريبًا في ذلك الوقت). ‏


‏لكن إسرائيل شنت تلك الحرب في الحقيقة من أجل مصالحها وتوسعها الخاصَّين -ومن دون أي فائدة للولايات المتحدة.


‏على العكس من ذلك: تم الإبقاء على ستار من الصمت الرسمي الذي لا يصدق على حقيقة أنه خلال تلك الحرب القصيرة، تعرضت سفينة جمع المعلومات الاستخباراتية الأميركية "يو. إس. إس. ليبرتي" USS Liberty، التي كانت تتجسس على الصراع، للقصف لعدة ساعات بواسطة سلاح الجو الإسرائيلي، بنيّة واضحة لإغراقها، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 34 بحارا أميركيا وإصابة 174 آخرين. ‏


و‏لو لم يكن هناك ناجون، لكان من الممكن اتهام مصر بإغراق السفينة (مما يجعلها عملية "علم زائف"). وقد أُمر الناجون بعدم التحدث عن هذه الحادثة، ولم يتم التحقيق فيها أبدًا بشكل كامل، وقبِل الأميركيون التفسير الإسرائيلي الرسمي الذي زعم أن الهجوم كان "خطأ". على أي حال، لم يكن سلوك إسرائيل ‏‏بالضبط من نوع سلوك حليف ثمين‏‏.‏


‏وعندما هاجمت إسرائيل لبنان في العام 2006، كانت حكومة ذلك البلد "موالية للغرب" تمامًا. والأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة أصرّت، خلال حرب العام 1991 ضد العراق بسبب احتلاله الكويت، على أن إسرائيل يجب ألا تشارك، لأنه كان من شأن هذا التدخل أن يؤذِن بانهيار التحالف الأميركي - العربي المناهض للعراق. وهنا، من الصعب، مرة أخرى، رؤية إسرائيل "حليفًا" لا غنى عنه.‏


استهدفت حروب الولايات المتحدة بعد 9/11 أعداء إسرائيل –العراق وليبيا وسورية– من دون أي ميزة لشركات النفط الأميركية، بل العكس تمامًا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان اختيار الولايات المتحدة للأعداء في الشرق الأوسط لم تحدده مصالح حكومة أجنبية، في تناقض مع المصالح الأميركية في المنطقة.


‏واشنطن وغزة اليوم ‏

 


‏نأتي الآن إلى الوضع الحالي: ما هي مصلحة الولايات المتحدة في المذبحة التي يجري ارتكابها في غزة؟ 


إن ما تفعله واشنطن، في الواقع، هو محاولة الحفاظ على علاقات جيدة مع حلفائها العرب (مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج) من خلال التظاهر بالسعي إلى حل وسط، بينما لا تمارس في الحقيقة أي ضغط فعال على إسرائيل لوقف أعمالها -على سبيل المثال، عن طريق قطع الأموال.‏


‏ولماذا لا تفعل؟ الجواب واضح، لكنّ قوله علنًا غير حكيم من الناحية السياسية، ونادرًا ما يناقشه المدافعون عن الأسطورة المذكورة -باستثناء دحضه. إنه عمل اللوبي المؤيد لإسرائيل، الذي يسيطر بحكم الأمر الواقع على الكونغرس، والذي من دونه لا يمكن لأي رئيس أن يعمل حقا.‏


‏ليس اللوبي ‏‏مؤامرة سرية. إنه عمل واضح تقوم بتنسيقه علنا منظمة (آيباك)، التي ‏‏تنثر التبرعات بالمليارات في جميع أنحاء النظام السياسي الأميركي، وتملي الموقف الذي ينبغي على الساسة اتخاذه تجاه إسرائيل لضمان حياة مهنية ناجحة، وتتمتع‏ بسيطرة كاملة تقريبًا على الحزبين الممثلَين في الكونغرس. ‏


‏يتحقق ذلك في المقام الأول من خلال تمويل الحملات الانتخابية. ويمكن لجميع أولئك الذين يمتثلون الاعتماد على تبرعات الحملة، في حين أن أي شخص يجرؤ على تحدي أوامر اللوبي سرعان ما يتم تحديه من خلال طرح خصم ممول جيدًا في الانتخابات التمهيدية القادمة، وبالتالي فقدان دعم حزبه في الانتخابات التالية -كما حدث للنائبة جورجيا سينثيا ماكيني في العام 2002. 


و‏‏يحرك اللوبي أيضًا حملات التشهير وتشويه السمعة ضد أي منتقد لإسرائيل، كما رأينا مؤخرًا في ‏‏الهجمات التي شُنت على رؤساء الجامعات‏‏ (هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وبنسلفانيا) بتهمة عدم اتخاذ إجراءات صارمة بما فيه الكفاية ضد "معاداة السامية" المزعومة التي يمارسها الطلبة في حرم جامعات هؤلاء الرؤساء. ‏


‏ثمة العديد من الكتب التي تشرح بالتفصيل كيفية عمل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، منها، على سبيل المثال لا الحصر:‏


‏* ‏"‏إنهم يجرؤون على التحدث: الناس والمؤسسات يواجهون اللوبي الإسرائيلي" (‏‏1985) They Dare to Speak Out: People and Institutions Confront Israel’s Lobby، من تأليف بول فيندلي، عضو الكونغرس الجمهوري من ولاية إلينوي، الذي يشرح بالتفصيل كيف قام اللوبي سياسيًا "بتصفية" جميع أولئك الذين أرادوا سياسة مختلفة في الشرق الأوسط، على وجه التحديد لأنهم أرادوا الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة.‏


• ‏"اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة"‏‏ ‏‏(2007) The Israel Lobby and U.S Foreign Policy، من تأليف عالمي السياسة الأميركيين جون ميرشايمر وستيفن والت، وهو كتاب شامل ومصدر جيد للمعرفة عن أداء اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في الولايات المتحدة.‏


• "ضد أفضل أحكامنا: التاريخ الخفي لكيفية استغلال الولايات المتحدة من أجل إنشاء إسرائيل"‏‏ Against Our Better Judgment: The hidden history of how the U.S. was used to create Israël‏‏، من تأليف أليسون وير، 2014، ويعود الكتاب في تعقب دور الولايات المتحدة في دعم إسرائيل إلى وعد بلفور.‏


‏كما يمكن للمرء أيضا مشاهدة تقارير "الكاميرا الخفية" التي تعرضها "‏‏قناة الجزيرة"‏‏ ‏‏حول عمل اللوبي الإسرائيلي‏‏ في الولايات المتحدة وبريطانيا.‏‏ 


لقد اعتمدت الطريقة التي تم بها "إقصاء" زعيم حزب العمال البريطاني، جيريمي كوربين، سياسيًا بالكامل على عمل اللوبي الإسرائيلي وحملاته ضد معاداة السامية (الوهمية). ويجري استخدام نفس العملية حاليا في فرنسا ضد جان لوك ميلانشون وحزبه "فرنسا الأبية".‏


‏وقد اشتكى رؤساء أميركيون مختلفون، مثل ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر، من أن اللوبي أعاق أعمالهم‏‏. وفي واقع الأمر، أراد كل رئيس أميركي التخلص من "المشكلة الفلسطينية" (من خلال حل الدولتين)، لكنَّ الكونغرس أعاقه.‏


أما بالنسبة للكونغرس نفسه، فدعونا نقتبس شهادة واضحة جدا من الداخل، شهادة جيمس أبو رزق، الذي كان أولا عضوا في مجلس النواب في الكونغرس ثم عضوا في مجلس الشيوخ عن ساوث داكوتا في سبعينيات القرن العشرين. وقد أرسل هذه الرسالة‏‏ في العام 2006 إلى جيف بلانكفورت،‏‏ الناشط المناهض للصهيونية:‏


‏"‏‏أستطيع أن أخبرك من واقع تجربتي الشخصية أن الدعم الذي تحظى به إسرائيل في تلك الهيئة، على الأقل في مجلس النواب، يستند بالكامل إلى الخوف السياسي –الخوف من الهزيمة لدى أي شخص لا يفعل ما تريد إسرائيل أن يفعل. ويمكنني أيضًا أن أخبرك بأن عددًا قليلاً جدًا من أعضاء الكونغرس –على الأقل عندما كنت أخدم هناك– كانت يكنون أي مودة لإسرائيل أو للوبيها. إن ما لديهم لهما هو الازدراء، وإنما الذي يتم إسكاته بالخوف من أن يُكتَشَف ما يشعرون به بالضبط. ‏


‏"لقد سمعت الكثير من محادثات غرف التواليت حيث يعبِّر أعضاء مجلس الشيوخ عن مشاعرهم المريرة حول كيفية دفع اللوبي لهم إلى التفكير بطريقة مختلفة.

 

في الأحاديث الخاصة يسمع المرء كراهية إسرائيل وتكتيكات اللوبي، ولكن لا أحد منهم على استعداد للمخاطرة باستعداء اللوبي بنشر مشاعره على الملأ.‏


‏"بذلك، لا أرى أي رغبة من جانب أعضاء الكونغرس في تعزيز أي أحلام إمبريالية أميركية باستخدام إسرائيل كثور كباش. والاستثناءات الوحيدة لهذه القاعدة هي مشاعر الأعضاء اليهود، الذين هم مخلصون، على ما أعتقد، في جهودهم للإبقاء على تدفق الأموال الأميركية إلى إسرائيل".


قمع (آيباك)‏

 


‏وأضاف أبو رزق أن اللوبي يبذل كل جهد ممكن لقمع حتى صوت واحد للمعارضة في الكونغرس -مثل صوته هو- الذي قد يستنطق الاعتمادات المالية السنوية لإسرائيل، بحيث‏ أنه:


"إذا التزم الكونغرس الصمت التام بشأن هذه القضية، فلن يكون لدى الصحافة من تقتبسه، الأمر الذي يسكت الصحافة بشكل فعال أيضا. و‏‏أي صحفيين أو محررين يخرجون عن الخط تتم السيطرة عليهم بسرعة من خلال ضغوط اقتصادية منظمة جيدًا تُمارَس ضد الصحيفة التي يتم الإمساك بها وهي ترتكب الخطيئة".


وكان أبو رزق قد سافر ذات مرة عبر الشرق الأوسط مع مراسل صحفي كتب بصدق عما رآه. ونتيجة لذلك، تلقى المسؤولون التنفيذيون في الصحيفة تهديدات من العديد من كبار المعلِنين بأنهم سيوقفون نشر إعلاناتهم في الصحيفة إذا استمر هؤلاء المسؤولون في نشر مقالات الصحفي.‏


‏وقال أبو رزق: "لا أتذكر حالة واحدة رأت فيها أي إدارة أميركية حاجة إلى القوة العسكرية الإسرائيلية لتعزيز المصالح الإمبريالية الأميركية. في الواقع، كما رأينا في حرب الخليج، كان تدخل إسرائيل سيضر بما أراد بوش الأب تحقيقه من تلك الحرب.

 

كان على الأميركيين، كما تذكُر، قمع أي مساعدة إسرائيلية حتى لا يتم تدمير التحالف الأميركي بسبب مشاركتهم.‏


‏"وفيما يتعلق بالحجة القائلة بأننا في حاجة إلى استخدام إسرائيل كقاعدة للعمليات الأميركية، لست على علم بأي قواعد أميركية هناك من أي نوع.

 

ولدى الولايات المتحدة ما يكفي من القواعد العسكرية والأساطيل في المنطقة لتكون قادرة على التعامل مع أي نوع من الاحتياجات العسكرية من دون استخدام إسرائيل. في الواقع، لا يمكنني التفكير في حالة قد تريد فيها الولايات المتحدة إشراك إسرائيل عسكريًا، خوفًا من إغضاب الحلفاء الحاليين للولايات المتحدة؛ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. لن يسمح الجمهور في تلك البلدان للأنظمة بمواصلة تحالفها مع الولايات المتحدة إذا تورطت إسرائيل".‏


وقال أبو رزق أن تشجيع الولايات المتحدة لإسرائيل في غزواتها للبنان "كان مجرد امتداد لسياسة الولايات المتحدة المتمثلة في مساعدة إسرائيل بسبب الضغط المستمر للوبي... لطالما كان لبنان بلدًا ’هامشيًا‘ عندما يتعلق الأمر بالكونغرس، أي أن ما يحدث هناك ليس له أي تأثير على المصالح الأميركية. لا يوجد لوبي لبناني".


‏القيمة الاستراتيجية المزعومة‏

 


تشكل القيمة الاستراتيجية المزعومة لإسرائيل مجرد مثال واحد فقط من بين العديد من الأمثلة على الادعاء بأن‏‏ بعض المشاريع الإمبريالية/ الاستعمارية ضرورية لصيانة النظام الرأسمالي العالمي. ‏


‏كانت حرب فيتنام مبررة –في جزء منها- بنظرية الدومينو: كل جنوب شرق آسيا سيصبح شيوعيًا إذا "سقطت" فيتنام. وكان حجر الدومينو الوحيد الذي سقط هو كمبوديا، نتيجة للقصف الأميركي، بعد أن تدخلت فيتنام المنتصرة للإطاحة بنظام الإبادة الجماعية الذي كان يحكم هناك. ‏


وكان نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا مدعوما من الغرب، جزئيا بسبب الخوف من الشيوعية، لكن نهاية الفصل العنصري لم يكن لها تأثير يُذكر على الإمبريالية الرأسمالية في إفريقيا.‏ وإذا اختفى نظام الفصل العنصري الإسرائيلي في فلسطين، فسيظل النفط والتجارة يتدفقان من الشرق الأوسط إلى الغرب، ولن تكون هناك جهود يبذلها الحوثيون لمنع مرور الشحنات في البحر الأحمر.


سوف يُظهر أي تحليل واقعي أن معاملة إسرائيل للفلسطينيين وسياساتها العدوانية تجاه جيرانها تضر تمامًا بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وهو ما تقوم الأزمة الحالية بتسليط الضوء عليه بشكل أكبر فحسب.‏


‏إن المشكلة في أطروحة "إسرائيل كحاملة طائرات أميركية" هي أنه في حين أنها مريحة للغاية للمدافعين عنها، فإنها مدمرة جدا وضارة كثيرا بالقضية الفلسطينية.‏


‏إنها مريحة لأنها لا تنطوي على خطر مواجهة اتهامات بمعاداة السامية، ولأنها تنقل المسؤولية عن الفظائع الإسرائيلية إلى الإمبريالية الأميركية وشركاتها متعددة الجنسيات. ‏


ومن ناحية أخرى، إذا أكد المرء على الدور القيادي للوبي في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فسوف يواجَه لتهمة ترديد الأوهام و"نظريات المؤامرة" حول "القوة اليهودية" التي يعود تاريخها إلى أوقات لم تكن فيها إسرائيل موجودة أصلًا -وبالتالي لم يكن هناك لوبي إسرائيلي. ‏


‏إن رفض الصور النمطية الفاقدة للمصداقية ليس سببًا لتجاهل حقائق العلاقة غير المسبوقة التي تطورت بين الولايات المتحدة وإسرائيل.


إلحاق الضرر بالقضية الفلسطينية‏

 


‏إن فكرة "إسرائيل كحاملة طائرات أميركية" هي بالضبط أطروحة إسرائيلية تهدف إلى كسب الدعم السياسي والمالي والعسكري الأميركي الكامل. ‏وبذلك، لا عجب في أن يكون ترديد هذه الفكرة ضارًا كثيرًا بالقضية الفلسطينية. وإذا كان هذا صحيحا، فكيف يمكن أن نأمل في إنهاء هذا الدعم الأميركي لإسرائيل؟ ‏


هل نقنع الشعب الأميركي بالثورة ضد شيء يقال أنه مفيد جدا لمصالح الولايات المتحدة؟ أم ننتظر انهيار الإمبريالية الأميركية؟ من غير المحتمل أن يحدث أي من هذا في أي وقت قريب. ‏


‏ولكن، إذا كانت قوة اللوبي هي مفتاح الدعم الأميركي لإسرائيل، فإن الاستراتيجية التي يجب اتباعها أبسط بكثير ولديها فرصة أكبر بكثير في النجاح: إننا نحتاج ببساطة إلى الاجتراء على رفع الصوت وقول الحقيقة.


يجب على الجمهور أن يدرك أن إسرائيل، فضلًا عن أنها ليست ميزة لأميركا على الإطلاق، هي عبء مزمن يُهدر مليارات الدولارات الأميركية، ويجر الولايات المتحدة إلى الحروب، والآن تؤدي معاملتها القائمة على الإبادة الجماعية للفلسطينيين إلى تدمير ادعاءات أميركا الأخلاقية بشكل جذري في معظم أنحاء العالم. ‏


‏وبمجرد فهم ذلك، سوف ينهار الدعم لإسرائيل، وقد يمارس الناخبون ضغوطًا كافية على النخبة الوطنية والإدارة –بل وحتى الكونغرس المخيف نفسه- لإعادة توجيه السياسة الأميركية بما يتماشى مع المصالح الوطنية الحقيقية. ‏


ثمة الآن بعض الدلائل على أن جزءا من الطبقة الاقتصادية الحاكمة أصبح يتحرك في هذا الاتجاه: يشكل دفاع إيلون ماسك عن حرية التعبير على الشبكات الاجتماعية خطوة في الاتجاه الصحيح (وهو ما أثار غضب مؤيدي إسرائيل). ‏


‏وعلى الرغم من أن دونالد ترامب، كرئيس، فعل كل ما في وسعه من أجل إسرائيل، فإن شعاره الشعبي "أميركا أولا" يعني شيئا مختلفًا تمامًا، كما يفهمه مناهضو التدخل من معسكر اليمين، مثل تاكر كارلسون.‏


لسوء الحظ، يتشبث الكثيرون في اليسار بوجهة نظر "ماركسية" ظاهريًا، مفادها أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل يجب أن يكون مدفوعًا بالمصالح الاقتصادية، والأرباح الرأسمالية، والسيطرة على تدفق نفط الشرق الأوسط. ولا يقتصر الأمر على أن هذا الاعتقاد غير مدعوم من الناحية الواقعية فحسب، بل إنه يرقى إلى دعوة حكام الولايات المتحدة إلى الحفاظ على المسار. ‏


‏مع تصاعد السخط العالمي ضد هجوم الإبادة الجماعية الذي تشنه إسرائيل على غزة، كيف يمكن لأي أميركي أن يدعي أن إسرائيل "تعمل لصالح أميركا"؟ إن إسرائيل مسؤولة عن جرائمها، ومن الصحيح -بل ومن المصلحة الوطنية للولايات المتحدة على حد سواء أن ندرك أن إسرائيل، بعيدًا عن كونها رصيدًا استراتيجيًا، هي العائق رقم 1 لأميركا.‏


‏*جان بريكمونت Jean Bricmont: أستاذ الفيزياء النظرية في الجامعة الكاثوليكية في لوفان (بلجيكا)، ومؤلف العديد من المقالات والكتب، منها "‏‏الإمبريالية الإنسانية" Humanitarian Imperialism، و"جمهورية الرقابة" La République des Censeurs،‏‏ ‏‏و"هراء شائع" ‏‏Fashionable Nonsense ‏‏(مع آلان سوكال).‏


‏*ديانا جونستون Diana Johnstone: كانت السكرتيرة الصحفية لـ"مجموعة الخضر" في البرلمان الأوروبي من العام 1989 إلى العام 1996. في كتابها الأخير، "‏‏دائرة في الظلام: مذكرات مراقب العالم‏"‏ Circle in the Darkness: Memoirs of a World Watcher (مطبعة كلاريتي، 2020)، تروي حلقات رئيسية في رحلة تحول حزب الخضر الألماني من حزب سلام إلى حزب حرب.

 

وتشمل كتبها الأخرى "‏‏حملة الحمقى الصليبية: يوغوسلافيا وحلف شمال الأطلسي والأوهام الغربية" Fools’ Crusade: Yugoslavia, NATO and Western Delusions  (مطبعة بلوتو/ المراجعة الشهرية)، وفي تأليف مشترك مع والدها، بول إتش جونستون، ‏‏من التدمير المتبادل المؤكد إلى الجنون: داخل تخطيط الحرب النووية في البنتاغون" From MAD to Madness: Inside Pentagon Nuclear War Planning (مطبعة كلاريتي).


*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Myth of Israel as ‘US Aircraft Carrier’ in Middle East

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

لماذا لن تتغير إسرائيل؟