وسط البلد من جديد

كعادتي بنهاية كل أسبوع أو أسبوعين، زرت وسط البلد في الحبيبة عمان، ودوما كان يلفتني تغييرات مرورية حينا وإنشائية حينا آخر، وكنت أتعامل معها كأمر واقع، الأسبوع الماضي زرت المكان الذي أعشق والذي يعني لي تاريخا من الحب لمدينتي التي أعشق حيث نشأت وسط بلدها وترعرعت فيه.اضافة اعلان
ما لفت نظري، خلال زيارتي الأخيرة، التغييرات المرورية في شارع الملك فيصل، وكذا تغيير المسار في شارع بسمان، واستحضرت رفض أمين عمان سابقا، عودة مسار الشارع لوضعه الذي كان عليه، بعد أن قام بتغييره، وإصراره على بقاء الأمر من دون تغيير، وهو ما حصل، الخميس الماضي تفاجأت بتغير المسار وتغيير الطريق، وإغلاق أحد فرعي شارع الملك فيصل أمام حركة المرور.
شخصيا، لست ضد إدخال تحسينات على وسط البلد أو إضافات تزيد المكان جمالا، ولكن عند سؤال الناس والتجار كانت الإجابة واحدة، وهي أن الإغلاق يهدف لإنشاء ممرات مشاة شاهدت جزءا منها في المنطقة القريبة من مخفر المدينة، فيما كانت إجابة آخرين في شارع بسمان عند سؤالهم عن تغيير المسارات بأنهم لا يعرفون السبب ولا يعلمون الهدف منه، وأنهم لا يجدون إجابة عند استفسارهم عما يجري في المكان.
أنا ابن عمان وأعشق المكان حد أن عائلتي الصغيرة باتت مثلي تعشق المكان، وتحرص على زيارة وسط البلد والتمشي في أسواقه سواء في البخارية أو الحميدية أو منكو أو غيرها من أسواق بتنا نعرفها وتعرفنا، ولكني لا أستطيع أن أجد تفسيرا مقنعا للسبب الحقيقي وراء عدم الثبات على شكل واحد موحد للمكان؛ إذ أذكر أن أمانة عمان ذاتها قد نفذت مشروعا في 2010 وقالت وقتذاك إن المشروع يأتي لتوسيع المساحات الخضراء، وخاصة في منطقة فيصل وغيرها وحماية الهوية التاريخية لعمان ومعالمها الأثرية.
اليوم، تقوم الأمانة بمشروع جديد تغلق من أجله أحد مسارب شارع فيصل، وتغير المسار في شارع بسمان، والهدف وفق ما صرح به مدير دائرة الخدمات المشتركة في أمانة عمان، المهندس محمد الفاعوري، القيام بتحسينات مرورية، خاصة بالشوارع التي تشهد ازدحامات مرورية وضغطاً على الخدمات في تلك المنطقة المكتظة، وأن ما يتم عمله وسط البلد هو ممرات مشاة، وأن العمل في منطقة مزدحمة بالمارة يصعب أن يكون على مدار الساعة، بل في ساعات الليل فقط، ما يزيد من عمر إنجاز المشروع، واستغراقه وقتا أطول.
لست ضد التحديث والتطوير، ولكني ضد أن يكون التخطيط العمراني عشوائيا بهذا الشكل، فقبل بضع سنين كان هناك سلسلة مشاريع على مراحل تتعلق بوسط عمان امتدت من الساحة الهاشمية وحتى ساحة الأمانة، بدأت في العام 2010 وكلفت ملايين الدنانير، كان الهدف منها الحفاظ على الإرث الحضاري وتوسيع المساحات الخضراء، وإنشاء أماكن للمارة، واليوم يحضر السبب نفسه لتبرير الإغلاقات الجديدة، أيعقل أنه كلما جاء مسؤول أو حضر مهندس بفكرة جديدة أن نغلق وسط البلد، ونقلق راحة التجار والمارة ونقوم بأعمال إنشائية جديدة قد يأتي مسؤول آخر فيغيرها.
السؤال، لماذا نفتقد دوما للتخطيط الإنشائي طويل الأمد؟، لماذا يراد لنا أن نبقى أسرى لمزاج المسؤول ورؤيته الجمالية؟، لماذا نترك دوما المسؤولين يتحكمون بمصير التجار والمارة وأهل عمان ورواد المكان من دون أن نقف ونقول لهم كفاكم تفردا بالقرار؟.
لا أعتقد أن وسط البلد بحاجة لممرات مشاة؛ إذ يوجد ممرات كافية، وأعتقد أن تلك مصاريف زائدة على الحاجة ولا داعي لها، وإن كنا نريد فعلا تطوير وتحديث المكان، فلم لا تفكر الأمانة بإنشاء حمامات صحية مناسبة ونظيفة بدل الذهاب لإنشاء ممرات لا أرى أننا بحاجة لها، فابن عمان لا يريد أن "يتصور سيلفي" بجانب الممر وإنما يريد الحفاظ على رونق مدينته وطابعها التراثي والإنساني والحضاري وليس تغيير المكان، وصرف أموال لا داعي لصرفها.