الديناميات الجديدة للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط

عملية طوفان الاقصى
طوفان الأقصى

سكوت ريتر* - (إنيرجي إنتيليجنس) 26/10/2023
واشنطن‏- يهدد الصراع الدائر بين حماس وإسرائيل بزعزعة استقرار الشرق الأوسط -والعالم.

اضافة اعلان

 

وقد رفعت هذه الحرب قضية إقامة الدولة الفلسطينية إلى الواجهة الدبلوماسية كعنصر أساسي في أي استراتيجية لحل الصراع. وستحدد كيفية معالجة ذلك مستقبل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.‏
*   *   *
في صباح يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، اخترق مسلحون من حركة "حماس" الفلسطينية الجدار الحدودي الذي أقامته إسرائيل، والذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل، ونفذوا هجمات على المنشآت العسكرية والمستوطنات في ما يعرف باسم "غلاف غزة".

 

وقتلت هذه الهجمات أكثر من 1.300 شخص في ذلك اليوم -وارتفع العدد إلى أكثر من 1.400 إسرائيلي منذ ذلك الحين- بمن فيهم مئات المدنيين.

 

وأثار الرد الإسرائيلي -القصف الجوي المتواصل لغزة الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 7.000 شخص- قلقًا دوليًا، حتى في الوقت الذي يدين فيه العالم أعمال "حماس" التي عجلت بالهجوم الإسرائيلي.‏


‏تجسدت هذه الدينامية في عقلية الذين سيأخذون زمام المبادرة في حل هذه الأزمة بفكرة أن أي خطة لحل الصراع يجب أن تتجاوز الصيغة الإسرائيلية ذات الدوافع الانتقامية، وأن تبحث بدلاً من ذلك عن حل دائم يشمل إقامة دولة فلسطينية.

 

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، في تصريحاته الأخيرة حول الصراع بين إسرائيل وحماس:"لا يمكن أن تكون هناك عودة إلى الوضع الراهن".

 

وأعرب بايدن عن أمله في استئناف العمل نحو دمج إسرائيل في المنطقة، الذي أوقفه القتال، لكنه أشار إلى أن هذا لا يمكن أن يكون ممكنًا إلا إذا كانت "تطلعات الشعب الفلسطيني جزءا من هذا المستقبل أيضا".‏


احتمال التصعيد‏


‏في حين تم تحديد مسألة إقامة الدولة الفلسطينية باعتبارها عنصرًا أساسيًا في أي جهد لحل الصراع، فإن التهديد المباشر الذي يواجه العالَم يتلخص في خطر تصاعد الصراع من خلال جر ميليشيا "حزب الله" اللبنانية وإيران إلى ساحة الصراع، وبالتالي إرغام الولايات المتحدة على التدخل إلى جانب إسرائيل.

 

وقد نشرت الولايات المتحدة قوات عسكرية كبيرة في المنطقة لدعم إسرائيل، وتعرضت القواعد الأميركية في العراق وسورية بالفعل لهجمات شنتها الميليشيات الموالية لإيران.

 

ومن شأن أي صراع أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط أن يَعرض خطر زعزعة استقرار المنطقة بأسرها، والعالم أيضًا بالنظر إلى التأثير المتوقع لمثل هذا التصعيد على أسواق الطاقة.‏


سبق وأن صرح كل من "حزب الله" وإيران بأنه في حال شنت إسرائيل هجومًا بريًا واسع النطاق على غزة، فلن يكون أمامهما خيار سوى التدخل.

 

كما صرح السياسيون والجنرالات الإسرائيليون في المقابل بأن الخيار الوحيد المتاح أمام إسرائيل لهزيمة "حماس" بالقدر اللازم لتأمين الأمن الإسرائيلي هو القيام بغزو واسع النطاق لغزة ينفذه مئات الآلاف من عناصر القوات الإسرائيلية.

 

وقد شجعت إدارة بايدن إسرائيل بهدوء على التخلي عن مثل هذا التوغل، وأرسلت فريقا عسكريا رفيع المستوى لتقديم المشورة للقيادة الإسرائيلية بشأن الصعوبات المرتبطة بالحروب واسعة النطاق في المدن.


كانت إسرائيل قد ‏أجرت في العامين الماضيين مناورات عسكرية واسعة النطاق، بالتعاون مع الولايات المتحدة، تحاكي حربًا متزامنة على جبهات متعددة في غزة والضفة الغربية ولبنان (ضد "حزب الله")، ومرتفعات الجولان (ضد سورية)، وإيران.

 

وفي حين أن نتائج هذه المناورات ما تزال سرية، يقدر المحللون العسكريون أن الجيش الإسرائيل تعرض، على الأقل، إلى قدر كبير من الضغط في مثل هذا السيناريو، وأن أي صراع تشارك فيه إيران لا يمكن أن يُخاض إلا بمشاركة دعم أميركي كبير.‏


‏كان عدم اليقين بشأن قدرة إسرائيل على الانتصار في صراع متعدد الجبهات، والعواقب المترتبة على هزيمة إسرائيلية استراتيجية (بما في ذلك الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية الإسرائيلية)، هو الذي دفع الولايات المتحدة إلى محاولة دفع إسرائيل بهدوء بعيدًا عن شن غزو بري واسع النطاق لغزة.

 

ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، سوف يتضاءل تعطل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الذي حدث بسبب اندلاع القتال بين "حماس" وإسرائيل مقارنة بما سيحدث في حالة اندلاع حرب إقليمية.

 

وقد أصبحت إدارة احتمالات تصعيد الصراع بين "حماس" وإسرائيل هدفا دبلوماسيا أميركيا رئيسيا.‏


مشهد سياسي جديد‏


‏بغض النظر عن الطريقة التي يتكشف بها الوضع العسكري في غزة، فإن الحقيقة هي أن هناك في أعقاب 7 تشرين الأول (أكتوبر) مشهد سياسي جديد سيظهر في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.

 

قبل هجوم "حماس"، بدا الشرق الأوسط وكأنه يسير على الطريق نحو تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار الإقليمي، مدعوما من ناحية بالتقارب بوساطة صينية بين إيران والمملكة العربية السعودية، ومن ناحية أخرى باحتمالات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية برعاية الولايات المتحدة.

 

وكانت قضية فلسطين، بالقدر الذي أثيرت فيه أصلاً، قد أحيلت إلى العمل الدبلوماسي الكسول والمؤجل، مكبّلة بالقيود المفروضة بموجب "اتفاقات إبراهيم".

 

وقد سعت هذه الاتفاقيات إلى تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية في استقلال عن مسألة إقامة الدولة الفلسطينية.

 

وعلاوة على ذلك، كانت شروط إقامة الدولة الفلسطينية التي حددتها إسرائيل في الاتفاقات مقيدة إلى حد جعل أي دولة فلسطينية قد تنجم عنها غير قابلة للحياة سياسيا واقتصاديا.‏


اليوم، يسير الشرق الأوسط مترنحا نحو كارثة. ومما يثير انزعاج إسرائيل ومؤيديها، أن محنة الشعب الفلسطيني، وليس "إرهاب حماس"، هي التي احتلت مركز الصدارة بالنسبة للمجتمع العالمي.

 

وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان أمام مجلس الأمن، أن "الهجمات المروعة" التي تشنها حماس ضد إسرائيل "لا يمكن أن تبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني"، مشيرا إلى أنه "من المهم أيضا الاعتراف بأن هجمات ’حماس‘ لم تحدث من فراغ".‏


‏كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطاب ألقاه مؤخرا أمام المشرعين الأتراك، أن "حماس ليست منظمة إرهابية، إنها حركة تحرير، ’مجاهدون‘، يخوضون معركة لحماية أراضيهم وشعبهم".

 

وعلى عكس الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، لم تعتبر تركيا "حماس" في أي وقت منظمة إرهابية، وهي تستضيف بانتظام أعضاء الحركة على أراضيها.

 

لكن مثل هذا التأييد العلني لـ"حماس" بعد وقت قصير من 7 تشرين الأول (أكتوبر) يؤكد صعوبة الصعب الذي تجد إسرائيل نفسها فيه وهي تكافح للرد على اليوم الأكثر فتكا في تاريخها.‏


تحول تكتوني‏


يمكن العثور على أهم مؤشر على التحول التكتوني الذي حدث بعد هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، في تصريح صدر مؤخرا عن الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، الذي أعلن أن "الطريقة التي تخوض بها إسرائيل هذه المعركة ضد ’حماس‘ مهمة".

 

وقال أوباما إن أي إجراء إسرائيلي "يتجاهل التكاليف البشرية يمكن أن يأتي بنتائج عكسية في نهاية المطاف" في شكل تصلب المواقف الفلسطينية "لأجيال"، وتآكل الدعم العالمي لإسرائيل، وفي نهاية المطاف "خدمة أهداف أعداء إسرائيل" من خلال تقويض "الجهود طويلة الأمد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة".‏


لقد وضعت إسرائيل معيارا مستحيلا للصراع الحالي: القضاء التام على "حماس" كقوة عسكرية. ويمكن تصوير أي فشل في تحقيق هذا الهدف المعلن الذي يتم تكراره كثيرا على أنه انتصار لحركة "حماس" كمعطى (تنتصر "حماس" ببساطة بالتمكن من البقاء على قيد الحياة).

 

ولكن، لكي تحظى أي عملية سلام بعد الصراع بفرصة للنجاح، أولاً، يجب إشراك حماس -حيث تشكل المجموعة حقيقة سياسية لا يمكن تجاهلها- وثانيًا، يجب إعادة تصور قضية إقامة الدولة الفلسطينية بطريقة ترفض صيغة اتفاقيات إبراهيم، وتميل مرة أخرى إلى حل الدولتين المتوخى بموجب اتفاقات أوسلو.‏


‏مرة أخرى، سوف تلوِّن الدولة الفلسطينية تقريبًا كل قضية رئيسية في الشرق الأوسط في المستقبل. وكما تبدو حالة الأمور، فإن الممر الاقتصادي ‏‏المقترح‏‏ بين الهند والشرق الأوسط، الذي انبثق عن قمة "مجموعة العشرين" الأخيرة باعتباره محور السياسة الإقليمية للولايات المتحدة، قد مات فعليا وغرق في الماء.

 

وكذلك حال مفهوم تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

 

وفي حين أن الرياض لم تغلق الباب أمام مثل هذا الاحتمال، فقد أوضحت قيادتها أنه لا يمكن أن يكون هناك أي تحرك في هذا الاتجاه إلى أن يتم حل قضية الوطن الفلسطيني.‏

‏*سكوت ريتر Scott Ritter: ضابط مخابرات سابق في سلاح مشاة البحرية الأميركية، شملت خدمته على مدى أكثر من 20 عاما جولات في الخدمة في الاتحاد السوفياتي السابق لتنفيذ اتفاقيات الحد من الأسلحة، والخدمة في طاقم الجنرال الأميركي نورمان شوارزكوف خلال حرب الخليج، وعمل بعد ذلك كمفتش أسلحة رئيسي مع الأمم المتحدة في العراق من 1991-1998.


*نشر هذا المقال على موقع "‏ ‏‏مجموعة استخبارات الطاقة‏" تحت عنوان: The New

Dynamics of Mideast Geopolitics

 

 

اقرأ المزيد فثي ترجمات:

أميركا تتخلف بينما يحتضن الشرق الأوسط حقبة جيوسياسية جديدة