‏"لافندر": آلة الذكاء الاصطناعي التي توجه القصف الإسرائيلي في غزة‏ (3-2)

دمار هائل في حي الرمال في مدينة غزة بعد استهدافه بغارات جوية إسرائيلية، 10 تشرين الأول (أكتوبر) - (المصدر)‏
دمار هائل في حي الرمال في مدينة غزة بعد استهدافه بغارات جوية إسرائيلية، 10 تشرين الأول (أكتوبر) - (المصدر)‏

يوفال أبراهام* - (مجلة 972+) 2024/4/4


"لم تكن هناك سياسة "صفر خطأ"‏

قال ب.، وهو ضابط مخابرات إسرائيلي كبير استخدم برنامج "لافندر" لمجلة "972+" و"لوكال كول"، إنه في الحرب الحالية، لم يكن مطلوبًا من الضباط مراجعة تقييمات نظام الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل، من أجل توفير الوقت وتمكين الإنتاج الضخم للأهداف البشرية بلا عوائق.

اضافة اعلان


وأضاف ب.: "كان كل شيء إحصائيا، وكان كل شيء دقيقًا - كان جافا جدا". وأشار إلى أنه سُمح بهذا النقص في الإشراف البشري على الرغم من الفحوصات الداخلية التي تظهر أن حسابات "لافندر" كانت تعد دقيقة في 90 في المائة من المرات فحسب. وبعبارة أخرى، كان معروفًا مسبقًا أن 10 في المائة من الأهداف البشرية التي تقرر اغتيالها لم تكن أعضاء في الجناح العسكري لحركة "حماس" على الإطلاق.‏


‏على سبيل المثال، أوضحت المصادر أن آلة "لافندر" أشّرت أحيانًا، مخطئة، على أفراد لديهم أنماط اتصال مشابهة لنشطاء معروفين من "حماس" أو "الجهاد الإسلامي في فلسطين" -بما في ذلك عمال الشرطة والدفاع المدني، وأقارب الناشطين، والسكان الذين تصادَف أن لديهم اسمًا ولقبًا مطابقين لاسم أحد النشطاء، وسكان غزة الذين استخدموا جهازًا كان في السابق يخص أحد عناصر "حماس".


وقال أحد المصادر الذي ينتقد عدم دقة "لافندر": "إلى أي مدى يجب أن يكون الشخص قريبًا من "حماس" (حتى تعتبره آلة الذكاء الاصطناعي) تابعًا للمنظمة؟ إنها حدود غامضة. هل الشخص الذي لا يتقاضى راتبًا من "حماس"، ولكنه يساعدها في كل أنواع الأمور، ناشط في "حماس"؟ هل يُعتبر شخص كان في "حماس" في الماضي، لكنه لم يعد فيها اليوم، ناشطًا في "حماس"؟ كل من هذه السمات -الخصائص التي قد تؤشر عليها الآلة باعتبارها مشبوهة- غير دقيقة.‏


ثمة مشاكل مماثلة تتعلق بقدرة آلات توليد الأهداف على تقييم الهاتف الذي يستخدمه فرد تم وضع علامة عليه للاغتيال. وقال المصدر: "في الحرب، يغير الفلسطينيون هواتفهم كل الوقت. الناس يفقدون الاتصال بعائلاتهم، ويعطون هواتفهم لصديق أو زوجة، وربما يفقدون هواتفهم. لا توجد طريقة للاعتماد بنسبة 100 في المائة على الآلية التلقائية التي تحدد أي رقم (هاتف) يعود لمن".‏


‏ووفقًا للمصادر، كان الجيش يعلم أن حدّا أدنى من الإشراف البشري لن يكتشف هذه الأخطاء. وقال مصدر استخدم "لافندر": "لم تكن هناك سياسة ’صفر خطأ‘. تم التعامل مع الأخطاء إحصائيا. بسبب النطاق والحجم، كان البروتوكول هو أنه حتى لو كنت لا تعرف على وجه اليقين أن الآلة محقّة، فإنك تعرف أنه لا بأس بها من الناحية الإحصائية. لذلك تذهب معها".‏


‏وقال ب.، المصدر الرفيع: "لقد أثبتت الآلة نجاعتها. ثمة شيء بشأن النهج الإحصائي يضعك ضمن قاعدة ومعيار معينين. كان هناك قدر غير منطقي من (القصف) في هذه العملية. إنه شيء لا مثيل له في ذاكرتي. ولدي ثقة بآلية إحصائية أكبر بكثير من ثقتي بجندي فقد صديقًا قبل يومين. الجميع هناك، بمن فيهم أنا، فقدوا أشخاصًا في 7 تشرين الأول (أكتوبر). لقد فعلَت الآلة ذلك ببرود. وهذا جعل الأمر أسهل".‏


وقال مصدر استخباراتي آخر، دافع عن الاعتماد على قوائم القتل التي أعدها "لافندر" للمشتبه بهم الفلسطينيين، إن الأمر يستحق استثمار وقت ضابط المخابرات للتحقق من المعلومات فقط إذا كان الهدف قائدًا كبيرًا في "حماس".

 

وقال "ولكن عندما يتعلق الأمر بمتشدد صغير، فإنك لا تريد استثمار جهد القوى العاملة ووقتهم في التحقق. في الحرب، ليس هناك وقت للتأكد من تجريم كل هدف. لذلك تكون على استعداد لتحمل هامش الخطأ الذي يأتي مع استخدام الذكاء الاصطناعي، والمخاطرة بإيقاع أضرار جانبية وموت مدنيين، والمغامرة بشن هجوم على أساس خاطئ، والتعايش مع ذلك".‏


‏وقال ب. إن سبب هذه الأتمتة هو استمرار الضغط والدفع من أجل توليد المزيد من الأهداف للاغتيال. وأضاف: "في يوم من دون أهداف (حيث يكون تصنيف السِّمات كافيًا للسماح بتوجيه ضربة)، كنا نهاجم على أساس عتبة استهداف أدنى. كنا نتعرض لضغوط مستمرة: ’اجلبوا لنا المزيد من الأهداف‘. كانوا يصرخون بنا حقًا. لقد انتهينا من (قتل) الأهداف التي لدينا بسرعة كبيرة".‏


‏وأوضح ب. أنه عند خفض عتبة التصنيف التي يعتمدها "لافندر"، فإنه سيحدد المزيد من الأشخاص كأهداف للضربات. وقال: "في ذروته، تمكن النظام من توليد 37.000 شخص كأهداف بشرية محتملة. لكن الأرقام كانت تتغير طوال الوقت، لأن ذلك يعتمد على المعيار الذي تضعُه لتحديد مَن هو الناشط في "حماس".

 

كانت هناك أوقات تم فيها تعريف ناشط "حماس" بشكل أوسع، وعندئذٍ بدأت الآلة في أن تجلب لنا جميع أنواع أفراد الدفاع المدني، وضباط الشرطة الذين سيكون من العار إلقاء القنابل عليهم. إنهم يساعدون حكومة "حماس"، لكنهم لا يعرِّضون الجنود الإسرائيليين للخطر".‏


‏وقال مصدر عمل مع فريق علوم البيانات العسكرية الذي درب "لافندر"، إن البيانات التي تم جمعها عن موظفي وزارة الأمن الداخلي التي تديرها "حماس"، والذين لا يعتبرهم المصدر مسلحين، تم إدخالها أيضًا في الآلة.

 

وقال: "لقد انزعجتُ من حقيقة أنه عندما تم تدريب ’لافندر‘، استخدموا مصطلح ’ناشط "حماس"‘ بشكل فضفاض، وقد شملوا أشخاصًا من العاملين في الدفاع المدني في قاعدة بيانات التدريب".‏


‏وأضاف المصدر أنه حتى لو اعتقد المرء أن هؤلاء الأشخاص يستحقون القتل، فإن تدريب النظام بناء على ملفات الاتصال الخاصة بهم جعل "لافندر" أكثر عرضة لاختيار المدنيين بالخطأ عندما يتم تطبيق خوارزمياته على عامة السكان. وقال: "نظرًا لأنه نظام أوتوماتيكي لا يقوم البشر بتشغيله يدويا، فإن معنى هذا القرار دراماتيكي: إنه يعني أنك تقوم بتضمين العديد من الأشخاص الذين لديهم ملف اتصالات مدني كأهداف محتملة".‏


‏"تحققنا فقط من أن الهدف كان رجلاً"‏
يرفض الجيش الإسرائيلي هذه الادعاءات بشكل قاطع. في تصريح لمجلة "972+" و"لوكال كول"، نفى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي استخدام الذكاء الاصطناعي لتجريم الأهداف، وقال إن هذه البرامج هي مجرد "أدوات مساعدة تساعد الضباط في عملية التجريم". وتابع البيان: "على أي حال، يلزم إجراء فحص مستقل يقوم به محلل (استخباراتي) يتحقق من أن الأهداف المحددة هي أهداف مشروعة للهجوم، وفقًا للشروط المنصوص عليها في توجيهات الجيش الإسرائيلي والقانون الدولي".


‏ومع ذلك، قالت المصادر إن بروتوكول الإشراف البشري الوحيد المعمول به قبل قصف منازل الناشطين "الصغار" المشتبه بهم الذين تم تمييزهم بعلامة "لافندر" هو إجراء فحص واحد: التأكد من أن الهدف الذي تم اختياره بالذكاء الاصطناعي هو ذكر وليس أنثى. وكان الافتراض في الجيش أنه إذا كان الهدف امرأة، فمن المحتمل أن تكون الآلة قد ارتكبت خطأ، لأنه لا توجد نساء في صفوف الجناحين العسكريين لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي في فلسطين".‏


وقال ب.: "كان يجب أن يتولى إنسان مهمة (التحقق من الهدف) لبضع ثوان فقط"، موضحًا أن هذا أصبح البروتوكول بعد إدراك أن نظام "لافندر" كان "يقدر الأمور بشكل صحيح" معظم الوقت. وأضاف ب.: "في البداية، كنا نجري فحصًا للتأكد من أن الآلة لا تخلط الأمور. ولكن في مرحلة ما اعتمدنا على النظام الآلي بشكل كامل، وكنا نتحقق فقط من أن (الهدف) ذكر -كان ذلك كافيًا. لا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لمعرفة ما إذا كان لشخص ما صوت ذكر أو أنثى".


لإجراء فحص الذكر/ الأنثى، ادعى ب. أنه في الحرب الحالية، "سوف أخصص 20 ثانية لكل هدف في هذه المرحلة، وأقوم بالعشرات من هذه الفحوصات كل يوم. لم تكن لي أي قيمة مضافة كإنسان باستثناء كوني ختم موافقة. لقد وفرت (الآلة) الكثير من الوقت. إذا ظهر (الناشط) في الآلية المؤتمتة، وتحققتُ من أنه رجل، فسيكون هناك إذن بقصفه، ويكون ذلك رهنًا بفحص الأضرار الجانبية".‏


‏من الناحية العملية، قالت المصادر إن هذا يعني أنه بالنسبة للرجال المدنيين الذين أشر "لافندر" عليهم بالخطأ، لم تكن هناك آلية إشراف للكشف عن الخطأ. ووفقًا لـ"ب."، كان هناك خطأ شائع الحدوث. وقال ب.: "إذا أعطى الهدف (من "حماس") هاتفه لابنه، أو شقيقه الأكبر، أو لمجرد رجل عشوائي، سيتم قصف هذا الشخص في منزله مع عائلته. حدث هذا في كثير من الأحيان. كان هذا أكثر الأخطاء تكرارًا التي سببها ’لافندر‘".


الخطوة 2: ربط الأهداف بمنازل الأسر

 


‏"معظم الأشخاص الذين قتلتَهم كانوا من النساء والأطفال"‏


‏المرحلة التالية في إجراءات عملية الاغتيال التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي هي تحديد المكان الذي تتم فيه مهاجمة الأهداف التي يولدها "لافندر".‏


‏في تصريح لمجلة "972+" و"لوكال كول"، ادعى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي ردًا على هذا المقال أن ""حماس" تضع عناصرها وأصولها العسكرية في قلب السكان المدنيين، وتستخدم السكان المدنيين بشكل منهجي كدروع بشرية، وتدير القتال من داخل المباني المدنية، بما في ذلك المواقع الحساسة مثل المستشفيات والمساجد والمدارس ومرافق الأمم المتحدة. الجيش الإسرائيلي ملتزم بالقانون الدولي ويتصرف وفقًا له، ويوجه هجماته فقط إلى الأهداف العسكرية والناشطين العسكريين".


‏ورددت المصادر الستة التي تحدثنا إليها هذا التصور إلى حد ما، وقالت إن ‏‏نظام أنفاق‏‏ "حماس" الواسع يمر عمدًا تحت المستشفيات والمدارس؛ وأن مقاتلي "حماس" يستخدمون سيارات الإسعاف للتنقل؛ وأن عددًا لا يحصى من الأصول العسكرية قد تم وضعها بالقرب من المباني المدنية.

 

وجادلت المصادر بأن العديد من الغارات الإسرائيلية تقتل المدنيين نتيجة لهذه التكتيكات التي تطبقها "حماس" -وهو توصيف ‏‏تحذر‏‏ جماعات حقوق الإنسان من أنه يتهرب من تحميل إسرائيل المسؤولية عن إلحاق الخسائر المدنية.

 


‏مع ذلك، وعلى النقيض من التصريحات الرسمية للجيش الإسرائيلي، أوضحت المصادر أن أحد الأسباب الرئيسية لعدد القتلى غير المسبوق التي نجمت عن القصف الإسرائيلي الحالي هو حقيقة أن الجيش هاجم بشكل منهجي أشخاصًا مستهدفين في منازلهم الخاصة، إلى جانب عائلاتهم -ويرجع ذلك في جزء منه إلى أنه كان من الأسهل من وجهة نظر استخباراتية تحديد منازل العائلات باستخدام الأنظمة الآلية.

 


‏وفي الحقيقة، شدد عدد من المصادر على أنه -على النقيض من الحالات العديدة التي انخرط فيها نشطاء "حماس" في نشاط عسكري من مناطق مدنية- اتخذ الجيش في حالة هجمات الاغتيالات المنهجية، بشكل روتيني، الخيار النشط المتمثل في قصف المسلحين المشتبه بهم عندما يكونون داخل منازل مدنية لم يحدث منها أي نشاط عسكري. وقالت المصادر إن هذا الاختيار كان انعكاسًا للطريقة التي تم بها تصميم نظام المراقبة الجماعية الإسرائيلي في غزة.‏


‏وقالت المصادر لمجلة "972+" و"لوكال كول" إنه بما أن كل شخص في غزة لديه منزل خاص يمكن أن يُربط به، فإن أنظمة المراقبة التابعة للجيش يمكن أن "تربط" الأفراد بسهولة وبشكل تلقائي بمنازل العائلات. ومن أجل تحديد اللحظة التي يدخل فيها الناشطون منازلهم في الوقت الفعلي، تم تطوير العديد من البرامج الآلية الإضافية.

 

وتتعقب هذه البرامج آلاف الأفراد في وقت واحد، وتحدد متى يكونون في المنزل، وترسل تنبيها تلقائيا إلى ضابط الاستهداف، الذي يقوم بعد ذلك بوضع علامة على المنزل للقصف. وثمة واحد من العديد من هذه البرامج الخاصة بالتتبع التي يتم الكشف عنها هنا لأول مرة، يسمى "أين بابا"؟‏ Where's Daddy?.


‏وقال مصدر مطلع على النظام: "أنتَ تضع المئات (من الأهداف) في النظام وتنتظر لترى من يمكنك قتله. ويطلق على هذا الإجباء اسم ’الصيد الواسع‘: إنكَ تقوم بالنسخ واللصق من القوائم التي ينتجها نظام توليد الأهداف".‏


‏كما أن الأدلة على وجود هذه السياسة واضحة أيضًا من البيانات: خلال الشهر الأول من الحرب، كان أكثر من نصف القتلى -6.120 شخصًا- ينتمون إلى 1.340 عائلة تم القضاء على العديد منها بالكامل أثناء وجودهم داخل منازلهم، وفقًا ‏‏لأرقام الأمم المتحدة‏‏.

 

وكانت نسبة ‏‏العائلات التي قُصفت‏‏ بأكملها ‏‏في منازلها في الحرب الحالية أعلى بكثير ‏‏مما كانت عليه في العملية التي نفذتها إسرائيل في غزة في العام 2014‏‏ (التي كانت قبل الحرب الحالية الحرب الأكثر دموية التي شنتها إسرائيل على القطاع)، مما يزيد من توضيح الآثار المترتبة على هذه السياسة الجديدة.‏


‏وقال مصدر آخر إنه في كل مرة تتضاءل فيها وتيرة الاغتيالات، تتم إضافة المزيد من الأهداف إلى أنظمة مثل "أين بابا" لتحديد مكان الأفراد الذين دخلوا منازلهم بحيث يمكن قصفهم. وقال إن القرار بشأن مَن هو الذي يجب وضعه في أنظمة التتبع يمكن أن يتخذه ضباط ذوو رتب منخفضة نسبيا في التسلسل الهرمي العسكري.


‏وقال المصدر: "في أحد الأيام، وباجتهادي الخاص تمامًا، أضفتُ ما يقرب من 1.200 هدف جديد إلى نظام (التتبع)، لأن عدد الهجمات (التي كنا ننفذها) انخفض. كان ذلك منطقيا بالنسبة لي. وفي وقت لاحق، أصبح يبدو وكأنه قرار خطير اتخذته. مثل هذه القرارات لم تكن تتخذ على مستويات عالية".‏


‏وقالت المصادر إنه تم في الأسبوعين الأولين من الحرب إدخال "آلاف عدة" من الأهداف في البداية في برامج تحديد المواقع مثل "أين بابا"؟ وشمل ذلك جميع أعضاء وحدة النخبة التابعة لـ"حماس" "النخبة"، وجميع عناصر "حماس" الناشطين في الوحدات المضادة للدبابات، وأي شخص دخل إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر). ولكن، سرعان ما تم توسيع قائمة القتل بشكل متطرف.


‏وأوضح أحد المصادر: "في النهاية، شملت الأهداف كل الذين (أشّر عليهم "لافندر"). عشرات الآلاف. حدث هذا بعد بضعة أسابيع، عندما دخلت الكتائب (الإسرائيلية) غزة، وكان هناك مسبقًا عدد أقل من الأشخاص غير المتورطين (أي المدنيين) في المناطق الشمالية".

 

ووفقًا لهذا المصدر، حتى بعض القاصرين أشر عليهم "لافندر" كأهداف للقصف. وقال: "عادة ما يكون عمر النشطاء أكثر من 17 عامًا، لكن هذا لم يكن شرطًا".‏


وهكذا، تم دمج "لافندر" وأنظمة مثل "أين بابا" مع تداعيات مميتة، مما أسفر عن مقتل عائلات بأكملها، حسب ما ذكرت المصادر. وعن طريق إضافة اسم من القوائم التي أنشأها "لافندر" إلى برنامج تعقب المنازل،"أين بابا"، كما أوضح أ.، يتم وضع الشخص المؤشر عليه تحت المراقبة المستمرة، ويمكن أن يتعرض للهجوم بمجرد أن تطأ قدمه عتبة منزله، مما يؤدي إلى انهيار المنزل على كل من بداخله.‏


وقال أ.: "لنفترض أنك تحسب (أن هناك ناشطًا) واحدًا من "حماس" بالإضافة إلى 10 (مدنيين في المنزل). وفي العادة، سيكون هؤلاء الـ10 من النساء والأطفال. وهكذا، يتبين بشكل غريب أن معظم الأشخاص الذين قتلتَهم كانوا من النساء والأطفال".‏


الخطوة 3: اختيار السلاح‏

 


‏"عادة ما ننفذ الهجمات بـ"قنابل غبية"‏
‏بمجرد أن يقوم "لافندر" بتحديد هدف للاغتيال، ويتحقق أفراد الجيش من أنهم ذكور، ويحدد برنامج التتبع وجود الهدف في منزله، فإن المرحلة التالية تكون اختيار الذخيرة التي يتم قصفه بها.‏


في كانون الأول (ديسمبر) 2023، ‏‏ذكرت شبكة (سي. إن. إن) الإخبارية‏‏ ‏‏أنه وفقا لتقديرات المخابرات الأميركية، فإن حوالي 45 في المائة من الذخائر التي استخدمها سلاح الجو الإسرائيلي في غزة كانت قنابل "غبية"، ومن المعروف أن هذه القنابل تسبب أضرارًا جانبية أكثر بكثير من القنابل الموجهة. وردًا على تقرير (سي. إن. إن)، قال متحدث باسم الجيش في المقال: "كجيش ‏‏ملتزم بالقانون الدولي ومدونة سلوك أخلاقية، نحن نكرس موارد هائلة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين الذين أجبرتهم "حماس" على لعب دور الدروع البشرية. إن حربنا هي ضد "حماس"، وليس ضد شعب غزة".‏


‏ومع ذلك، أخبرت ثلاثة مصادر استخباراتية مجلة "972+" و "لوكال كول" أن الناشطين ذوي المراتب المنخفضة الذين أشر عليهم "لافندر" تم اغتيالهم بقنابل غبية فقط، من أجل توفير الذخائر الأكثر تكلفة.

 

وأوضح أحد المصادر أن المعنى الضمني هو أن الجيش لن يضرب هدفًا صغيرًا إذا كان يعيش في مبنى شاهق، لأن الجيش لا يريد أن ينفق "قنبلة أرضية" أكثر دقة وتكلفة (مع تأثير جانبي محدود) لقتله. ولكن إذا كان هدف صغير يعيش في مبنى مكون من بضعة طوابق فقط، فإن الجيش مخول بقتله وقتل كل من في المبنى الذي يسكن فيه بقنبلة غبية.


‏وشهد المصدر س. الذي استخدم برامج آلية مختلفة في الحرب الحالية: "كان الأمر كذلك مع جميع الأهداف من الناشطين الصغار. كان السؤال الوحيد هو، هل من الممكن مهاجمة المبنى من حيث الأضرار الجانبية؟

 

لأننا عادة ما ننفذ الهجمات بقنابل غبية، وهذا يعني حرفيا تدمير المنزل بأكمله فوق ساكنيه. ولكن حتى لو تم تجنب الهجوم، فأنت لا تهتم -فأنت تنتقل على الفور إلى الهدف التالي. وبسبب النظام، لا تنتهي الأهداف أبدًا. لديك 36.000 شخص/ هدف آخرين ينتظرون".‏


الخطوة 4: التصريح بوقوع خسائر في صفوف المدنيين‏

 


‏"هاجمنا تقريبًا من دون اعتبار للأضرار الجانبية"‏
‏قال أحد المصادر إنه عند مهاجمة صغار الناشطين، بمن فيهم أولئك الذين تم تمييزهم بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل "لافندر"، تم تحديد عدد المدنيين الذين يُسمح بقتلهم إلى جانب كل هدف خلال الأسابيع الأولى من الحرب بما يصل إلى 20. وادعى مصدر آخر أن العدد الثابت يصل إلى 15.

 

وقالت المصادر إن "درجات الأضرار الجانبية" هذه، كما يسميها الجيش، طُبقت على نطاق واسع على جميع الناشطين الصغار المشتبه بهم، بغض النظر عن رتبهم وأهميتهم العسكرية وأعمارهم، ومن دون فحص محدد لكل حالة على حدة لتقييم المكسب العسكري الناجم عن اغتيالهم مقابل الضرر المتوقع للمدنيين.


ووفقًا لـ(أ).، الذي كان ضابطًا في غرفة عمليات لتحديد الأهداف في الحرب الحالية، فإن قسم القانون الدولي في الجيش لم يمنح من قبل مثل هذه "الموافقة الشاملة" على مثل هذه الدرجة العالية من الأضرار الجانبية.

 

وقال: "لا يقتَصر الأمر على أنه يمكنك قتل أي شخص من جنود "حماس"، وهو أمر مسموح به وشرعي بشكل واضح من حيث القانون الدولي، لكنهم يقولون لك مباشرة: ’مسموح لك بقتلهم مع الكثير من المدنيين‘. ‏


‏وتابع أ.: ‏"كل شخص كان يرتدي زي "حماس" في العام أو العامين الماضيين يمكن أن يتعرض للقصف مع 20 (مدنيا يقتلون) كأضرار جانبية، حتى من دون إذن خاص. في الممارسة العملية، لم يكن مبدأ التناسب موجودًا على الإطلاق".‏


‏ووفقًا لـ(أ.)، كانت هذه هي السياسة المتبعة لمعظم الوقت الذي خدم فيه. وفي وقت لاحق فقط خفض الجيش درجة الأضرار الجانبية. وأوضح أ.: "وفق هذا الحساب، يمكن أن تكون المعادلة أيضًا قتل 20 طفلاً مقابل ناشط صغير... لم يكن الأمر كذلك حقا في الماضي". وعندما سئل عن الأساس المنطقي الأمني وراء هذه السياسة، أجاب أ.: "الفتك".‏

*يوفال أبراهام Yuval Abraham: مخرج أفلام وناشط إسرائيلي مقيم في القدس، من مواليد العام 1995. أمضى سنوات في الكتابة عن الاحتلال الإسرائيلي، معظمه باللغة العبرية. وهو صحفي مستقل يتمتع بخبرة في العمل في أطر تعليمية ومدارس إسرائيلية فلسطينية ثنائية اللغة.

 

درَس اللغة العربية بشكل مكثف ويقوم الآن بتدريسها لمتحدثين آخرين بالعبرية، إيمانًا منه بالكفاح المشترك من أجل العدالة والمجتمع المشترك في إسرائيل وفلسطين.‏


*نشر هذا التحقيق تحت عنوان:

 

Lavender: The AI machine directing Israel’s bombing spree in Gaza

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

 

‏"لافندر": آلة الذكاء الاصطناعي التي توجه القصف الإسرائيلي في غزة (3-3)‏