"رصيف" بايدن البحري في غزة إيماءة جوفاء‏

1711148433977833600
الرئيس الأميركي جو بايدن مع تشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، آذار (مارس) 2024 – (أرشيفية)‏

‏جوناثان كوك* - (مدونة جوناثان كوك) 10/3/2024
كان يمكن للرئيس الأميركي إدخال المساعدات إلى غزة بشكل أسرع بكثير، لو أنه أراد ذلك. لكن جدوله الزمني لمساعدة الفلسطينيين يمليه الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية.‏

*   *   *
في ما يلي بعض الملاحظات عن نية الرئيس الأميركي جو بايدن بناء "رصيف مؤقت" -أو ما يسميه مسؤولوه من باب التضخيم، "ميناء"- لإدخال المساعدات إلى غزة:‏

اضافة اعلان


‏رقم 1 - على الرغم من أن أحدًا لم يذكر ذلك، إلا أن بايدن ينتهك في الواقع الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ 17 عامًا بخطته لبناء رصيف بحري في القطاع. وفي الأساس، ليس لدى قطاع غزة ميناء بحري ولا مطار، لأن إسرائيل، التي تحتله، منعته منذ وقت طويل من امتلاك أي منهما.‏


‏حظرت إسرائيل أي شيء يدخل إلى غزة ولا يأتي عبر المعابر البرية التي تسيطر عليها. ومنعت أساطيل المساعدات الدولية -بشكل عنيف في كثير من الأحيان- من الوصول إلى غزة لجلب الأدوية.

 

كما صنع الحصار في غزة سوقًا أسيرة للبضائع الإسرائيلية ذات النوعية الرديئة، مثل الفواكه والخضراوات التالفة، وسمح لإسرائيل باقتطاع الأموال عند المعابر البرية التي كان ينبغي أن تذهب إلى الفلسطينيين في شكل رسوم وجمارك.‏


رقم 2 - سوف يتطلب الأمر أسابيع عدة حتى تنجز الولايات المتحدة بناء هذا الرصيف قبالة الشاطئ ويصبح جاهزًا وعاملًا. لماذا التأخير؟ لأن كل عاصمة غربية، بما فيها عاصمة الولايات المتحدة، دعمت الحصار المفروض على القطاع على مدى السنوات السبع عشرة الماضية.‏


‏وقد تسبب حصار غزة الطويل في تفشي سوء التغذية -المتدرج- بين أطفال القطاع، مقارنة بالمجاعة السريعة الحالية. ومن خلال مساعدة إسرائيل في إنزال عقاب جماعي بغزة طوال تلك السنوات، كانت الولايات المتحدة وأوروبا متواطئتين في انتهاك صارخ ودائم للقانون الدولي، حتى قبل الإبادة الجماعية الحالية.‏


‏بـ"رصيفه"، لن يستطيع بايدن أن يلغي هذا التواطؤ طويل الأمد في ارتكاب جريمة ضد الإنسانية. بل إنه شدد على أن رصيف الميناء الذي ينوي إنشاءه سيكون مؤقتًا. وبعبارة أخرى، سوف تعود الأمور إلى العمل في غزة كالمعتاد بعد ذلك: سيُسمح لأي أطفال ينجون من القتل في الحرب الجارية بالموت جوعًا -مرة أخرى بالحركة البطيئة؛ بمعدل لا يسجَّل في وسائل الإعلام المؤسسية، ولا يضغط على واشنطن لينظر إليها على أنها تفعل شيئًا.‏
‏رقم 3 - يستطيع بايدن إدخال المساعدات إلى غزة بشكل أسرع بكثير من بناء رصيف، إذا ما أراد ذلك.

 

يمكنه ببساطة أن يصر على أن تسمح إسرائيل لشاحنات المساعدات بالمرور عبر المعابر البرية، وتهديدها بعواقب وخيمة إذا لم تمتثل.

 

يمكن أن يهدد بحجب القنابل الأميركية التي يرسلها لقتل المزيد من الأطفال في غزة. أو أنه قد يهدد بقطع ما قيمته مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية التي ترسلها واشنطن إلى إسرائيل كل عام. وقد يهدد بالإحجام عن استخدام حق النقض (الفيتو) الأميركي لحماية إسرائيل من التداعيات الدبلوماسية في الأمم المتحدة. يمكنه فعل أي من ذلك وأكثر، لكنه اختار أن لا يفعل.‏


رقم 4 - حتى بعد أن يشتري بايدن لإسرائيل بضعة أسابيع أخرى لتجويع الفلسطينيين في غزة بشدة، بينما ننتظر اكتمال رصيفه المؤقت، قد لا يتغير شيء في الواقع العملي. سيظل بإمكان إسرائيل القيام بنفس عمليات التفتيش التي تقوم بها حاليا عند المعابر البرية، لكنها ستقوم بالتفتيش بدلاً من ذلك في لاناركا، قبرص، حيث سيتم تحميل المساعدات على متن السفن. وبعبارة أخرى، ستظل إسرائيل قادرة على خلق نفس عمليات التعطيل التي لا نهاية لها باستخدام "المخاوف الأمنية" كذريعة.‏


‏‏رقم 5 - لا يبدو أن بايدن يغير مساره -مؤقتًا- لأنه أصبح يهتم فجأة بالناس، أو حتى بالأطفال، في غزة. إنهم يعانون في سجنهم المفتوح في الهواء الطلق، بدرجات متفاوتة، منذ عقود. ولو أنه كان قد اهتم، لكان قد فعل شيئًا لإنهاء تلك المعاناة بعد أن أصبح رئيسًا. ولو أنه كان قد فعل شيئًا في ذلك الوقت، لما حدث هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) من الأساس، ولكان من الممكن إنقاذ كل تلك الأرواح التي فقدت على كلا الجانبين -والأرواح التي ما تزال تُزهق على الجانب الفلسطيني كل بضع دقائق.‏


لو أنه كان يهتم حقًا، لما ساعد إسرائيل في جهودها لتدمير (الأونروا)، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة الفلسطينيين وشريان الحياة الحيوي لغزة، من خلال تجميد تمويلها، بناء على ادعاءات إسرائيلية غير مثبتة ضد الوكالة.‏


‏كلا. إن بايدن لا يهتم بمعاناة الفلسطينيين، أو بحقيقة أنه بينما كان مشغولاً بتناول "الآيس كريم"، قُتل عشرات الآلاف من الأطفال أو شوهوا أو تيتموا -والباقي يموتون جوعًا. إنه يهتم باستطلاعات الرأي. وجدوله الزمني لمساعدة الفلسطينيين يحدده بدقة الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية الأميركية. إنه يحتاج لأن يبدو وكأنه منقذ غزة عندما يقرر الديمقراطيون لمن سيصوتون.‏


إنه يراهن، هو وحزبه الديمقراطي، على أن الناخبين أغبياء بما يكفي لتصديق هذه الكوميديا السوداء. 

‏*جوناثان كوك Jonathan Cook: صحفي بريطاني حائز على جوائز. كان مقيمًا في الناصرة، إسرائيل، لمدة 20 عامًا. عاد إلى المملكة المتحدة في العام 2021، وهو مؤلف لثلاثة كتب عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: "الدم والدين: كشف القناع عن الدولة اليهودية" (2006) Blood and Religion: The Unmasking of the Jewish State، "إسرائيل وصدام الحضارات: العراق وإيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط" (2008) Israel and the Clash of Civilisations: Iraq, Iran and the Plan to Remake the Middle East؛ و"اختفاء فلسطين: تجارب إسرائيل في اليأس البشري" (2008) Disappearing Palestine: Israel’s Experiments in Human Despair. ‏‏

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان:Biden’s Pier-for-Gaza Is Hollow Gesture

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

هل يغير لقاء بايدن وجين بينغ وجه العالم في غفلة منا؟