تخوف من تراجع حماية الأطفال مع عودة العمل

رسم تعبيري لزوجين يرعيان طفليهما-(أرشيفية)
رسم تعبيري لزوجين يرعيان طفليهما-(أرشيفية)

نادين النمري

عمان- مع استئناف قطاع صالونات التجميل عملهم الأسبوع الماضي، وجدت نسرين نفسها أمام اشكالية كبيرة تتعلق بتأمين مكان آمن لرعاية طفليها (5 أعوام وعامين)، خصوصا أن طلب إجازة ليس خيارا متاحا بعد أكثر من شهر من تعطل عمل القطاع.اضافة اعلان
يقيم والدا نسرين في محافظة الزرقاء أما والدة زوجها فمتوفية، ما اضطرها لإرسال طفليها إلى منزل جدتهم في الزرقاء لحين إيجاد مكان آمن لرعايتهما، في ظل عدم وجود حضانات أو نواد نهارية متخصصة لرعاية الأطفال.
تقول نسرين "تذهب ابنتي إلى الروضة وابني في حضانة. كان باص الروضة يرسل ابنتي الى الحضانة المتلحق بها ابني، ضمن ما يسمى ساعات الانتظار، كما كانت تقضي العطلة الصيفية في الحضانة ذاتها، ضمن برنامج النوادي الصيفية. هذه الخيارات غير متاحة الآن كما أن زوجي عاد والتحق بعمله".
وتضيف إن "الخيارات الآن معدومة. لا أستطيع التقدم بطلب إجازة ولا الاستقالة من العمل، الوضع المادي سيئ جدا، أحاول البحث عن سيدة أو حضانة منزلية ترعى الأطفال لحين عودة افتتاح الحضانات والنوادي الصيفية".
تعكس مشكلة نسرين واقع أسر عاد فيها الوالدان لوظائفهما بعد أن قررت الحكومة السماح لعدد من القطاعات العمل من جديد، لكن القرارات الحكومية لم تلتفت لإشكالية الأسر العاملة التي لديها أطفال في سن الحضانة والمدرسة.
شهد وأحمد (اسمان مستعاران) لزوجين يعملان في بنكين مختلفين، عادا لعملهما الأسبوع الماضي، وتمكنا من الوصول لاتفاق مع مديريهم في البنك، بحيث يكون عملهم يوما من المنزل ويوما من البنك بالتناوب، لضمان ألا يبقى طفلهم وحيدا في المنزل.
لكن الغالبية العظمى من الأهالي لم يحالفهم الحظ كما حصل مع الزوجين شهد وأحمد، إذ اضطرت ربى التي تعمل في شركة إقراض لترك اطفالها الثلاثة (تتراوح أعمارهم بين 12 الى 5 أعوام) وحدهم بالمنزل، لتباشر عملها بين الساعة العاشرة صباحا وحتى الثالثة ظهرا.
خلال غياب الوالدين، تتحمل الطفلة الكبرى المسؤولية عن رعاية شقيقاتها، ومتابعة الحصص المبثوثة على المنصات التعليمية مباشرة.
تقول الأم "لم أترك أطفالي يوما وحدهم، لكنني اضطررت لهذا الخيار الآن. لا أشعر بالراحة النفسية أبدا، اتصل بهم هاتفيا في كل لحظة أستطيع بها الاتصال".
ايقاف المدارس والغياب التام لخدمات رعاية الأطفال، ضاعف الأعباء الملقاة على عاتق ربى، وتقول "بعد العودة من العمل، أتابع دروس أبنائي وأعمال المنزل وتحضير وجبة الإفطار. متابعة الواجبات المدرسية والامتحانات هي التحدي الأكبر، إذ تستهلك جزءا كبيرا من وقتي، خصوصا أن ما يرسل للطالب غير كاف".
ليزا صيدلانية تعمل في مستودع أدوية. خلال الفترة الماضية كانت تعمل من المنزل، لكن اعتبارا من يوم غد، ستعود الى عملها المكتبي. لديها طفلان في الصفين الاول والخامس. تقول منذ اغلاق المدارس يلتزم اطفالي بمتابعة دروسهم عن بعد.
وتزيد "يستحيل أن يتمكن الطفل خصوصا الأصغر سنا، من متابعة الحصص المباشرة دون وجود رقابة ومتابعة من الأهل. الجيد بأن المدرسة توفر خيار تسجيل الحصص المباشرة لإعادة متابعتها مرة أخرى، غالبا ما سألجأ لهذا الخيار".
وتتابع "الأصعب من ذلك أن الفترة المقبلة، ستعقد فيها امتحانات نهاية الفصل الثاني، أتمنى أن تكون ساعات عقد الامتحان مناسبة للأهالي، خصوصا مع استحالة أن يتمكن طفلي الاصغر سنا من الدخول إلى البريد الالكتروني، وتقديم الامتحان وحده".
وفي مقابل غياب خدمات رعاية الأطفال، بات التوجه للحضانات المنزلية خيارا مفضلا لدى عدد كبير من الأسر التي يعمل بها الزوجان، فبعد حظر دام نحو شهر ونصف، توقفت خلالها سمر عن العمل بشكل تام في حضانتها المنزلية، وعادوت الأسبوع الماضي لاستقبال ثلاثة أطفال، في مقابل ذلك، فإن أعباء مضاعفة تترتب عليها حاليا مقارنة بالفترة الماضية.
سابقا؛ كانت تقدم سمر الرعاية للأطفال ضمن حضانتها المنزلية خلال ساعات وجود طفليها في المدرسة، الآن باتت مسؤولة عن رعاية أطفال آخرين مقابل أجر مادي، بالاضافة لمتابعة التعليم المنزلي لطفليها في المرحلة الابتدائية.
برغم حجم الضغط الكبير، لكن استئناف العمل في حضانتها المنزلية كان حاجة ماسة للأسرة، خصوصا بعد تضرر أسرتها ودخلهم بشكل كبير جراء الحظر.
مديرة مؤسسة درة المنال للتدريب والتنمية منال الوزني تقول إن عودة القطاعات للعمل بهذه الطريقة دون ايجاد حلول لرعاية الأطفال، قد تدفع الأسر لتركهم وحيدين ما يعرضهم لمخاطر عدة ابرزها الحوادث المنزلية.
وتضيف "بعد اتخاذ كل أطر الحماية التي اتخذتها الدولة؛ هل من الممكن أن نحقق تراجعا في مجال الحماية عبر تعريض الأطفال للمخاطر، ببقائهم وحيدين في المنزل، أو برعاية شخص غير مناسب ما قد يعرضهم لأشكال مختلفة من العنف والإساءة، أو حتى الإهمال".
وتزيد "في ظل غياب الحضانات، وصعوبة ارسال الاطفال للرعاية لدى الأقارب بسبب التوصيات الصحية بالتباعد الاجتماعي؛ السؤال المهم: من سيرعى الاطفال؟".
وترى أنه "بذلك نكون قد عدنا لنقطة الصفر بتعريض الأطفال للخطر، بتركهم دون رعاية أو حماية"، مشيرة للأعباء المضاعفة التي تحملها الأهالي في هذه الفترة، كالإشراف على تعليم الأطفال، ومتابعة الشؤون الاكاديمية لهم، وهذا أمر آخر يجب أخذه بالاعتبار لتوفير التسهيلات للأهل.
وتقترح الوزني أن "يوضع نظام للعاملين الذين لديهم أطفال بحاجة لرعاية، بحيث تسهل أمر الأب أو الأم عبر التناوب في العمل من المنزل لضمان رعاية الأطفال".
وتدعو الوزني للترتيب مع المؤسسات المعنية لضمان ألا يفقد العاملون فرصهم في العمل، لاضطرارهم لرعاية أطفالهم بسبب غياب تقديم خدمات الرعاية للأطفال.
أما استشاري الطب الشرعي، والخبير بمواجهة العنف الدكتور هاني جهشان، فيلفت الى أن النساء تعمل عادة في ظروف صعبة مقارنة مع الرجال، وعادة برواتب أقل وقد يكون بدوام جزئي للتفرغ لرعاية الأطفال.
جميع هذه العوامل في ظروف الحجر، ستؤدي لفقدهن وظائفهن وتفاقم الفقر والبطالة بينهن وهذه بيئة اقتصادية- اجتماعية، تفضي لتعرض أفراد الأسرة بما فيهم الأطفال للإهمال والعنف.
ويبين جهشان، أن فقدان الدخل المالي للأسرة أو انخفاضه، يفاقم المخاطر التي يتعرض لها الأطفال، وهذا الوضع يتعاضد خطورةً إذا اضطرت الأمهات للعودة للعمل، وان كان بدوام جزئي، بخاصة مع استمرار إغلاق الحضانات، أو عند اللجوء لترك الأطفال وحدهم بالمنزل، أو لدى أقارب أو جيران غير مؤهلين لرعايتهم، وما يتضمن ذلك من مخاطر تعريضهم لعدوى فيروس كورونا، أو تعريضهم لظروف إهمال أو عنف جسدي أو استغلال جنسي.
ويزيد ان "التعطل عن العمل وفقد الوظائف في الحجر الصحي العام، سيؤدي لتعثر مؤسسات حماية الأسرة والمجتمع المدني والجمعيات التطوعية التي تقدم خدمات مساندة لضحايا العنف الأسري، إن كانت خدمات نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية. وهذا الوضع يفاقم تعرض الأطفال للمخاطر، وعدم توفير الحماية الصحية والاجتماعية والحماية من العنف لهم.
في المحصلة، يرى جهشان أن "اتخاذ القرار بفتح الحضانات أو صفوف الروضة في ظروف جائحة خطرة كجائحة كورونا، امر مهني متخصص محصور فقط في خبراء الأوبئة، وأي قرار غير قائم على المعايير المهنية لهذا التخصص ومن الخبراء، مجازفة تهدد حياة الأطفال بشكل كبير.
وعلى الحكومة اتخاذ قرارات العودة للدوام للأمهات بحكمة، ودون تعجل، وان تكون منصاعة لآراء خبراء الأوبئة، وتضمن حماية الأطفال والأمهات".
من جانبه يقول الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي، إن "هذا الموضوع نوقش في اجتماع فريق الطفولة المبكرة الذي عقد الأسبوع الماضي"، لافتا الى أن ورقة موقف تعد حاليا، وتتضمن مقترحات ضمن هذا الإطار، بما يضمن حماية المصلحة الفضلى للأطفال".
وكان فريق الطفولة المبكرة، ناقش مسألة الحضانات في ظل عودة عدة قطاعات للعمل، واتفق في اللقاء على إعداد دليل إرشادات للعاملات في قطاع الحضانات لتوعيتهن بسبل التعامل مع الأطفال، لتقليل فرص انتقال الأمراض بينهم، وفقا لمديرة الابحاث والطفولة في المجلس مي سلطان، التي لفتت الى أن المرض أقل تأثيرا على الاطفال، مقارنة بالكبار.
وتبين ان "قطاع الحضانات ونوادي الاطفال والرعاية، يعد قطاعا حيويا خصوصا لارتباطه بتسهيل مشاركة وعمل المرأة، لكن استئناف عمل الحضانات، أمر يخضع لتوصيات لجنة الأوبئة".
وبحسب أرقام وزارة التنمية الاجتماعية، فان عدد الحضانات في المملكة يبلغ 1424، يلتحق بها نحو 50 ألف طفل.
وتقسم الحضانات على 632 حضانة مدرسية وكلية وجامعية و16 حكومية، و73 تابعة للقطاع الخاص و20 مؤسسية في القطاع الطبي و683 حضانة تجارية تابعة للقطاع الخاص.