"طوفان الأقصى" يرفع معدلات الهجرة العكسية للإسرائيليين

صواريخ في سماء إسرائيل
صواريخ في سماء إسرائيل
عواصم - لم يكن اجتياح المقاومة الفلسطينية في السابع من الشهر الحالي لغلاف غزة ومستوطناتها على امتداد 45 كيلومترا ومشاهد الهلع والفرار الجماعي للمستوطنين وعجز الجيش الإسرائيلي مجرد معركة عسكرية رابحة فقط، فمفاعيل تلك المعركة تشير إلى تآكل بنية وجود إسرائيل من خلال هروب الإسرائيليين الكثيف إلى الخارج تحت وطأة المشاكل الداخلية العويصة أيضا ونبوءات متوارثة ومخيفة عن زوال قريب.اضافة اعلان
"لقد هربنا إلى قبرص مباشرة بعد انطلاق صفارة الإنذار الأولى، أخبرني حدسي أن هذه لم تكن مجرد جولة أخرى، وكانت أعصابي متوترة لمدة 10 أشهر بسبب هذا البلد الذي جن جنونه علينا" هذا ما جاء في شهادة أحد الفارين في تحقيق لصحيفة هآرتس بعنوان "قاتل حماس أو اهرب".
لم يتعود الإسرائيليون على "النزوح" كان هذا مصطلحا لصيقا بالفلسطينيين والعرب في الأماكن التي تطالها الاعتداءات الإسرائيلية، وبعد طوفان الأقصى بات الإسرائيليون ينزحون أيضا.
وكانت مشاهد الازدحام غير المسبوق في مطار تل أبيب الذي تعطل بعد قصف المقاومة في ذلك اليوم والمطارات الأخرى أكبر من أن تفسر بسياقات السفر العادية، فمعظم من يخرجون باتوا لا يعودون، ويضرب كل ذلك عمق العقيدة الصهيونية التي تقوم على عنصر الإحلال والاستقرار وتشجيع الهجرة المكثفة إلى فلسطين.
وتشير ظاهرة الهجرة العكسية المتزايدة إلى انكسار أسباب الاستقرار المبنية على الأمن، فبالنسبة للكثيرين لم تعد إسرائيل دولة آمنة ولا يتوفر فيها عنصر الاستقرار الأمن ومبررات البقاء والمستقبل الذي ينشدونه مع التآكل المتسارع لنظريتها الأمنية، وذلك تبعا لما يلي:
– لم تعد المواجهات العسكرية محدودة، بل أصبحت ضربات المقاومة تستهدف كل إسرائيل وبشكل موجع.
– أصبحت المواجهات متواترة، والخسائر الإسرائيلية في ارتفاع تدريجي.
– عدد القتلى والجرحى في ازدياد متواصل، ولم يعد أحد بمنأى عن ذلك.
– لم تعد القوة العسكرية أو الاستخباراتية الإسرائيلية قادرة على تجنيب الإسرائيليين الموت.
– فقد الجيش الإسرائيلي قدرة الردع، وظهرت حقيقة ضعفه.
– قتلت إسرائيل آفاق السلام الذي كان مشجعا للبعض على البقاء أو القدوم.
– زيادة قوة "الحزام المعادي لإسرائيل"، حيث أصبح يشكل تهديدا وجوديا لها.
– تفاقم المشاكل الداخلية الإسرائيلية سياسيا وانعكاسها على الوضع الاقتصادي والأمني.
– سيطرة اليمين على مفاصل السلطة واعتماد سياسة عنصرية متطرفة مثلا عنصرا طاردا.
-أدت الأوضاع الداخلية والخارجية إلى زيادة منسوب التشاؤم والإحباط لدى الإسرائيليين.
ولا يعد رحيل المهاجرين اليهود من إسرائيل ظاهرة جديدة، ولكنها أصبحت لافتة في السنوات الأخيرة وتعرف باسم "يورديم"، وهو مصطلح عبري يستخدم لوصف اليهود الذين يغادرون إسرائيل.
وتشير الإحصائيات إلى أنه بين عامي 1948 و1950 غادر 10 % من المهاجرين اليهود الدولة الناشئة حديثا آنذاك، وحتى عام 1967 هاجر أكثر من 180 ألف إسرائيلي رغم الإجراءات التي سعت إلى الحد من الهجرة العكسية.
وحسب بيانات وزارة الهجرة واستيعاب القادمين الجدد الإسرائيلية والوكالة اليهودية، فقد انخفضت وتيرة الهجرة إلى فلسطين بشكل حاد في النصف الأول من عام 2022، وتراجعت نسبة استقدام اليهود بنحو 20 % من أميركا وأوروبا، وإذا كانت سنة 2022 قد شهدت زيادة في معدل قدوم اليهود الأوكرانيين والروس فإن ذلك يعود إلى ظروف تتعلق بالحرب هناك.
وأشار استطلاع للرأي إلى أن 33 % من سكان إسرائيل يفكرون فعليا بالهجرة والانتقال للعيش في أوروبا وأميركا بسبب حكومة نتنياهو المتطرفة وسياساتها التي لا تحظى بالدعم الشعبي، وبما أن نصف سكان إسرائيل تقريبا ما زالوا يحملون عمليا جوازات سفر بلدانهم الأصلية (الأشكناز) فإنهم جاهزون لاستخدامها في حال اقتضى الأمر الهرب.
ونشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الإسرائيلي يشير إلى أن عدد اليهود الذين غادروا إسرائيل عام 2015 -أي بعد معركة العصف المأكول- بلغ 16 ألفا و700 شخص عاد منهم 8500 فقط.
كما ذكرت تقديرات إحصائية إسرائيلية أن نحو 800 ألف مستوطن ممن يحملون جوازات سفر إسرائيلية يقيمون بصورة دائمة تقريبا في دول عدة ولا يرغبون بالعودة إلى إسرائيل.
وفي أعقاب انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وتشكيل الحكومة التي وصفت بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل وضمت عتاة المتطرفين مثل بتسلئيل سموتريتش (حزب الصهيونية الدينية) وإيتمار بن غفير (حزب القوة اليهودية) ارتفع عدد الإسرائيليين الذين يسعون للحصول على الجنسيات الأوروبية بشكل ملحوظ.
وأشارت تقارير إلى ارتفاع الإقبال على نيل الجنسية الفرنسية بنسبة 13 %، وسجلت السلطات البرتغالية زيادة بنسبة 68 % في طلبات الحصول على الجنسية من الإسرائيليين، كما سجلت السلطات البولندية والألمانية زيادة بنسبة 10 % في نفس الطلبات خلال الشهرين الماضيين.
وبحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية، فإنه حتى عام 2020 غادر أكثر من 756 ألف يهودي إسرائيل للعيش في بلدان أخرى، ويعود ذلك إلى تدهور الوضع الاقتصادي وعدم المساواة والإحباط بسبب تعثر مسار السلام، بالإضافة إلى تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية.
وتؤمن أغلبية القيادات الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي بلعنة عقد الثمانين، حيث تشير الروايات الإسرائيلية إلى أن أغلبية ممالك بني إسرائيل بعد النبي سليمان عليه السلام انهارت خلال العقد الثامن، فيما سيحل هذا العقد الثامن سنة 2027، أي أن عمر إسرائيل لن يدوم أكثر من 80 عاما وسيكون قبل 14 أيار (مايو) 2028، إذ تأسست إسرائيل يوم أيار (مايو) 1948.
ويشير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك نفسه إلى ذلك بقوله في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت "على مر التاريخ اليهودي لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن، ويتوجب استخلاص العبر من التشرذم والانقسام اللذين عصفا بممالك اليهود السابقة، والتي بدأت بالاندثار على أعتاب العقد الثامن".
ويشير الباحث الفلسطيني جورج كرزم في كتابه "الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين" الصادر عام 2018 إلى أن "أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين قد أعلنوا في ظروف سلمية أنهم يفكرون بترك إسرائيل، وأن نحو 70 % من الإسرائيليين يتوجهون للحصول على جنسية أخرى أو فكروا في ذلك".
أما في ظروف الحرب (مثل الحرب الحالية) أو في ظروف مواجهة طويلة الأمد مع إسرائيل وفقدان أسباب البقاء فإن هذا العدد سيتضاعف، وفي حال نفّذ نصف العدد المذكور فكرتهم في الهجرة العكسية فإن إسرائيل ستفقد عمليا ربع سكانها على الأقل، مما يعني تآكل إسرائيل وتفوق عدد السكان العرب تدريجيا بفعل الزيادة السكانية المرتفعة لديهم.
وقد نجحت عملية "طوفان الأقصى" كما كل الحروب السابقة في كشف عوامل القصور والضعف في بنية إسرائيل بتهشيم الواجهة الهشة التي كانت تعتمد عليها.-(وكالات)