غياب المعلومة الشفافة يجعل الفضاء الإلكتروني بديلا

باحثون: الواقع الصحفي في الأردن في انهيار مستمر

جانب من ورشة حول الحريات العامة في الأردن أمس-(من المصدر)
جانب من ورشة حول الحريات العامة في الأردن أمس-(من المصدر)

اعتبر باحثون ومختصون أن الواقع الصحفي في الأردن "في انهيار مستمر"، مؤكدين أنه في ظل غياب المعلومة الصحيحة والشفافة يصبح الفضاء الإلكتروني بديلا بما يتضمنه ذلك من فوضى ومعلومات مضللة.

اضافة اعلان


جاء ذلك خلال ورشة حوارية نظمها مركز مؤشر الأداء "كفاءة"، تحت عنوان "الحريات العامة في الأردن.. القياس والتداخل والتأثير"، في عمان أمس.


ودعا بعض المشاركين في الحوارية إلى إلقاء الضوء على معادلة تحقيق التوازن بين تقديم المعلومة المسؤولة، وبين حرية الكلمة والتعبير، معبرين عن تخوفهم من "الوصول إلى حالة الفوضى تحت مسمى الحرية الإعلامية، فتملأ حينها الإشاعة والمعلومة المضللة فراغ الإعلام".


وفي هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لمركز مؤشر الأداء، معاذ مبيضين، إن مؤشر الحريات العامة، هو محاولة رصد وتحليل موضوعي لمجالات التقدم في بناء دولة المؤسسات والقانون، وتعظيم مكانة الدولة، وتعزيز مكانة المؤسسات الدستورية، ومحاولة إصلاح مختلف جوانب الخلل والعطب الذي يصيب الحريات.


وأوضح مبيضين "أن ميزة الأردن وقيادته، تكمن في القدرة على إبقاء هذا البلد ديناميكا وحيا وفاعلا ومؤثرا، في ظل الظروف والأحوال والمعطيات الدولية والإقليمية، التي تتطلب من الجميع اعتبار الحريات قوة وقيمة ونقطة حضور عالمية، في بيئة محيطة ملتهبة ومخاطر منظورة متعددة".


وأكد أن مؤشر الحريات دراسة تحليلية وإحصائية ومعلوماتية للواقع، وكيف يمكن تصويب المسار الديمقراطي، وكيف يمكن أن نجعل من نموذجنا حالة تحظى وتكتسب احترام العديد من دول المجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته الحقوقية.


وبين "أننا نؤمن بأن من الواجب الوطني، العمل على تعظيم مكانة الدولة الأردنية، والدفاع عنها وعن مواطنيها"، مشددا على "خصوصيتنا في القيادة والحكم، والعمل على تسويق منتجنا السياسي والقيادي لدول العالم".


وتابع أن ذلك لا يتم، دون رصد وتحليل وإشارة وتركيز وتأكيد على مؤشرات التقدم والتنمية السياسية في بلادنا، والدفاع عن هذه الحريات، الأمر الذي يعني دفاعا عن وطن ودولة ومجتمع ومواطنين.


كما أكد مبيضين أن الأردن كان وما يزال وسيبقى معقلا للحريات، وللتنوع والاختلاف، والقدرة على التفاعل والاتصال والاستيعاب، والقدرة على تطبيق الأنظمة والقوانين الراشدة والعقلانية، التي تعبر عن رقينا الحضاري والإنساني وتطور تجربتنا السياسية.


وشدد على أن مؤشر الحريات العامة، هو تأكيد على المشاركة السياسية الفاعلة من كل الأردنيين، ومن الشباب خصوصا، وتأكيدا لهم بأن هذا الوطن وجد ليبقى، وأن لهم الحق فيه، والتعبير عن رأيهم في قضاياه الوطنية.


واشتملت "الحوارية" على ثلاث جلسات عمل، الأولى بعنوان "أسس الحرية العامة.. حرية التعبير، حرية الدين والمعتقد، حرية التنقل"، أدارها أستاذ القانون في جامعة عمان العربية، الدكتور سلطان العطين.


وقال مدير إدارة الحقوق المدنية والسياسية في المركز الوطني لحقوق الإنسان، الدكتور سيف الجنيدي، إن المركز يرى بأن حرية التعبير، حق، ويعد الركيزة الأساسية لبناء أي مجتمع ديمقراطي حقيقي قائم على ضمانات المشاركة العامة في القرارات التي تهم الأفراد.


وأضاف أن ضمان ممارسة حرية التعبير يدعم الاستقرار والأمن، ويعزز التعددية ويدعم حيوية المجتمع وفاعليته.
وأشار الجنيدي إلى تأكيد "حقوق الإنسان" على ضرورة وجود تشريع خاص ينظم الفضاء الرقمي، يواكب الجرائم المستحدثة، شريطة خضوعه للمعايير الدستورية والحقوقية بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان.


أما بخصوص قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، قال الجنيدي إن تقارير المركز أوصت بضرورة الدفع قدما نحو تطوير هذا القانون، بما يكفل تمكين المواطنين من ممارسة هذا الحق، الذي يعتبر المدخل الأساسي لممارسة حرية التعبير.


من جهته، قال المدير السابق لهيئة الإعلام، المحامي محمد قطيشات، إن الحريات، أكانت حرية الرأي والتعبير أم حرية الصحافة، مكفولة ضمن حدود القانون.


وأضاف أن الحريات بأنواعها المختلفة لها ثلاثة أركان، أولها: يتمثل بضرورة توفير منابر ومؤسسات، يستطيع من خلالها المواطن التعبير عن رأيه وآرائه.
أما الركن الثاني، فيتمحور حول توفير مصدر آمن للمعلومات، في حين يتضمن الركن الثالث عدم التوسع في دائرة التجريم والعقاب، حسب قطيشات.


وأشار قطيشات إلى أن هناك مقيمين من مراكز الدراسات والأبحاث يضعون المعايير والضمانات الدولية ضمن "مسطرة" لوحدها، إلا أنهم يغفلون عن التطبيقات على أرض الواقع، فيما يضع آخرون سياسات أو ممارسات فردية في مصاف الممارسات الجماعية أو اعتبارها ظاهرة.  


أما الجلسة الثانية، التي أدارها مدير دائرة الدراسات والأبحاث بـ"مؤشر الأداء"، الأستاذ معاذ دهيسات، فكانت تحت عنوان "ركائز الديمقراطية.. الصحافة وحرية الإعلام، حقوق المرأة، حرية التجمع وتكوين الجمعيات".


وخلال هذه الجلسة، قدم الباحث والكاتب مالك عثامنة، مدير مركز مشورة للدراسات، ورقة عمل بعنوان "ما هي العلاقة بين الصحافة والديمقراطية؟"، قائلا "إن الصحافة تضمن استمرار الديمقراطية، وتراقبها بكل التفاصيل، لكنها ليست مراقبة مطلقة منفلتة أيضا، وإلا انتهكت الصحافة وباسم الحرية، حريات الآخرين أنفسهم".


وأضاف عثامنة: "لذا وجدت القوانين، والقوانين تحتاج مجتمعات ديمقراطية، والأخيرة مجتمعات متعددة وتعددية، لكنها تملك الوعي الجمعي الكافي لفهم أسس الديمقراطية، وقبل ذلك استيعاب مفاهيم أساسية لمعنى الدولة والمواطنة والحقوق والواجبات، وهذا يتطلب أنظمة تعليم لا هدف لها إلا التوعية والمعرفة".


وأوضح عثامنة أن "الواقع الصحفي في الأردن، منهار، لا بل في انهيار مستمر"، مشيرا إلى "أن المنظومة الإعلامية تعكس "فوضى الحواس" في الدولة نفسها، والدولة هنا ليست الحكومة ولا النظام، بل هي الكيان الشامل الذي يجمع الجميع".
ودعا إلى إلقاء الضوء على معادلة تحقيق التوازن بين تقديم المعلومة المسؤولة، وبين حرية الكلمة والتعبير، ثم الوصول إلى حالة الفوضى تحت مسمى الحرية الإعلامية، فتصبح الإشاعة والمعلومة المضللة تملأ فراغ الإعلام.


وتابع عثامنة: "عندما لا توجد المعلومة الشفافة الواضحة، نصل إلى حالة الفوضى في فضاء إلكتروني شاسع وواسع تم فيه نحت مفهوم "المواطن الصحفي"، وهو مفهوم خطير".


وعرج إلى الصحافة الأسبوعية، خلال الأعوام الماضية، والتي "كانت بين الجيد والمقبول والرديء، وتتفاوت مستوياتها حسب نوعية صحفييها، إلى أن بدأت تعاني من تفريخ مستمر، حتى أصبحت توظف من لا مهنة له، ولا احتراف"، بحسبه.


وقال: "اليوم، ربما يمكن تأريخ الحالة المعاصرة والراهنة ببداية ظهور المواقع الإلكترونية، وهو فضاء افتراضي شاسع جدا، خارج إدراك الكل".


وأشار إلى "فوضى الحواس"، الذي تتركه وسائل التواصل الاجتماعي التي حدت من انتشار المواقع الصحفية نفسها، مضيفا: "صار لدينا فراغ إعلامي، ومساحة كبيرة يملأها التضليل والإشاعات".


وبين عثامنة أن "هذه تنقسم إلى قسمين: الأول ساذج قد يمارسه متبطح على وسادة، والثاني منهجية استهداف مدروسة وممولة، تقودها دول تستهدف الأردن في محيط إقليمي متصارع وساخن أصلا. ذلك المتبطح طبعا حاضر في كل الحالات والظروف والمواسم".


وأكد أن "الحل يكمن في الشفافية والمعلومة الكاملة المتماسكة الواثقة التي تعكس حكومات وسلطات واثقة".
وزاد: "في كل هذا الركام والتراكم، اختفت المهنية، وفنون الصحافة، وبالتالي وجود أطنان من الكلمات بلا معنى، وديباجات في المديح أو الهجاء، مع كثير من الاستعراضات البلاغية".


من ناحيتها، تحدثت مدير ومؤسس مركز وعي، المحامية تغريد الدغمي، عن المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، قائلة إن الأردن أدخل تشريعات وإستراتيجيات فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي منذ العام 2010، والأردن من أوائل دول المنطقة بهذا الشأن، مشيدة بالتشريعات الأردنية التي من شأنها تمكين المرأة. 


بدوره، قال عضو المكتب السياسي لحزب الائتلاف الوطني، المحامي حسام الخصاونة، إن مؤسسات المجتمع المدني تعتبر رافدة للحكومات والمجالس التشريعية، مؤكدا ضرورة وجود تشاركية بينها وبين المجالس التشريعية.


في حين تمحورت الجلسة الثالثة حول "الحرية الاقتصادية وسيادة القانون واستقلال القضاء"، وأدارها الرئيس التنفيذي للمركز معاذ مبيضين. 


وفي الجلسة، قال المحكم الدولي وأستاذ القانون التجاري، الدكتور عمر الجازي، في ورقة نقاشیة بعنوان "الحریة الاقتصادیة في الأردن -  محور سیادة القانون"، إن مفھوم النمو الاقتصادي للدول يرتبط ارتباطا وثيقا بالحریة الاقتصادیة.


وأضاف الجازي: "ارتبط النمو الاقتصادي للدول بالحریة الاقتصادیة، التي تصب في نھایة المطاف في المصلحة العامة، إذ بات واضحا أن مواطني الاقتصادات الأكثر حریة یتمتعون بمستویات معیشیة أفضل مما ھو عليه الأمر في الاقتصادات الأقل حریة".


وأوضح أن مؤشر الحریات الاقتصادیة يقوم على قیاس مدى قدرة الأفراد والشركات على العمل بحریة وفق اقتصادیات السوق دون تدخل حكومي أو قیود مفرطة وإعطائھا درجة حسب الإنجاز المتحقق في مؤشراتھا تتراوح من 0 - 100 درجة.


وتابع أن مفھوم الحریة الاقتصادیة يعمل كإطار حیوي لتقییم مدى حریة الأفراد والشركات في اتخاذ القرارات الاقتصادیة ودخول الأسواق من خلال توفیر تسھیلات حكومیة تسمح للقطاع الخاص بدخول الأسواق بكل یسر في كل دولة في شتى أنحاء العالم.


كما تؤدي الحریة الاقتصادیة إلى ترسیخ الاقتصاد الحر، ودعم تكافؤ الفرص وخلق فرص العمل ومحاربة أشكال العوز والبطالة وتعزیز النمو الاقتصادي، وفق الجازي.


وبين أن مؤشر الحریة الاقتصادیة، يتضمن أربعة محاور رئیسة، ھي: سیادة القانون، حجم الحكومة، الكفاءة التنظیمیة، انفتاح السوق.


من ناحيته، أكد عضو مجلس غرفة صناعة عمان، الكاتب موسى الساكت، أهمية تحسين سيادة القانون، لما يعود بالنفع على جذب مزيد من الاستثمارات.


وشدد على ضرورة تحسين مؤشر حرية العامل، التي تعتبر "متدنية"، فضلا عن أن المشاركة الاقتصادية للمرأة لم تتجاوز 14 بالمائة، وهذه نسبة جدا متدنية.


وأشار الساكت إلى التشوه الضريبي، موضحا أن الإيراد الضريبي المتأتي من ضريبة الدخل أكثر بكثير من ذلك المتأتي من ضريبة المبيعات، وهذا "يشكل عبئا إضافيا جديدا على الإنتاج".


وأكد أهمية توحيد حوافز للاستثمار، سواء أكان محليا أم أجنبيا، مشيرا إلى ضروة تحديد المعايير والمفاهيم الخاصة بهذه الحوافز.


من جهته، قال نائب رئيس محكمة التمييز سابقا، الدكتور محمد الطراونة، إن القضاء الناجز، الفعال، النزيه، العادل، هو أحد أهم عوامل جذب الاستثمار، مضيفا أن تقدم الدول يقاس بمدى احترامها للقوانين، واستقلال القضاء، وكذلك الحريات.


من جانبه، قال مدير السياسات والدراسات في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، محمود شعلان، إن قوة القانون وتطبيقه يعتبر "حماية للاستثمار، وعامل جذب مهم له".


وتطرق إلى ترتيب الأردن على مؤشرات الحقوق الأساسية، والأمن، والعدالة المدنية، والعدالة الجنائية، وضبط الجريمة، إضافة إلى اللوائح التنظيمية.


يذكر أن مركز مؤشر الأداء هو مركز مستقل يعنى بقياس الأداء للخطط والبرامج الإستراتيجية، وتأسس العام 2019، ومقره عمان.

 

اقرأ المزيد : 

المواطن الصحفي.. هل أصبح بديلا لمصادر الأخبار بفضاء “العالم الافتراضي”؟