السرطان وكورونا لم يمنعا سمارة من بث الروح في بذور مشروعها الزراعي

نداء سمارة - (من المصدر)
نداء سمارة - (من المصدر)

تغريد السعايدة

عمان- حينما تنظر للأشتال الصغيرة بألوانها الخضراء وأوراقها التي تبعث على الفرح، تشعر أن جسدها الممتلئ بالخلايا السرطانية، والأمراض التي تغزوها من كل مكان، "أفضل حالا". ربما لأنها حينما ترى النباتات تكبر أمام عينيها، تشعر أن الأمل في الحياة ما يزال حاضرا، رغم كل المتاعب والمشقات.

اضافة اعلان


حروب شرسة خاضتها نداء سمارة مع أمراض لم تشف منها بعد، وقلق يلازمها في سبيل توفير مقومات الحياة لأسرتها المنهكة من العوز. بتصميمها، تمكنت من أن تكون "رائدة" في مجال عملها، بالنباتات وزراعة الأشتال، وهي أم لخمسة أبناء.


كان قلبها يتألم قبل جسدها، إذ إن انشغال ابنها في العمل وانسحابه من حياته المدرسية، ووقوعه في براثن عمالة الأطفال، أمور دفعته للعمل لمساعدة ذويه على توفير احتياجات الأسرة.


تتحدث سمارة لـ"الغد" عن تفاصيل حالتها مرضية، وكيف انتزعت فيها الحياة من "فم الموت"، كما تصف؛ حيث يعاني زوجها كذلك ظروفا مادية صعبة نوعاً ما، لم تساعده على التصدي لمتطلبات الأسرة، لذلك عملت في مجال بيع النباتات الصغيرة وزراعة البذور بطرق مختلفة لتوفير كميات مناسبة من الأشتال، وذلك في منطقة الرصيفة.


ابنها قصي ذو الخمسة عشر عاماً، كان رفيقها في العمل، وأثر ذلك على حياته الدراسية كونه يضطر إلى الجلوس على بسطة أو التجول في الشارع، وبيع الأشتال لمساعدة والدته على التسويق.


هذا الحال جعل الأم تفكر في سحب طفلها من سوق عمالة الأطفال، خاصة بعدما ألقت جائحة كورونا بظلالها السلبية على الوضع العام للأسرة، والإصابة "الشرسة" بفيروس كورونا، وهنا تتحدث بحسرة عن موت جميع النباتات في مشتلها، لتشعر وكأنها فقدت عزيزا على قلبها بعد أشهر من العمل والعناية حتى تنمو البذور وتصبح أشتالا ومن ثم مصدر رزق لديها.


ومن هنا، بدأت سمارة البحث عن مصدر عمل جديد لها، ولكن لا يخرج عن نطاق العمل الزراعي الذي تعشقه منذ سنوات وتجد نفسها بأجواء ترفع من معنوياتها وتحسن المزاج في ظل معاناتها أمراضا في القلب، عدا عن السرطان الذي اخترق أكثر من مكان في جسدها، لتضطر لإجراء عمليات جراحية، والعلاج الكيميائي.


ولكن مع كل ذلك، ما تزال سمارة تستمد من البذور والأشتال حينما تدب فيها الحياة؛ التفاؤل والأمل، وأن الله عز وجل سيشفيها من أمراضها، عدا عن الشعور بالهدوء والتصالح مع الطبيعة، كل ذلك أسهم بأن يكون علاجا نفسيا لها.


"من عشرين دينارا بدأ مشروعي"، هكذا تقول، إلى أن أصبح مصدر رزق لها ولعائلتها، مبينة أن المرض لن يمنعها بالبحث عن فرص لتطوير مشروعها بتنقيب الأرض بجانب بيتها وتهيئتها للزراعة.


وترى سمارة أن الحياة مليئة بالفرص و"لا يجب أن يكون المرض جدارا يمنع استمرارنا، وإنما يجب أن يكون دافعا لدعم عائلاتنا وأبنائنا وعدم تركهم لسوق عمالة الأطفال الخطير".


ورغم كل ذلك، كان تصميمها على توفير سبيل الراحة للأسرة والتفات الأبناء للدراسة، خاصة وأن قصي ما يزال صغيراً على العمل والأولى تواجده على مقاعد الدراسة ليبني مستقبلا أفضل له ولعائلته، كونه طالبا متفوقا ويحتاج إلى الدعم المعنوي للاهتمام بدراسته.


وجرى التواصل مع جمعية "رواد الخير" الخيرية التي تتبنى مشروع "الحد من عمالة الأطفال" في مختلف مناطق المملكة من خلال مساعدة الأهل على إنشاء مشاريع خاصة بهم ودعمهم في سبيل إخلاء سبيل الأبناء من براثن عمالة الأطفال التي تستنزف طاقاتهم والالتفات إلى الدراسة فقط.


لذلك، ترى سمارة أن الأمل عاد لها من جديد بعد أن قامت الجمعية بدعمها لتكوين مشروعها الخاص، واختارت أن يكون في مجال الزراعة والأشتال، وبيعها في المجتمع المحلي، وبدأت من جديد في ابتكار طرق تكاثر النباتات والأشتال، وتوفير مكان خاص في بيتها للزراعة، بعد أن مرت بالعديد من المراحل التي طورت من إمكانياتها وعززت خبرتها في مجال الزراعة والتسويق.


ما يُفرح قلب سمارة أنها استطاعت حماية أبنائها من سوق عمالة الأطفال، عبر عملها في الزراعة، وبناء أحلامهم وطموحاتهم من جديد، وتنصح كل عائلة بأن تكون إلى جانب الأبناء، فمكانهم الصحيح على مقاعدهم الدراسية.


وتبين أن تجربة عمالة الأطفال تتسبب بحدوث شرخ في الأسرة بعد أن ينفصل الصغار عن حياتهم الطبيعية وينخرطوا في سوق العمل الخطير مهما كانت بساطته.


وقامت جمعية "رواد الخير" الخيرية، كما يبين عبد الرحمن شعلان، بتوفير الدعم المادي لبداية المشروع، ولكن ذلك كان بعد أن حصلت سمارة، كما باقي السيدات المستفيدات من الجمعية، على التدريب لزيادة قدراتهن في العمل الإنتاجي، والتعرف على أفضل الطرق للتسويق، وتوفير دراسة جدوى للمشروع من خلال الخبراء في الجمعية، والتدريب على كيفية احتساب الأرباح والتسويق، والتحفيز حتى يكون لهذه السيدة علامة تجارية خاصة بها، وتنافس في سوق العمل.


وعلى الرغم من بساطة المشروع، إلا أن شعلان يؤكد أهمية هذه الخطوات التي تحصل عليها السيدات المشاركات، ليتم بعد ذلك متابعة المشروع معهن وتطويره وتوفير كل ما يلزم لهن من دعم معنوي ولوجستي، من خلال زيارات دورية للمشروع، ومعالجة أي مشاكل تحدث معهن. ولكن كل ذلك يجب أن يتوج بشرط إخراج الابن من سوق عمالة الأطفال وإلزامه بمتابعة دراسته من دون أن يحتاج إلى الوقوف على "بسطة عمل، أو الخروج لممارسة الأعمال والمهن الخطرة".