صاحب قول "مهو ما حدش يعملها غير الأردنية" يؤكد لـ"الغد": الحرب سرقت أعمارنا!

كريم.. شاب غزي يطارد حلمه بدراسة الطب وسط ضجيج القصف

الشاب الغزي "كريم أو كويك" في صورة له قبيل الحرب بوقت قصير . وصورة أخرى يجلس بين ركام ودمار البيوت في غزة أثناء الحرب- (من المصدر)
الشاب الغزي "كريم أبو كويك" في صورة له قبيل الحرب بوقت قصير . وصورة أخرى يجلس بين ركام ودمار البيوت في غزة أثناء الحرب- (من المصدر)

من قلب شمال غزة المنكوبة بالحرب منذ ما يزيد على 143 يوما، ينبعث صوت شاب يافع يصرخ بأمل الحياة، وروح تُقاوم ظلمة الحرب الاسرائيلية الدموية والشرسة.

اضافة اعلان


بين أصوات النيران والقصف والقتل والتدمير، يمشي الشاب الغزي "كريم أبو كويك" بين بيوت دمرت عن بكرة أبيها، وأصوات القصف حوله لم تفارق التسجيلات الصوتية الخاصة التي كان يرسلها أولا بأول ليجيب على أسئلة "الغد" في مقابلة خاصة.


في صوته تُسمع آماله وأحلامه البسيطة من وسط الدمار، وكله أمل أن ينجو ومن حوله علّه يحقق مستقبلا أفضل، فيه بعض من الأمان الذي افتقدوه عمرا، ويكون طبيبا جراحا ينقذ أبناء وطنه.


لا يتوقف كريم عن بث تفاصيل حياته يومياً ضمن محيطه الذي نهشته الحرب وبات ركاماً يدفن أحلام الكثيرين ممن تأثرت حياتهم بعد السابع من أكتوبر وشن الحرب الوحشية على القطاع، بيد أن كريم لا يرى نفسه حتى في وسط الركام، إلا "طبيباً عظيماً يتغنى باسمه العالم أجمع".


لا حدود لطموحات وأحلام كريم (19 عاماً)، ومن المفترض انه طالب جامعي يدرس تخصص الطب وأنهى السنة الأولى في جامعة الأزهر، بعد ان وضع نصب عينيه ألا تكون حياته عابرة، وإنما أن يصنع بصمته في كل مكان يتواجد فيه. منذ طفولته تم اختياره وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، ليكون مشاركاً ومتحدثاً في مؤتمر بمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك نيابة عن طلاب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في عدة دول.


كان كريم آنذاك متحدثاً لبقاً مقتدراً على ان يوصل رسالته والتي كانت في ذلك الوقت تحت عنوان "إعطاء الأمل للاجئين الفلسطينيين والتمويل المستدام للتعليم في مدارس الأونروا" حيث كان الخطر يهدد الواقع التعليمي في مدارس الأونروا، بيد أن كريم استطاع حينها المساهمة بجمع المساعدات المالية بما يخدم قطاع التعلم في غزة.


هذه الذكريات الجميلة لا تفارق مخيلة كريم، وهو الآن يصارع الحياة ليكون كما يريد، ويقول في حديثه لـ"الغد" وبصوتٍ ما يزال مفعما بالحيوية والحياة، ووسط أصوات "الزنانة" التي لا يعلم مدى صعوبتها إلا الغزيون، عبر عن سعادته بالرسائل التي يتلقاها منذ أيام عدة من المتابعين عبر حسابه على تطبيق الإنستغرام، وتمنحه الكثير من القوة وبخاصة تلك التي وصلته من الأردن بعد بثه لمقطع يوثق الإنزال الأردني للمساعدات الانسانية في قطاع غزة وعبارته التي باتت مصدر فخر للأردنيين حين قال كريم "مهو محدش يعملها غير الأردنية"، معبرا عن فخره بالإنزال الجوي الذي حمل مساعدات غذائية وطبية للسكان بعد فرض الحصار عليهم من قِبل قوات الاحتلال ومنع دخول المساعدات.

 

يصف كريم نفسه بالقول انه "شخص طموح منذ الصغر قوي دائما في تعبيره عن رأيه شغوفاً بإلقاء الشعر ووالداه منحاه الاهتمام الكافي منذ الصغر، ويسعيان إلى أن يكون الأفضل"، كما أنه كان ومنذ نعومة أظافره يدافع عن أطفال فلسطين في كل مكان، سواء داخل وخارج البلاد، سورية، لبنان، الأردن، عدا عن اختياره بأن يكون رئيساً للبرلمان الطلابي في مدارس الأونروا، في تلك الدول، وسفيرا لأطفال فلسطين في الأمم المتحدة، والذي من خلاله تمكن من إلقاء خطاب في الأمم المتحدة، لإيمانه بأهمية مستقبل التعليم في مدارس وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين.


كريم كان في السابق، كما يقول، ناشطا من خلال ما يقوم ببثه من محتوى، ويطور من نفسه باستمرار، وكان قد لُقب صاحب أفضل قصة نجاح في منصة تيديكس (TEDX)، وأصغر مشارك بها قبل أربعة أعوام.


حساب كريم على الإنستغرام مليء بالقصص والصور التي يمكن ان نلمس فيها التغيير الذي طال حياته منذ سنوات ولغاية الآن، حين يقلب المتابع منشوراته التي غابت عنها الألوان، فكان في صور له يرتدي "المعطف الأبيض في سنته الأولى في الطب.. إلى أن باتت صوره الآن من بين الركام والدمار والنهار الطويل الذي ما يلبث أن ينتهي بالبحث عن الطعام حتى يعود يحمل معه أوجاعاً جديدة.


في أحد مقاطع الفيديو التي نشرها، يقول فيها إن عمره قبل الحرب كان تسعة عشر عاماً، ولكنه الآن يراه 119 عاماً وإن العمر لا يقاس بالسنين وإنما بالتجارب والتحديات وبما يحدث في حياتك، وهذه الحرب "سرقة أعمارنا".


المحطة الأهم في حياته كانت بتحقيق حلمه، فمرحلة الثانوية العامة وحصوله على معدل 99.1، كانت محفوفة بالتعب والجهد والسهر للوصول إلى الهدف والطموح الذي ما يزال ينتظر نهاية النفق المضيء للمضي قدماً في تحقيقه، "حلمت ان أكون طبيبا يخدم في وطنه فلسطين، والعالم العربي والدولي"، ويتمنى كريم ان يكون أحد أعلام العالم في تخصصه وعمله المستقبلي كطبيب.


ووفق كريم، فإن دخول كلية الطب، ليس سهلا بسبب ارتفاع تكلفة الدراسة، من رسوم جامعية ومستلزمات أخرى يحتاجها كل طالب في كل مكان، فالظروف الاقتصادية بشكل عام كانت "صعبة على الناس حتى فترة ما قبل الحرب الأخيرة"، على حد تعبيره.


في لحظة تتبدل نبرة صوت كريم، حينما قال "فجأة خلدت إلى النوم في 6 أكتوبر وأنا أدرس جزءًا من مقرر جامعي ونمت على أمل أن أكمل دراسته في اليوم التالي، السابع من أكتوبر، ولكن كانت بداية الحرب على غزة في ذلك اليوم، وحتى هذه اللحظة لم أكمل دراسة الصفحات المعدودة التي كنت بدأتها ودُمر كل شيء حولنا، حياتنا، أحلامنا، والكثير من التفاصيل".


والد كريم كان رجلاً مقتدراً إلى حد ما، ولكن الحرب جعلت من شركته رمادًا بعد نار، لم تعد موجودة وأُقفل بعدها باب الرزق العائلي الذي كان مصدر قوت الأسرة، "وعاد بنا الحال إلى الصفر"، كما يصف كريم الحال الآن.


ولكن، ما تزال الحرب مستمرة ونارها مشتعلة، لا ترحم البشر والشجر والحجر، كل مكان وكل بقعة معرضة للتدمير، لا يوجد حصانة من آلة الحرب، في ظل صمت دولي امام المطالبات بوقف العدوان الاسرائيلي الغاشم والذي طال النساء والشباب والأطفال، الأحلام، البيوت، الطموحات.


ويصف كريم نفسه في ظل هذه الحرب الدموية، "أتذكر نفسي عندما كنت ما قبل الحرب أستيقظ كل صباح وألتقط لنفسي صورة وأنا أبتسم وأوزع البسمة والأمل على الطلاب ليكونوا على موعد مع أحلامهم ولدفعهم للجد والاجتهاد".


لكن اليوم ومنذ الحرب الدائرة يستيقظ يومياً للبحث عن الطعام والماء والغاز، يقول "تغيرت أحلامنا كلياً.. ولكني ما أزال أمتلك الأمل، وسأحاول وسط تلك الآلام التي مرت بي أن أصبح طبيباً عظيماً كما أرى نفسي".


وينهي كريم حديثه بأمنيات أن يحمي الله الشعب الغزي وتتوقف آلة الحرب البشعة، وتبقى المعنويات قوية وصامدة وتتحقق أحلام باتت شبه مستحيلة، مبينا أن أهل غزة قادرون على الصمود، وسوف تعود غزة كما كانت وأفضل "فغزة لا تنجب إلا شموخاً وشباباً يتطلعون للبناء والحرية والازدهار على أرضهم الطاهرة".