‏مع تركيز العالم على غزة، الصراع يختمر في الضفة الغربية

1699779379743194100
غارة إسرائيلية على جنين، الضفة الغربية المحتلة - (أرشيفية)

بول ر. بيلار*‏ - (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 1/11/2023
يبدو أن المستوطنين في الضفة الغربية أصبحوا الآن أكثر حرية من أي وقت مضى في ارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين، مما يزيد احتمالات اندلاع انتفاضة جديدة -وهو ما كان ممكنًا حتى قبل هجوم حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر).‏

*   *   *
‏مع تركيز العالم أنظاره، بشكل مفهوم، على المذبحة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، تحظى المظاهر العنيفة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل باهتمام أقل مما تحظى به عادة، وأقل مما تستحقه الآن.

اضافة اعلان

 

ووسط المخاوف من احتمال انتشار الحرب الحالية في غزة، بدأ هذا الانتشار بالفعل في الضفة الغربية، مع احتمال تحفيز المزيد من الانتشار أيضًا.‏


‏وقد ارتفعت الخسائر في صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، و‏‏قتل‏‏ هناك أكثر من 100 فلسطيني حتى تاريخه، من بينهم مدنيون.‏


وجات معظم الإصابات كجزء من العمليات العسكرية ‏‏المتسارعة‏‏ في الضفة الغربية، التي تنفذها قوات الجيش الإسرائيلي في شكل مداهمات واعتقالات جماعية وقمع عنيف للاحتجاجات.

 

وشمل الاستخدام الإسرائيلي المتزايد للقوة شن ‏‏غارة جوية‏‏ على مسجد في مخيم للاجئين في مدينة جنين -وهو أمر نادر الحدوث في الضفة الغربية، حيث يعتمد الإسرائيليون عادة على القوات البرية.‏


‏‏وجاء المزيد من العنف على أيدي المستوطنين الإسرائيليين -بعض من نحو 670.000 إسرائيلي يُعترف بإقامتهم في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية على نطاق واسع على أنها تشكل انتهاكًا للقانون الدولي.

 

وقد ‏‏سجل‏‏ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأسبوعين الأولين فقط من الأزمة الحالية 100 هجوم شنها المستوطنون الإسرائيليون على السكان الفلسطينيين.

 

وأشار مكتب الأمم المتحدة إلى أن هذا يمثل في المتوسط ما يقرب من ثمانية حوادث من هذا القبيل في اليوم، ارتفاعًا من المتوسط اليومي البالغ ثلاثة حوادث منذ بداية هذا العام.‏


‏للعلاقة بين هذا العنف الذي يمارسه المستوطنون والأحداث التي وقعت مؤخرًا في جنوب إسرائيل وقطاع غزة جانبان. الأول هو أن الغضب الإسرائيلي من هجوم "حماس"، وتحوُّل هذه المشاعر إلى كراهية عامة للعرب الفلسطينيين، جعلا من هذه اللحظة الراهنة موسمًا مفتوحًا للاعتداء على الفلسطينيين أكثر مما كان عليه الوضع من قبل.

 

والثاني هو أن تركيز اهتمام الصحافة والحكومات الأجنبية والعالم بشكل عام على غزة في الوقت الحالي يوفر فرصة للمستوطنين للقيام بأعمال عنيفة وغير قانونية في الضفة الغربية من دون لفت كثير من الانتباه.

 

وتشير ميراف زونزين، المحللة المقيمة في إسرائيل من "مجموعة الأزمات الدولية"، ‏‏إلى‏‏ أن الفرق بين الآن وما سبق هو أن عنف المستوطنين يحدث الآن "من دون أن يجذب أي اهتمام إعلامي تقريبًا".‏


تشكل هذه التطورات، استمرارًا في شكل مكثف لاتجاهات أطول أمدًا من المعاناة الجسدية والمادية المحسوسة لفلسطينيي الضفة الغربية.

 

وكان العديد من ما يقرب من 1.600 ‏‏قتيل‏‏ فلسطيني سقطوا على أيدي الإسرائيليين بين العام 2015 (أي منذ الهجوم الإسرائيلي الكبير الأخير على غزة في العام 2014) وآب (أغسطس) من هذا العام قد سقطوا في الضفة الغربية. وكان العنف قد تسارع في العام 2023 حتى قبل هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر).

 

وكان هذا العام في طريقه مُسبقًا إلى أن يكون العام الأكثر دموية بالنسبة لسكان الضفة الغربية منذ أن بدأت الأمم المتحدة في الاحتفاظ بمثل هذه السجلات في العام 2005.‏


‏من الواضح أن تصاعد العنف الإسرائيلي في الضفة الغربية مرتبط بوصول حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة إلى السلطة في بداية هذا العام.

 

وبعيدًا عن ضبط عنف المستوطنين أو تثبيطه، كان الرد الإسرائيلي الفعلي في كثير من الأحيان هو السماح به أو التغاضي عنه، مع وقوف جنود جيش الدفاع الإسرائيلي ليشاهدوا من الجوانب -أو حتى المشاركة في بعض أعمال العنف.

 

وقد وعد أحد أبرز المتطرفين الموجودين حاليًا في السلطة، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير -وهو نفسه مستوطن في الضفة الغربية- بتوزيع ما يصل إلى 10.000 بندقية مجانية على المواطنين الإسرائيليين، بمن فيهم مستوطنو الضفة الغربية.‏


‏كل هذا جزء من عملية طويلة الأمد يمارسها شعب، يعرِّف نفسه بالسمات العرقية والدينية، لإخضاع شعب آخر يعرِّفه بشكل مماثل، وتصميم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على إدامة التفوق اليهودي الإسرائيلي على جميع الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.

 

وكان جزء من معادلة القيام بذلك هو تطويق حوالي مليوني إنسان من السكان العرب في قطاع غزة والاعتماد على الحصار، وسياسة "‏‏جز العشب‏‏" بشكل دوري بالقوة العسكرية، مع توقفات قصيرة لتخفيف البؤس من حين لآخر، لمنع هؤلاء العرب من التدخل في تعطيل الطموحات الإسرائيلية. وبطبيعة الحال، حطم الهجوم الذي نفذته "حماس" بعض الافتراضات الكامنة وراء هذه الاستراتيجية.‏


‏أما الجزء الآخر من هذه الصيغة فيتمثل في التهجير التدريجي لفلسطينيي الضفة الغربية من أراضيهم. وعلى الرغم من أن الكثير من عنف المستوطنين يكشف عن كراهية متأصلة وتعصبًا أعمى، إلا أن الكثير منه هو جهد محسوب بعناية، يهدف إلى جعل حياة الجيران الفلسطينيين بائسة للغاية -أو غير قابلة للاستدامة الاقتصادية مطلقا، بالنظر إلى التكتيكات التي يستخدمها المستوطنون، مثل تخريب بساتين الزيتون أو ‏‏حرمان الفلسطينيين‏‏ من المياه والمراعي التي تحتاجها قطعان مواشيهم- بحيث يستسلم هؤلاء الجيران ويرحلون.

 

وقد شمل نشاط المستوطنين المتسارع المناهض للفلسطينيين في الآونة الأخيرة الكثير من هذا النوع من الترهيب. ‏‏

 

وذكرت‏‏ منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، في تقرير لها نُشر الشهر الماضي، أنه في الأسبوع الأخير من تشرين الأول (أكتوبر)، غادرت ثمانية مجتمعات سكانية بأكملها في الضفة الغربية، يبلغ عدد أفرادها 472 شخصًا، مناطقها خوفا على حياة أفرادها وسبل عيشها.‏


‏أثارت الحرب الحالية، المليئة بالأوامر الإسرائيلية للملايين من سكان غزة بإخلاء ما حوَّله الجيش الإسرائيلي إلى منطقة حرة لإطلاق النار، ‏‏مخاوف‏‏ في جميع أنحاء المنطقة من حدوث ‏‏نكبة‏‏ جديدة -جزء آخر من حرب أربعينيات القرن العشرين التي تسببت في النزوح الجماعي للسكان الفلسطينيين منذ فترة طويلة، والذي مهد لقيام ما أصبح دولة إسرائيل.

 

وقد اكتسبت هذه المخاوف مصداقية بعد تسريب ‏‏وثيقة‏‏ تخطيط حكومية إسرائيلية تدعو إلى نقل سكان قطاع غزة قسرًا إلى سيناء.

 

ولعل الشيء الوحيد الذي يمنع إسرائيل من محاولة تنفيذ مثل هذه الخطة هو أن لدى الحكومة المصرية العديد من الأسباب لرفض المشاركة في أي مخطط من هذا القبيل.‏


‏كان هذا المخطط يتعلق بغزة، لكن سكان الضفة الغربية ربما يكونون هم الأكثر خوفا من أي تهجير جماعي جديد أو تطهير عرقي.

 

فغزة هي سجن في الهواء الطلق، في حين أن الضفة الغربية، مع القدس الشرقية، هي الجائزة -الأرض التي يريدها المتشددون الإسرائيليون، ويريدونها لشعبهم فقط.‏


‏كانت الدينامية الأخرى التي جعلت الضفة الغربية تتحول بشكل متزايد إلى برميل بارود منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) هي الزيادة غير المفاجئة في منسوب مشاعر الغضب والاستياء بين الفلسطينيين الذين يعيشون هناك.

 

ويشكل الخوف من التعرض لنكبة‏‏ جديدة جزءا من هذه المشاعر. وتشكل الإصابات والخسائر الناجمة عن تزايد عنف المستوطنين واستخدام جيش الدفاع الإسرائيلي للقوة العسكرية الغاشمة جزءا آخر منه.

 

وكذلك المآسي التي يعيشها الفلسطينيون في الحياة اليومية، التي تأتي من حواجز الطرق وغيرها من العوائق التي توضع أمام الحركة، والتي زادها الجيش الإسرائيلي منذ هجوم "حماس".


‏كما يعود جزء كبير آخر منه أيضًا إلى الغضب من الموت والدمار اللذين يلحقهما الهجوم الإسرائيلي بالأشقاء الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة. ولا تتعلق هذه المسألة بـ"حماس" بقدر ما هي مسألة شعور بألم المواطنين وغضبهم العام من المعاناة الجماعية التي يختبرها الفلسطينيون هناك.‏


‏كانت فرصة اندلاع انتفاضة شعبية جديدة في الضفة الغربية كبيرة مُسبقا حتى قبل اندلاع الحرب الأخيرة، وأصبحت الآن أعلى فحسب.

 

وفي ظل الأجواء الحالية، من المرجح أن تكون انتفاضة جديدة تندلع في الضفة بمثل عنف الانتفاضة السابقة على الأقل. وسيمثل هذا في حد ذاته انتشارًا كبيرًا للحرب في غزة.

 

ومن خلال جعل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بأكمله أكبر بكثير، سوف تزداد فرصة المزيد من الانتشار، بما في ذلك جذب "حزب الله" اللبناني إلى الصراع.

*بول ر. بيلار Paul R. Pillar: زميل أقدم غير مقيم في "مركز الدراسات الأمنية" بجامعة جورج تاون، وزميل غير مقيم في "معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول". وهو أيضا زميل مشارك في "مركز جنيف للسياسة الأمنية".‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان:

With world's focus on Gaza, West Bank conflict brews

اقرأ المزيد في ترجمات