كيتلين جونستون* - (كونسورتيوم نيوز) 24/1/2024
الفرضية غير المعلنة التي تنطوي عليها الضربات الجوية الأميركية ضد الحوثيين هي أنه يجب السماح باستمرار الإبادة الجماعية النشطة التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.
* * *
شنت الولايات المتحدة، قبل أيام، موجتها الثامنة من الضربات الجوية حتى تاريخ كتابة هذه السطور في حربها الجديدة ضد القوات اليمنية، والتي أطلقت عليها الآن رسميا اسم "عملية بوسيدون آرتشر".
وتهدف الضربات إلى كسر الحصار الذي فرضته سلطات الأمر الواقع في اليمن في البحر الأحمر على الشحن إلى إسرائيل وحلفائها من أجل وقف هجوم الإبادة الجماعية في غزة.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد الضربة، أعلن النائب الأول للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، موقف إدارة بايدن الذي أصبح مألوفًا الآن عندما سئل عما إذا كانت الحرب على اليمن ستتصاعد لتشمل تدخل القوات الأميركية على الأرض.
قال باتيل: "أولاً، فيما يتعلق بالحوثيين، فإن الولايات المتحدة ليست معنية بأي تصعيد، لكن من غير المقبول أبدًا أن تستهدف الجهات الفاعلة الخبيثة السفن الدولية، وأن تستهدف التجارة المشروعة التي تتدفق عبر البحر الأحمر".
وأضاف: "إننا نتحدث عن المياه الدولية التي تسمح لنحو 30 في المائة من شحن الحاويات العالمي بالتدفق عبر تلك المياه -15 في المائة من التجارة المنقولة بحرًا.
هذا ممر مائي حيوي. وسوف نتخذ دائمًا الخطوات المناسبة لمحاسبة أولئك الذين يعرضون أشياء مثل التجارة المشروعة والمدنيين والموظفين الأميركيين للخطر".
منذ أن بدأت إدارة بايدن في قصف اليمن، كان مسؤولوها الرسميون يثرثرون حول التجارة وشحن الحاويات العالمي لتبرير هذا العمل.
والفرضية غير المعلنة وراء هذا التبرير هي أنه يجب السماح للإبادة الجماعية الجارية بنشاط في غزة بالاستمرار من دون أي تداعيات اقتصادية من أي نوع، سواء كان على إسرائيل أو على أي أحد آخر.
لقد اعتبر مديرو الإمبراطورية والمدافعون عنها بحكم المسلمات أن الأموال يجب أن تستمر في التدفق، وأن تروس آلة الرأسمالية يجب أن تستمر في الدوران بنفس المعدل الذي كانت تدور به قبل أن تبدأ إسرائيل في ذبح عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، إن لم يكن أسرع.
وينبغي ألا يكون للأهوال والفظائع مطلقة العنان في غزة أي تأثير مادي على بقية العالم على الإطلاق.
سوف تسمح لك الإمبراطورية بالتفكير في الأفكار والشعور بالمشاعر كما تريد تجاه المجزرة الجارية في غزة بهدوء في خصوصية رأسك.
وسوف تسمح لك أيضًا، في الظروف المناسبة، بالمشاركة في المظاهرات المؤيدة لفلسطين ومشاركة آرائك على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولكن، بمجرد أن يتعلق الأمر بالتدخل المادي في دوران تروس الآلة الإمبراطورية، فإنهم سيفجرون أحشاءك.
هذا، بطبيعة الحال، غريب ومستهجن. ينبغي أن تؤثر الفظائع التي تجري في غزة على العالم بأسره. لا ينبغي أن تسير حياتنا بشكل طبيعي بينما يستمر ما يجري، ومن الغريب والفاحش أنها تفعل.
إنها علامة واضحة على حضارة مريضة للغاية أن الكثيرين منا في الغرب قادرون على ترك أنفسهم تغرق في الترفيه الخامل والضحك وحشو الأفواه بالوجبات الخفيفة والخروج إلى المدينة بينما يستمر الكابوس في غزة في التكشُّف.
يجب أن تجعلنا غزة نتجمد في أماكننا. وينبغي أن نكون نحن أنفسنا الطرف الذي يعطل الاقتصاد بأنفسنا بحق الله -ولا ينبغي أن ننتظر اليمنيين الفقراء ليفعلوا ذلك نيابة عنا.
يجب أن نكون منشغلين بتنظيم إضرابات عامة، وأن نوقف السفن ونعطل كل ما يمكننا تعطيله من أجل إجبار الحضارة الغربية على النظر إلى ما تدعمه في غزة ووقف هذه الفظائع الجماعية. لكننا بدلاً من ذلك نسير نائمين في دروب الحياة كما نفعل دائمًا بينما يخوض الناس في أفقر دولة في الشرق الأوسط معركتنا بشجاعة من أجلنا.
لا يحق للإمبراطورية أن تتوقع أن تستمر جميع التجارة في التدفق بشكل طبيعي أثناء حدوث إبادة جماعية نشطة. ولا يحق لإسرائيل أن لا تترتب عليها أي عواقب عن أعمالها، ولا يحق لشركائها التجاريين ألا يتأثروا بتلك العواقب.
إن الفكرة القائلة إنه من الطبيعي والمناسب استخدام أي وكل التدابير الكفيلة بمنع الفظائع الإسرائيلية من أن يكون لها أي تأثير مادي على التجارة -بما في ذلك بدء حرب أميركية جديدة؟- هي فكرة مستهجنة بشكل بديهي وبطبيعتها نفسها.
كانت الأيام المائة الماضية مستنزِفة بشكل لا يصدق لأولئك منا الذين يتابعون الأحداث في غزة. كان ثمة أيام لم أصدق فيها أن الشمس تجرأت على السطوع. والفرضية القائلة إنه لا ينبغي أن يكون هناك انكماش اقتصادي طفيف نتيجة لهذا الجنون، وإنه لا بأس في بدء حرب للتأكد من عدم حدوث هذا الأثر، تستحق الرفض والازدراء.
إننا نعيش في عالم بائس، حيث من الطبيعي تمامًا تخريب المصالح البشرية من أجل المصالح التجارية، وإلقاء عشرات الآلاف من الأرواح في المحرقة من أجل تأمين الثروة والترف. حيث المستفيدون من الحرب يجمعون ويراكمون الثروات الهائلة من بيع أدوات القتل الجماعي لحكومات الإبادة الجماعية، وحيث تعلن أقوى إمبراطورية في التاريخ حربًا للدفاع عن حاويات الشحن على حساب الأرواح البشرية.
*كيتلين جونستون Caitlin Johnstone: صحفية أسترالية مستقلة ومدونة ومعلقة سياسية معروفة بتحليلها النقدي لوسائل الإعلام الرئيسية والسياسة الخارجية الأميركية. تكتب على موقعها الإلكتروني الخاص وتُنشر كتاباتها في وسائل الإعلام المختلفة. وتتشارك في كتابة أعمالها مع زوجها الأميركي، تيم فولي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Biden’s War on Yemen
اقرأ المزيد في ترجمات:
إيران تكسب من الغارات الجوية الأميركية على الحوثيين في اليمن