التماسك الاجتماعي والديمقراطية

يُعد التماسك الاجتماعي الأساس المتين الذي ترتكز عليه الديمقراطية. وهو يشير إلى العلاقات والتفاعلات داخل المجتمع، ويبنى على جهد ديمقراطي ليؤسس لتوازن اجتماعي، وديناميكية اقتصادية، وهوية جامعة.اضافة اعلان
إن الهدف من التماسك الاجتماعي هو إيجاد نظام مبني على المساواة والعدالة، ووضع ضوابط على النمو الاقتصادي الرأسمالي، وتلافي الانقسامات الاجتماعية. وإذن، فالتماسك الاجتماعي هو عملية يتم من خلالها تعزيز المواطنة بتقليص أشكال عدم المساواة كافة في المجتمع.
والمجتمع المتماسك شرط أساسي للديمقراطية السياسية والاستقرار الاجتماعي. وعندما يتحقق ذلك، يكون المجتمع قادراً على تحقيق مستويات أعلى من الإنتاج، والوصول إلى نمط اقتصادي أفضل على المدى البعيد. وإذا كانت الديمقراطية في أحد معانيها، هي نظام يضمن للمواطنين ممارسة حقوقهم في نظام سياسي مبني على العدالة القانونية، فإن التماسك الاجتماعي يهدف إلى تحقيق المساواة الفعلية بين المواطنين. فإذا كانت الديمقراطية هي الحارس للمصلحة العامة من خلال حكم الناس لأنفسهم، فإن منطق التماسك الاجتماعي ضمانة لمستوى لائق من المعيشة يسمح للناس بأن يحكموا أنفسهم.
إن مفهوم التماسك الاجتماعي والديمقراطية لهما أهمية بالغة في هذه المرحلة التي تشهد تحولاً نحو الديمقراطية في العديد من الدول العربية، لأسباب ثلاثة رئيسة:
أولاً: أن الدول التي خبرت هذه الثورات والتحولات كانت تتسم بغياب شبه كامل للديمقراطية، ودرجة كبيرة ومتنوعة من عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، والتي شكلت الأرضية التي انطلقت منها هذه الثورات.
ثانياً: أنه في بعض الدول التي شهدت أو ما تزال تشهد تحولاً، فإن التحول ولأسباب كثيرة، حدث عن طريق العنف والعنف الشديد أحياناً، والذي أدى ويؤدي، بالضرورة، إلى انقسامات حادة، تأخذ الطابع القومي أو العرقي أو الطائفي أحياناً، ما يعني أن عملية التحول الديمقراطي لن تكون مكتملة طالما أنها تقوم على إقصاء البعض من المشاركة السياسية أو عدم الاستفادة من ثروات المجتمع.
ثالثاً: لأن عملية التحول الديمقراطي في العديد من هذه البلدان، لم تتجاوز، حتى الآن، تغييراً في الهياكل السياسية للأنظمة التي تم تغييرها، والتركيز أكثر ما يكون على القوانين والانتخابات، ولم تنجز هذه الثورات بعد المشروع الديمقراطي الذي يستند إلى حقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين.
وعليه، لا بد أن يكون مفهوم الحرية الذي ألهم عملية التحول الديمقراطي مبنيا على احتمال أن يتمتع جميع المواطنين بحياة كريمة، وإلا لن يكون هناك معنى لهذه التحولات السياسية.