في صميم المصلحة العليا

يتصدر الأخبار خبر يدعو الأردنيين للارتياح والسرور، والمفارقة أنه خبر جاء على لسان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إذ غضت الحكومة الأردنية الطرف عن استيراد الغاز المسروق من الفلسطينيين، والواقع تحت سيطرة الإسرائيليين. وبصرف النظر عن الأسباب، فإن الخبر، كما أوردته "الغد" أمس، كان سببا لفرحي؛ لأن في إلغاء استيراد هذا الغاز نافذة على استقلال الاقتصاد الأردني نسبيا، وعدم ارتهانه لحكومة الاحتلال التي تعيث خرابا في السياسة والاقتصاد منذ عقود.اضافة اعلان
بعد أسبوع من الاجتماعات السرية التي جرت في عمان بين مسؤولين أردنيين ووفد شركة "نوبل إنيرجي" المسؤولة عن توريد الغاز للأردن، جاءت التأكيدات الإسرائيلية بإلغاء المملكة التفاهمات بشأن اتفاق الاستيراد. ولا بأس بالجدل الذي يدور في أروقة حكومة الاحتلال وقضائها، لاسيما ما يتعلق بالتلاوم والاعتراض على أن اتفاقات الغاز "تغدق على الشركات الكبرى"، في الوقت الذي سعت فيه عمان إلى الحصول على خفض سعر الصفقة وتقليص الكميات، لكنها لم تفلح في ذلك خلال الأسابيع الماضية. وهذا الفشل المزدوج في تمرير الصفقة أصبح حقيقة في ظل محاولات يائسة من نتنياهو لتحريك الأمور عبر قيادته بنفسه وزارة الاقتصاد. لكن التعقيدات القانونية والالتماسات القضائية تسببت في وقف التفاهمات مع الأردن، علاوة على إمكانية توقفها مع آخرين.
منذ العام 2014 وهذا الملف يقلق مؤسسات المجتمع المدني في الأردن، وقبلها الرأي العام الذي لا يرغب في أن يرى الاقتصاد حبيسا لقيود إسرائيلية. فالطاقة عامل رئيس في تحريك الاقتصاد أو إعاقته، وأن يرتمي الأردن في الحضن الإسرائيلي بسبب البحث عن طاقة رخيصة، هو أمر ليس من الرشد والحكمة في شيء. صحيح أن انقطاع إمدادات الغاز المصري أربك الحكومة الأردنية في السنوات الثلاث الماضية وضيق خياراتها في البحث عن الغاز بأسعار رخيصة، في ظل تفاقم مديونية شركة الكهرباء بملياراتها الخمسة. لكن لم تبق الأمور على حالها. فقد شهد العام الماضي هبوطا تدريجيا في أسعار النفط على المستوى العالمي، ما انعكس على فاتورة الطاقة المحلية بمجملها، بما في ذلك تراجع أسعار الغاز أيضا، وكل ما يتعلق بكلفة إنتاج الكهرباء من مصادر ومشتقات نفطية متعددة. هذا علاوة على بدء تشغيل ميناء الغاز الطبيعي في العقبة في تموز (يوليو) الماضي. بمعنى أن الخيارات اتسعت لتشمل ترتيبات عربية، وأخرى بتنسيق مع حلفاء دوليين، بعيدا عن إسرائيل وغازها المسروق من الفلسطينيين. وهي البدائل التي تخلص الاقتصاد الأردني من قيود تستمر لخمسة عشر عاما.
وفيما تستهلك البلاد نحو 350 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي المسال المستورد عن طريق الميناء الجديد في العقبة، فإن الفرصة الضائعة -كما يدّعي البعض من مروجي التطبيع- تكون هنا محض خداع. إذ بمقدور الميناء الجديد للغاز الطبيعي إنتاج ما يشكل 85 % من حاجة المملكة من الكهرباء، وبأسعار رخيصة نسبيا، فيما تذهب النسبة المتبقية لاستخدام الوقود الثقيل.
إلغاء استيراد الغاز من إسرائيل خطوة كبيرة ومهمة على صعيد تحرير الاقتصاد الأردني من قيود الاحتلال، وهي في صميم المصلحة الوطنية العليا للدولة واقتصادها، وقبل ذلك مواطنوها الذين عانوا مع من عانى من التشريد بسبب هذا الاحتلال، ولن تكون -وفقا للمنطق والعقل والأخلاق- حياتهم الاقتصادية ومعيشتهم رهينة بيد ذات المجرم.