"العالم الافتراضي" حدود جغرافية تتلاشى أمام قضايا شائكة

تغريد السعايدة

عمان- عبر منصات التواصل الاجتماعي لا يتوقف ضخ وتدفق المعلومات ونشر فيديوهات وصور تحاكي واقع الأحداث العالمية والإقليمية لحظة بلحظة؛ إذ يسارع الأفراد بنشرها أولا بأول، في صورة تجسد غياب الحدود الجغرافية في فضاء الواقع الافتراضي.اضافة اعلان
الأحداث المتتابعة الأخيرة في مختلف دول العالم، وآخرها أحداث ومظاهرات لبنان، تظهر مدى التفاعل الكبير الذي أبداه الأردنيون، من خلال ما ينشرونه عبر صفحاتهم، والتعليقات التي تتبع ذلك، وردود الأفعال سلبية كانت أو إيجابية، وربما ساخرة تعبر عن الوضع الراهن، وكأنها أصبحت بديلاً عن وسائل الإعلام الرسمية التي عادة ما تحتفظ بحق نشر المعلومة كما “تراها هي”، على حد تعبير إياد جرار.
جرار، وهو موظف قطاع عام، وله حسابات عدة على “فيسبوك” و”تويتر” وغيرهما من المنصات الاجتماعية، يرى أنه يقع في “فخ التفاعل” سواء كان سلبيا أو إيجابيا، وذلك عبر تدفق المعلومات لديه من أصدقائه و”مشاركة” الروابط الإخبارية التي تحمل كما كبيرا من الأخبار والصور والفيديوهات الحية، التي يقوم ببثها أشخاص متواجدون في أماكن الحدث.
هذه الواقعية في مقاطع البث المباشر، أسهمت في جذب المشاهدين الذين يقومون بالمقابل بإعادة نشر كل ما يصل إليهم؛ حيث يرى جرار أنه يشعر بالفعل وكأنه حاضر في قلب الحدث، وهذا يجعله يتفاعل من الأحداث وهو “جالس على كرسيه في البيت”، كما يصف، ما يُكرس فكرة “ذوبان الحدود الجغرافية مع الدول والذي يعززه التطور التكنولوجي المتسارع”.
وكذلك الحال لدى خلود سلام، وهي معلمة، وتتحدث عن تجربتها في التفاعل مع الكثير من القضايا التي تحدث سواء داخل أو خارج الأردن؛ حيث أسهم وجودها في الفضاء الإلكتروني من خلال منصاتها الخاصة، بأن تكون جزءا من أي حدث يقع في العالم، لا يمنعها من الحصول على المعلومة أي فرد أو مؤسسة، وهو يعني أنها شخص فاعل في تلقي المعلومة والتفاعل معها بما تراه يتناسب مع آرائها وتوجهاتها.
خلود كانت قد عبرت عن رأيها بالكثير من الأحداث التي تقع في المنطقة، وعالمياً، فهي تجد في مواقع التوصل الاجتماعي ملاذها للبحث عن المعلومة الحقيقية والصورة التي ترغب برؤيتها، بعيداً عن “مقصات الإعلام الرسمي”، في أي دولة كانت، وذلك لقيام أشخاص بسيطين متواجدين في موقع الحدث ببث مباشر يمكن من خلاله لمس الواقع وصوت الشارع الذي يتحدث بلغة الناس.
أخصائي علم الاجتماع الدكتور سري ناصر، يعتقد أن العالم لم يعد فقط قرية صغيرة، بل أضيق من ذلك، الأحداث تقتحم البيوت ويشعر الفرد كأنه يحيا في مجتمعات متفاوتة عدة، بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي لم تعد لدى الحكومات في العالم قدرة على “كبح جماحها”، خصوصا مع الكم الكبير من المعلومات التي ترد لحظة بلحظة، وهو ما أدى إلى ظهور تفاعل كبير ما بين المواطنين في الأردن مع أحداث عربية ودولية بشكل واضح.
ويضيف سري ناصر “لم تعد الأسرة هي المنشأ الوحيد للفرد بل المجتمع بأكمله هو ما يسهم في تربية الأبناء”، مشيراً إلى الدور الكبير للعالم الافتراضي في تنشئة الطفل وتغيير تفكيره وتفاعله مع الآخرين والأحداث، ولا ينتظر أن يأخذ إذناً من أهل أو مجتمع قريب، بل يبني رأيه بناءً على ما يشاهده عبر “منصاته الإلكترونية”.
هذا الواقع الافتراضي الواسع “الفضفاض” أسهم في وجود حالة من الانسياق خلف ما يُبث عبر منصات التواصل سواء أكانت تلك الأحداث والوقائع صحيحة أو غير ذلك، وأمست وسيلة لتشكيل الرأي العام، وهو ما يؤكده خبير أمن المعلومات والجرائم الإلكترونية الدكتور عمران سالم، الذي يبين أن المجتمع لم يعد قادراً على درء ضخ المعلومات المتواصل مهما كان مصدرها أو دقتها.
وقال سالم لـ”الغد”: “إن اختلاف الثقافات في العالم لا يُلغي وجود تواصل وترابط بين الشعوب؛ إذ أمسى العالم بلا حدود فعلياً، لا يوجد ما يمنع من التعرف على كل ما يحدث في أي دولة والخوض في الأحداث ونشر معلومات وأخبار كثيرة؛ حيث كان العالم في السابق تفصله الحدود الجغرافية الدولية ويتم إيصال المعلومات عن طريق التلفاز أو الصحف، وأغلبها رسمية ومتحدثة باسم الحكومات”.
غير أن التطور التكنولوجي السريع والعالم الافتراضي الذي يضم غالبية سكان العالم من خلال حسابات خاصة، سهل الولوج إليها؛ جعلا من التفاعل في القضايا عالميا وليس محليا فقط، وسهولة وصول المعلومة هي السبب في ذلك، كما أن الحماية من تأثير تلك الأحداث وردود الفعل فيها، لم تعد ممكنة، بل تعتمد على ثقافة وتربية الشخص في أن يختار ما يتناسب مع واقعه ومجتمعه من تبادل للمعلومات وإعادة بثها.
وأكد سالم أن النشر والتفاعل في التعليقات يعدان ظاهرة “عالمية”، لا تقتصر على الأردن أو العالم العربي، كما يشير إلى أن مختصين وخبراء تكنولوجيا يؤكدون أن التفاعل مع الأحداث بطريقة “ساخرة” أحيانا، كما هو الآن، هو وسيلة وفلسفة مدروسة للتخفيف من الضغط النفسي الذي تعانيه الشعوب في ظل أحداث متتالية من حروب وثورات.
ولمدى انتشار “الإشاعة” والانسياق خلفها في العالم الافتراضي، يؤكد سالم أن الإشاعة علم مدروس يتم فيها بث الرسالة على اختلافها من قِبل أشخاص يتعمدون ذلك لوضع صورة لدى مواقع التواصل الاجتماعي لها تأثير كبير على الناس، وعدم التأثير وحماية الأفراد ينبعان من التربية والتعليم والثقافة المجتمعية التي من شأنها أن تحمي المجتمع من عواقب الفوضى “الإلكترونية” التي لم يعد هناك سبيل لتأطيرها.
وينوه ناصر إلى أن العالم أمسى “يبيع” سلعا وأفكارا وثقافات وحضارات وأحداثا تؤثر في الآخرين، فلا حدود جغرافية ولا مواقع رسمية تستطيع أن تمنع التفاعل الكبير مع الأحداث العالمية على منصات التواصل، سواء سلبيا أو إيجابيا وبمختلف الجوانب السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الأردن، كبلد صغير وفقير إلى حد كبير، بحسب ناصر، فإن تأثير السياسات الخارجية والأحداث له وقع كبير على مجتمعنا ويلفت انتباه الناس إلى قصص لم تكن معروفة ودارجة، مما أسهم في منظومة متفاوتة من الآراء.