محمد يتحدى "داون" ويثبت جدارته في سوق العمل

ربى الرياحي

عمان - لم يكن يعلم الشاب محمد قعدان (20 عاما) أن الحياة ستكون مختلفة ومتناقضة؛ الضعف والقوة، الحزن والفرح، القسوة والحنان. هو، ورغم كل المخاوف المحيطة به من كل اتجاه، صمم على أن يكون قويا شجاعا يستقي من الألم الإرادة والإصرار ويبحث فيها عن كل ما يسعده ويزيد من ثقته بنفسه.

اضافة اعلان


محمد، كونه واحدا من كثيرين مصابين بمتلازمة داون، يحتاج للتقبل والدعم والأمان، وأيضا يحتاج لقلوب تؤمن به، تحبه وتمنحه القوة والثقة والأمل. تلك القلوب بإمكانها أن تقويه على الأيام وتشعره بوجوده وأن من حقه أن يحظى كغيره حياة كريمة آمنة يستطيع من خلالها أن يصل إلى الاستقرار النفسي والمادي.


وهذا تماما ما تمكن محمد من تحقيقه اليوم بعد دخوله سوق العمل، وتحديه لكل النظرات المستهينة والعقول الرافضة لفكرة تشغيل فئة ذوي الإعاقة. حصوله على وظيفة تناسبه، يعني أن التجربة التي خاضها كفيلة بأن تهزم كل المعتقدات الخاطئة التي يتخذها البعض.


تقول والدة محمد، فدوى قعدان، إن قدوم ابنها للحياة لم يكن عاديا، بل جاء بعد انتظار دام خمس سنوات، لذلك كان الخبر صادما بالنسبة لها، فهي لم تكن تسمع بمتلازمة داون أصلا أو حتى تعرف عنها شيئا، هذا كله حتما زاد الأمر صعوبة في البداية، فالحمل كبير يتطلب الكثير من الجهد والتعب.

وتلفت إلى أن خوفها الأكبر عليه كان بسبب المجتمع آنذاك والذي لم يكن يولي هذه الفئة أي اهتمام. هم كأسرة تؤمن بالقضاء والقدر، لم يكن أمامهم خيار سوى أن يسلموا بالأمر الواقع وإعطاء الابن كل الاهتمام والتشجيع والتحفيز، ليصبح مميزا وقويا قادرا على تدبير شؤون حياته والتأقلم مع كل الظروف الصعبة.


كان الحل هو البحث عن طرق مناسبة لتعليم محمد أهم المهارات اليومية التي يحتاج إليها. وتبين الأم أن الذكاء الكبير الذي يتمتع به ابنها هو ما ساعدها على تأهيله وتقويته نفسيا وصقله بالمهارات التي تضفي على شخصيته القوة والثقة والقدرة على التحدي.


إحساسها بابنها وتمكنها من فهم نفسيته وقربها الشديد منه، أسباب منحتها كأم الصبر والتحمل وأعانتها على أن تغرس فيه كل المزايا الإيجابية، خاصة بعد أن أصبح ابنها شابا، واستطاعت تكوين علاقة صداقة متينة بينهما.

وعن مرحلة الدراسة، تشير الأم إلى أن محمد تلقى تدريبا خاصا اقتصر على البيت في سنوات عمره الأولى، ومن ثم انتقل إلى مراكز خاصة تعنى بالأشخاص من متلازمة داون، وفيها اكتسب معلومات جديدة، فتعلم العلوم واللغة العربية، وتميز كثيرا في مادة الرياضيات لكونه كان يحبها.


إلى ذلك، تدرب على النجارة والخرز وغيرها من الحرف الأخرى التي شغلت وقته وأبعدته عن قلق الفراغ والوحدة. يملك محمد الذكاء والإرادة والإصرار، عرف كيف يكون مستقلا يهتم بنفسه وبشتى أموره الخاصة من ترتيب ونظافة وتنقل، فاستطاع أن يبرهن على قوة تحمله للمسؤولية والاعتماد فعليا على قدراته، فبقدر الحب والاهتمام والثقة التي منحت له كإنسان كان التميز والنجاح.


جرب واختبر كل جديد، فتمكن بذلك من أن يكون شخصا اجتماعيا يكن الحب لمن حوله وقادرا على نشر الفرح في كل مكان يذهب إليه، هو أيضا أراد أن يثبت نفسه في سوق العمل، ويصبح نموذجا لكل من يؤمن بالحياة وبأن الأحلام قابلة للتحقيق ما دمنا نريد ذلك.


ووفق قول الأم، فأكثر ما يزعج محمد هو التجاهل سواء كان ذلك بالنظرة أو الكلام أو الشعور، فهو قادر على كشف من يحبه حقيقة ويهتم به، ومن يشفق لحاله وينظر إليه بطريقة غير لائقة، مبينة أن دعم المحيط لابنها جعل منه إنسانا مختلفا.

لدى محمد ثقافة وقدرة على التكلم في مواضيع كثيرة تهمه ويسعد بالحديث عنها. دخوله لسوق العمل من خلال جمعية سنا هو تأكيد أنه لا يوجد مكان للمستحيل إذا توافرت الإرادة وهيئت الأسباب، إذ حصل على وظيفة في أحد المقاهي، ما غيره للأفضل وزاد من ثقته بنفسه، كما حفزه على أن يعلي سقف أحلامه ويبدأ بالتخطيط لمستقبله.


شعوره بالتقبل في مكان عمله من قبل مديره وزملائه، جعله محبا للجميع قريبا منهم ينتمي إليهم ويبادلهم الاحترام والوفاء.

اهتمام جمعية "سنا" وحرصها على دعم هذه الفئة هو جهد يستحق الشكر، كما تقول الأم، إذ أن عملهم كجمعية لا يقتصر على تقوية الأبناء ورعايتهم فحسب، بل أيضا اهتمامهم ذلك يشمل الأهالي ويمدهم بكل الخبرات ليستطيعوا مساعدة أبنائهم.


وتبين أنها في السابق عندما كان محمد صغيرا حاصرتها مخاوف كثيرة. قلقها عليه في الدرجة الأولى كان بسبب جهل المجتمع بهذه الفئة. لكن اليوم وبعد انتشار الوعي، وتسليط الضوء على نماذج ناجحة، أصبح الأمر مختلفا تماما.

ونصيحتها للأهل قبل كل شيء؛ "احتضنوا أبناءكم بالحب، اهتموا بهم، أمسكوا بأيديهم جيدا، ساعدوهم على النهوض بعد كل تعثر، صوبوا أخطاءهم وأعينوهم على الحياة، عاملوهم بإنصاف.. فهؤلاء الأبناء قادرون على التميز والعطاء والنجاح إن وجدوا التشجيع ومن يؤمن بقدراتهم".