إنزالات سلاح الجو الملكي.. أياد إنسانية أردنية تلامس أوجاع غزة

1712404304638197800
جانب من الإنزالات الأردنية على غزة

ربما لم تكن من الطرق المعتادة التي قد يتخيلها المرء في حياته لمد يد العون للآخرين، من طائراتٍ تحلق في السماء. ولكن الحرب الدائرة على الأهل في قطاع غزة دفعت البلد الأقرب والشقيق الأردن إلى أن يكون من الدول السباقة في كسر قيود الحصار وتوفير ما يمكن من المساعدات عبر جسر جوي، بإشراف طائرات تابعة لسلاح الجو الملكي الأردني.

اضافة اعلان


"الغد" رافقت تنفيذ القوات المسلحة الأردنية، يوم الخميس، 10 إنزالات جوية لمساعدات إنسانية وغذائية على عدد من المواقع شمال القطاع، بمشاركة دول شقيقة وصديقة.


وتأتي هذه المساعدات ضمن حرص الأردن على مشاركة الأشقاء في غزة عيد الفطر السعيد، حيث احتوت صناديق الإنزال الجوي على ملابس العيد ومواد غذائية، في ظل استمرار القيود التي يفرضها الاحتلال على سكان القطاع، وفي الشمال على وجه التحديد.


"الجيش العربي الأردني" أتاح المجال للعديد من الصحفيين أن يكونوا، وعلى مراحل، ضمن المشاركين في الإنزالات الجوية، وفي تقديم جزء بسيط من المساعدات، في ظل منع الشاحنات من الدخول إلى شمال القطاع، الأمر الذي يُمكِن من نقل الصورة للعالم الخارجي لعمليات الإنزال.


تتلخص تلك الصورة، بالحديث عن أهمية استمرار الجسر الجوي الذي كسر قيود الخوف لدى الأهل في غزة، بعد أن بات العديدون من سكان الشمال والوسط، ينقلون عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل، الفرحة التي اعترت قلوبهم في بدايات الإنزال، وهم يناظرون طائرات أردنية قريبة منهم تقدم لهم ما يمكن تقديمه من عون، على الرغم من أنه لا يغطي الحاجة الكافية للسكان، إلا أنها كما يصف الغزيون "جعلتنا نشعر بأن هناك من يقف بجانبنا ويكسر قيد الاحتلال الذي عجز العالم عن فرض قوته الدولية في إيقاف حرب الإبادة في غزة".


المشاهد القادمة بعدسات المصورين والصحفيين تنقل بكل أسى مشاهد للدمار في القطاع، مدن ساحلية ومبانٍ لطالما تباهى سكانها بـ "إطلالتها البحرية" باتت ركاماً رمادياً يبعث على الخوف، ومساكن خاوية على عروشها، تحمل ثقلها على أجساد شهداء، لم يسعف الوقت والظروف الأهل الباقين على قيد الحياة لإكرامهم بالدفن.


اللون الرمادي هو السائد في أرض غزة، حتى البحر يقترب من أن يتحول كذلك إلى رمادي، لا يزوره الصيادون، ولا تُسمع على شواطئه ضحكات أطفال غزة في مثل هذا الوقت، باقتراب العيد، بات كل ما على الأرض باهتا "بلا لون"، بالوقت الذي تخاذلت فيه كثير من دول العالم ومؤسساتها الدولية والحقوقية التي ازدوجت فيها المعايير وشوهت الصورة الحقيقية لحقوق الإنسان بتغاضيها عن تنفيذ فرض العقوبات على المحتل كما يجب.


وعلى أرض الأردن، ومنذ بداية الحملات الجوية للإنزالات، والتي أطلقها الملك عبدالله الثاني وبحضوره شخصياً، لأولى الإنزالات، يحرص الجيش العربي على أن يكونوا على جاهزية تامة واحترافية عالية في العمل الدؤوب الذي يقومون به في عمل بطولي نابع من التعاضد بين الشعبين عبر عقود طويلة، والسعي المتواصل لإيصال المساعدات بكل الطرق المتاحة لأهالي غزة.


وكان جلالة الملك أكد في حديثه الأوضاع الخطيرة في غزة، مؤكدا أن الأردن يبذل أقصى جهوده لوقف الحرب على القطاع، ومستمر بإرسال المساعدات للأهل في غزة بكل الطرق الممكنة، برا وجوا.


وأعرب جلالته عن تقديره لشكر الأشقاء في غزة للأردن، على الرغم من أن المساعدات التي تصلهم حاليا محدودة بسبب ما يتعرض له القطاع، مؤكدا أن الأهم في هذا الجهد أن يلمس الأهل في غزة أن الأردن معهم ولن يدخر جهدا لمساعدتهم.


وفي معسكرات الغباوي وتحديداً في قاعدة الملك عبد الله الجوية الخميس الماضي، كان نشامى الجيش العربي يعملون لساعات في التحضير لعمليات الإنزال، وجوه أردنية تحمل في عيونها كل الحب الممزوج بالوجع لما يحدث في القطاع.

 

منذ ساعات ما قبل الإقلاع يستعدون وينظمون عملية الانزال الجوي لصناديق المساعدات، مغلفة بدعاء للأهل في قطاع غزة، بأن تزول الحرب وتعود الحياة للقطاع، واتباع كل السُبل لإيصال المساعدات العاجلة هناك.


بدون كلل ولا ملل يتقاسمون الأدوار في التنظيم والحرص على سلامة المرافقين، من طاقم وصحفيين، لتمر العملية بنجاح، وصولاً إلى العودة لأرض الوطن والعديد من المشاعر باتت معلقة فوق سماء غزة التي تعج بأرواح الشهداء الزكية، وسط أصوات القصف المتفاوتة.


الفريق المرافق للإنزال على أهبة الاستعداد يرقبون "حمولة الطائرة" حتى اللحظة الأخيرة لما قبل الإنزال"، ومن ثم التأكد من أن العملية تمت بسلام، وما أن يتم إغلاق بوابة الطائرة، حتى يبادرهم الجميع بـ "يعطيكم العافية على جهودكم العظيمة"، ليبدأ العمل من جديد يوما آخر لإرسال دفعات جديدة يرافقها دعوات متجددة للأهل في غزة بأن "تُفرج قريباً".


لم تكن رحلة عادية كالتي يتمناها المرء، وإنما رحلة فيها من الألم والحزن الكثير، لا تفارق مخيلة مرافقي الإنزالات، بآلام يرونها تتجدد كل يوم، في منطقة رمادية اللون فيها بقايا أدخنة تتصاعد وأصوات تخترق حاجز الصمت.


وتؤكد القوات المسلحة الأردنية أنها مستمرة بإرسال المساعدات الإنسانية والطبية عبر جسر جوي من مطار ماركا باتجاه مطار العريش الدولي أو من خلال عمليات الإنزال الجوي على غزة أو قوافل المساعدات البرية، لمساعدة الأهل في القطاع على تجاوز الأوضاع الصعبة خلال شهر رمضان المبارك، وتجسيداً لروح التعاون والتعاضد بين أبناء الشعبين الشقيقين.


وارتفع عدد الإنزالات الجوية التي نفذتها القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، وحتى يوم الخميس الماضي، إلى 71 إنزالاً جوياً أردنياً، و147 إنزالاً جوياً بالتعاون مع دول شقيقة وصديقة، كان الأردن قدوتها في هذه الخطوة لتغطية حاجة عائلات تبحث عن قوت أطفالها يوماً بيوم، إلى أن يشاء الله، وتزول تلك الغمة عن سماء غزة، وأرضها وبحرها.


كانت تجربة المشاركة بعمليات الإنزال الجوي لمساعدة العائلات في قطاع غزة تجربة مؤثرة وموجعة للغاية، فيها مشاعر صعبة ومختلطة، من حزن عميق على حجم الدمار الذي لحق بالمكان، إلى شعور بالمسؤولية تجاه مساعدة الأهالي هناك.


حجم المعاناة في غزة يتعاظم من نقص في الغذاء والدواء، إلى فقدان الأحباء والمنازل، وهو ما يؤكد أهمية التضامن الإنساني، وأخذ خطوات فعلية لإيقاف هذه الحرب الإسرائيلية الشرسة والتي أخذت في طريقها كل شيء. عدد الشهداء منذ بدء الحرب ارتفع إلى 33 ألفا و91 شهيدا، و75 ألفا و750 مصابا، وفق مكتب الإعلام الحكومي في غزة.


الأردن، لم يتوان يوماً عن مدّ يد العون والمساعدة، ليؤكد أن الإنسانية تتجاوز كل الحدود في أوقات الشدة.