"حقوق الإنسان".. أولوية أردنية وركيزة أساسية في بناء الدولة

مبنى المركز الوطني لحقوق الإنسان-(أرشيفية)
مبنى المركز الوطني لحقوق الإنسان-(أرشيفية)
- كان الأردن، وما يزال، سباقًا في جعل حقوق الإنسان ركيزة من ركائز الدولة منذ نشأتها، وتجلّى ذلك في أول دستور وضع للدولة، والذي جعل حرية التعبير حقًا أساسيا من حقوق المواطن.اضافة اعلان
ونبع ذلك من توجهات القيادة الهاشمية، بدءا بالملك المؤسس، وصولا إلى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني الذي عمل على توطيد الحريات العامة منذ تسلمه سلطاته الدستورية.
ولتحقيق رؤية جلالته في هذا المجال، أوعز في العام 2000 بتشكيل لجنة ملكية تعمل على تعزيز حالة حقوق الإنسان في الأردن، ومن ثم تبعها تأسيس المركز الوطني لحقوق الإنسان العام 2002، بموجب القانون المؤقت رقم (75) لسنة 2002، الذي أصبح قانوناً دائماً يحمل الرقم 51 لسنة 2006 وتعديلاته، ليعمل كمؤسسةٍ وطنيّةٍ مستقلةٍ على تحقيق الرؤية الملكية لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة في الأردن وتعزيزها بالاستناد إلى رسالة الإسلام السّمحة وما تضمّنه التراث العربيّ والإسلاميّ من قِيم، وما نص عليه الدستور من حقوق، وما أكّدته العهود والمواثيق الدوليّة من مبادئ. 
وحصل المركز على التصنيف (أ) لمدة ثلاث مرات متتالية على مستوى المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وهذا يؤكد امتثاله الكامل لمبادئ باريس لسنة 1993 من حيث: الاختصاصات والمسؤوليات، والتشكيل وضمانات الاستقلال والتعددية، وطرق العمل، وهي المعايير المُعتمدة من قبل الأمم المتّحدة للمؤسسات الوطنيّة لحقوق الإنسان.
ويُعتبر المركز الآلية الوطنيّة المُستقلة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، ويمارس اختصاصه في هذا الإطار من خلال الرصد اليوميّ لحالة حقوق الإنسان، من خلال تنفيذ زيارات معلنة وغير معلنة إلى مراكز الإصلاح والتأهيل، ومراكز التوقيف المؤقت، ودور رعاية الأحداث، وجميع الأماكن الخاصّة التي يبلّغ بوقوع انتهاكاتٍ فيها لحقوق الإنسان.
وتتجسّد خلاصة عمل المركز في تشخيص واقع حقوق الإنسان بإصدار التقرير السنويّ لحالة حقوق الإنسان، الذي يعتبر استحقاقاً قانونيّاً بموجب المادة (12) من قانون المركز. 
وأصدر المركز منذ تأسيسه تسعة عشر تقريراً سنوياً لحالة حقوق الإنسان في الأردن، ويُعد التقرير السنوي الصادر عنه وثيقة وطنيّة مرجعّية تُشخص حالة حقوق الإنسان وفق منهج رصدي واقعيّ محايد مرتكز على أسس ومعايير تستند إلى الدستور الأردني والمعايير الدولية الناظمة للحقوق الواردة في التقرير. 
وتتمثل محتويات التقرير في متابعة مدى التطورات والتحديات في المنظومة القانونية الوطنيّة لقياس مدى مواءمة التشريعات الوطنية مع الدستور الأردني والمعايير الدولية التي التزمت بها المملكة.
وبالتزامن مع دخول المملكة مئويتها الثانية، قدّم المركز توصياتٍ أطلق عليها التوصيات التأسيسيّة، تأكيدا منه بأن البيئة مواتية وقابلة للنهوض بواقع حقوق الإنسان، من خلال توفّر إرادة سياسيّة عُليا داعمة ومؤمنة بمبادئ حقوق الإنسان، باعتبار أنّ حقوق الإنسان في الأردن من المبادئ التأسيسيّة للمملكة منذ القانون الأساسي للعام 1928.
وجاءت التوصيات التأسيسية في نطاق السياسات، بإعادة تموضع حقوق الإنسان في السياسات الوطنيّة باعتبارها ضرورةً لازمةً لتعزيز النهج الديمقراطيّ في الدولة، وتكريس مبدأ سيادة القانون، وركيزةً للأمن واستقرار المجتمع، وتعزيز الشرعية السياسية، وفي الإطار التشريعيّ بمأسسة نظام وطنيّ فاعل من أجل التشريع؛ يهدف إلى تحقيق الشّراكة بين التشريع والمجتمع.
ومن المحطات المهمّة في مسيرة حقوق الإنسان في الأردن، صدور التوجيهات الملكية في السابع عشر من كانون الأول 2006 خلال زيارة جلالته إلى مقر المركز بإغلاق سجن الجفر وتحويله إلى مدرسة ومركز تدريب مهني لتأهيل أبناء المنطقة وتدريبهم. 
وأكد جلالته خلال الزيارة اهتمامه بتحسين واقع مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن، من خلال وضع إستراتيجية لتحسين أوضاعها بما يخدم فكرة أن مكان حجز الحرية ليس مكانا للعقوبة فقط بل للإصلاح والتأهيل، ليخرج النزيل منه وهو أفضل حالاً مما دخل، ويكون عنصرا فاعلاً وإيجابياً في بناء وطنه ومستقبله، وساهم إغلاق سجن الجفر في تعزيز مسيرة إصلاح النظام الجزائي في الأردن. 
وبناءً على توجيهات الملك، أعدّت الحكومة الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان للأعوام (2016 - 2025) بصورة تشاركية مع المركز الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، كما تبنّت الحكومة توصيات المركز الوطني لحقوق الإنسان الصادرة في تقريره السنوي، وتعمل على الاستجابة وتنفيذ ما جاء بها وفق خطةٍ متدرجة. 
وشهدت المملكة إقرار خريطة طريق واضحة المعالم نحو التّطوير والتّحديث، واستكمال مسيرة التحول الديمقراطيّ، التي تصبّ في إطار تعزيز منظومة حقوق الإنسان، وجاءت وفق رؤية ملكيّة مستشرفة لمستقبل الأردن، ونابعة من معايير حقوقيّة تجسّدت بالأوراق النقاشيّة لجلالة الملك، وخلاصة التجربة الأردنيّة.
ومن أبرز هذه المحطات نشر مجموعة من الاتفاقيات الدولية الرئيسة لحقوق الإنسان في الجريدة الرسمية، بالإضافة إلى أبرز الاتفاقيات الدوليّة ذات البُعد الحقوقيّ؛ لتعد بعد ذلك جزءًا من المنظومة التشريعية الوطنية، والالتزام بتقديم التقارير الدوريّة إلى الآليات التعاقديّة وغير التعاقديّة لحقوق الإنسان.
ومن أبرزها أيضا، إنشاء المؤسسات والهيئات المعنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان، والتي تعمل بتشاركية وتنسيق لمأسسة حماية وتعزيز حقوق الإنسان في المملكة، على غرار تأسيس المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والمركز الوطني لتطوير المناهج، والمجلس الوطنيّ لشؤون الأسرة، بالإضافة إلى استحدات منصب المنسق الحكومي لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء، وتعيين (80) ضابط ارتباط في الوزارات والمؤسسات الحكومية.
كما أنشئت محكمة دستورية بوصفها جهة قضائية مستقلة للرقابة على دستورية القوانين والأنظمة وتفسير النصوص الدستورية، والهيئة المستقلة للانتخاب.
وأنشئت اللّجنة الملكيّة لمراجعة الدستور، التي قامت بمراجعة التّعديلات الدستوريّة السّابقة، وتقديم التّعديلات الضروريّة للنّهوض بالحياة السياسيّة في السّياق الدستوريّ، لترسيخ التّوازن بين السّلطات، والارتقاء بالأداء السياسيّ الحزبيّ والنيابيّ وصولاً إلى صيغة دستوريّة تمكّن مجلس الأمّة من القيام بدوره التشريعيّ والرقابيّ بكفاءة واستقلاليّة، بالإضافة إلى تعزيز استقلالية القضاء.
وشُكلت اللجنة الملكيّة لتطوير الجهاز القضائيّ وتعزيز سيادة القانون في العام 2017، التي هدفت إلى إقرار إستراتيجية شاملة لمُعالجة التّحديات ومُواصلة عملية التّحديث والتّطوير والارتقاء بأداء السّلطة القضائيّة، وتحديث الإجراءات والتّشريعات للارتقاء بعملية التّقاضي وإنفاذ الأحكام. 
كما أنشئت اللجنة الملكيّة لتحديث المنظومة السياسيّة، التي تؤسّس لمرحلة متقدّمة في أسلوب ممارسة السلطة التنفيذيّة أعمالها وفق رؤية جلالة الملك لمستقبل الأردن السياسيّ الواردة في مضامين وأهداف الأوراق النقاشية الملكيّة، واستناداً لأحكام الدستور من خلال تطوير التّشريعات الناظمة للحياة السياسيّة الضّامنة لمرحلة سياسيّة ديمقراطيّة جديدة يصبح فيها منظومة العمل الحزبيّ البرامجيّ التعدديّ المتدرّج جزءاً أساسياً من النظام السياسيّ الأردنيّ.
وشكّلت التوجيهات الملكية لتطبيق قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 ضمانةً فعليّةً لحماية حقوق الإنسان في ظل الظروف الاستثنائية في العام 2021 لمواجهة جائحة كورونا، بأن "يكون تطبيق قانون الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه، في أضيق نطاق ممكن، وبما لا يمس حقوق الأردنيين السياسية والمدنية، وبما يحمي الحريات العامة والحق في التعبير، وغيرها من الضمانات التي كفلها الدستور في إطار القوانين العادية النافذة، وكذلك ضمان احترام الملكيات الخاصة سواء أكانت عقارا أو أموالا منقولة وغير منقولة".
ويُمثّل الأمر الملكيّ بإجراء الانتخابات النيابيّة لمجلس النواب التاسع عشر ضمن المهلة الدستوريّة، على الرغم من جائحة كورونا آنذاك، حمايةً ملكيةً للشرعية الدستوريّة من خلال التقيد بالمهل الدستوريّة ومبدأ دورية الانتخاب.
ومنذ لحظة العدوان الأولى على قطاع غزة، خاطب جلالة الملك الضمير الإنسانيّ بلغة حقوقيّة، فهو أول من أشار إلى انتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة وعموم الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في مؤتمر السلام المُنعقد في القاهرة بعد أقلّ من أسبوعين على العدوان بقوله: "إنّ حملة القصف العنيفة الدائرة في غزة ... انتهاكٌ فاضحٌ للقانون الدوليّ الإنسانيّ، إنها جريمة حرب".
وفي إطار تركيز جلالته الضوء على الحقيقة المجرّدة حول ازدواجية المعايير في التعامل مع أحداث غزة، حذّر المجتمع الدوليّ مستشرفاً المستقبل بخطورة هذا النهج الهدّام قائلاً في المؤتمر ذاته: "الرسالة التي يسمعها العالم العربيّ عالية وواضحة: حياة الفلسطينيين أقل أهميةً من حياة الإسرائيليين. وتطبيق القانون الدوليّ انتقائيّ، وحقوق الإنسان لها محددات، فهي تتوقّف عند الحدود، وتتوقّف باختلاف الأعراق، وتتوقّف باختلاف الأديان". 
وهو الأمر ذاته الذي أشارت له جلالة الملكة رانيا في لقائها مع شبكة CNN العالميّة بتاريخ 24 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وتتجّه الإرادة السياسيّة في الأردن بعزيمةٍ إلى حماية المسيرة الديمقراطية، وتعميق مسار الدولة الديمقراطي، بالاعتماد الأساسي على النساء والشباب، حيث لا يكاد يخلو خطاب أو لقاء لجلالة الملك أو تكليف حكوميّ من التوجيه بضرورة إيلائهم أولويةً خاصّة.
وفي هذا الصدد، أشار جلالة الملك في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس النواب التاسع عشر بتاريخ 11 تشرين الأول 2023 إلى توجيه برامج التحديث التي تبنّتها المملكة نحو مستقبلٍ أفضل بالاعتماد على الشباب والنساء.
كما انعكست جهود المملكة بالاهتمام بالشباب على التوجه العالمي أيضاً، حيث تبنّى مجلس الأمن الدولي القرار 2250 الذي قدمت المملكة مشروعه، استكمالاً للجهود الأردنية التي بدأها الأمير الحسين بن
عبدالله الثاني، ولي العهد، خلال رئاسته جلسة النقاش المفتوحة في مجلس الأمن في العام 2015 حول "دور الشباب في مجابهة التطرف العنيف وتعزيز السلام".