العمل المنتج.. وليس الشعارات الشعبوية

د.ابراهيم بدران
د.ابراهيم بدران
قد لا نضيف جديدا إذا أكدنا أنه منذ بدأ الهجوم الوحشي الإسرائيلي على غزة في 7/10، وقف الأردن بكل قوة وتماسك ضد العدوان، في إطار من الانسجام والتوافق الكامل بين مختلف مفردات الدولة ابتداء من رأس الدولة مروراً بالحكومة والبرلمان والأحزاب وانتهاء بالمواطن البسيط في أقصى أطراف الأردن. وكان لتحرك الملك عبدالله الثاني على المستوى الدولي والعربي دور واضح في تغيير مواقف العديد من الدول الأوروبية لصالح القضية الفلسطينية، والمطالبة بالوقف الفوري للحرب الهجمية، وتقديم المعونة الإغاثية والطبية لأهلنا في غزة بشتى الوسائل الممكنة. ولم يكن أحد يتوقع أن يستمر العدوان مدة طويلة تعدت الستة أشهر. ومع هذا فشلت إسرائيل في تحقيق اهداف الحرب المعلنة وهي اجتثاث المقاومة واستعادة الأسرى والسيطرة المطلقة على القطاع. وخرج الاردنيون في مظاهرات عارمة تأييدا لغزة واستنكاراً للحرب اللإنسانية ورفضا لمظاهر الحقد والكراهية التي تحملها اسرائيل للفلسطينيين وللعرب بل وللإنسانية، وانتهاكاتها المتواصلة للأماكن المقدسة، ولنواياها السيئة تجاه الأردن العزيز. وغدت المظاهرات الأردنية حول سفارة الكيان الصهيوني عنوانا يومياً في محطات التلفزيون والإذاعة والإعلام الدولية، مما دعا غالانت أن يصرح بأن الأردن ألحق أذى كبيرا بإسرائيل وسمعتها الدولية. صحيح أن الحرب انطلقت في 7 تشرين الأول في قطاع غزة لكن جنرالات الصهيونية حين هرع إليهم بايدن وشولتز وسوناك وماكرون لتأييدهم في عدوانهم، وأقاموا جسوراً جوية وبحرية لإمداد الكيان بالسلاح والمال والذخائر، حينئذ وسع العدوان أهدافه وأطماعه لإنهاء القضية الفلسطينية من خلال تعجيل إجراءات تهويد القدس، وتدمير وسائل الحياة في كل مكان ومحاولة التهجير لمواطني غزة ولتتبعهم الضفة الغربية. ولكن الأردن ومنذ اللحظة الأولى رفض كل مظاهر التغول الإسرائيلي، كما رفض التهجير بشكل قطعي واعتبره بمثابة إعلان حرب.اضافة اعلان
فهل انتهى العدوان الإسرائيلي الوحشي حتى يبدأ البعض بالعبث بالسلم المجتمعي بإطلاق الهتافات الشعبوية العدائية تجاه الدولة الأردنية بدون أي مبرر؟ وهل استفزاز رجال الأمن والاعتداء على الأموال العامة والخاصة هو دعم للمقاومة في غزة؟ وهل بث الشكوك وشعارات الفرقة يخدم القضية الفلسطينية ويعزز التماسك الوطني؟ بالتأكيد لا، مهما كانت  الادعاءات والتبريرات والأهداف الظاهرة والباطنة وبغض النظر عمن وراء ذلك.
ويعمل نتنياهو على إطالة الحرب حفاظا على مقعده في رئاسة الوزراء، ولأن الحرب طالت أكثر من توقعات المعتدي والخسائر في صفوفه أكثر من حساباتها لجأت إسرائيل إلى الآلية الصهيونية التقليدية على مدى التاريخ، وهي"الدسيسة وتصدير الأزمة وتحويل الصراع من فلسطيني ضد إسرائيل، إلى نزاع فلسطيني فلسطيني، وفلسطيني عربي، وعربي عربي. ولأن الأردن كان في مقدمة الدول العربية في الدعوة لإيقاف العدوان ورفض التهجير والدفاع عن المقدسات وسط سكوت الآخرين، فقد أصبح واحداً من الأهداف الإسرائيلية لتصدير الأزمة  لتكون داخلية من جهة وبين الأردن والفلسطينيين من جهة أخرى. فخرجت تصريحات سلبية بين الفصائل الفلسطينية وتصريحات تربط المقاومة بمجموعات إسلاموية أو طائفية أو جهوية، وانطلقت من البعض هتافات في المظاهرات ضد الحكومة، ومحاولات لاستفزاز قوى الأمن. و"الهدف إسرائيلي بامتياز: تحويل الأنظار عن جرائم الكيان الصهيوني في غزة والضفة الغربية الى ما يجري في المظاهرات من مناكفات".
وهنا لا بد من تبيان عدد من النقاط في مقدمتها أولاً: بكل موضوعية وعقلانية وبعد عن العاطفة، فإن الدولة الأردنية هي الأكثر التصاقاً وحرصا وعملا لأجل فلسطين في الضفة والقطاع، ولم تتوقف أو تتهاون يوما في تقديم الدعم للقضية الفلسطينية ما استطاعت. ثانياً: أن الدولة العربية الأولى التي كشفت للعالم جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة وارتكابه عشرات الجرائم الإنسانية وجرائم الحرب، وأرجعت المسألة إلى جذورها وهو الاحتلال الصهيوني البغيض، وطالبت بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة على ترابهم الوطني هي الأردن. ثالثاً: أن الدبلوماسية الأردنية ابتداء من الملك عبدالله الثاني مروراً بالحكومة وخاصة وزارة الخارجية كان لها الدور الأكبر في تغيير مواقف عدد من الدول في أوروبا والتي انطلت عليها في البداية الأكاذيب الإسرائيلية. رابعاً: إن أي محاولة لإضعاف الاردن أو مشاغلته بمسائل جانبية تحت ستار أيديولوجي أو حزبي أو طائفي أو جهوي أو قطري هي اصطفاف كامل مع الكيان الصهيوني بشكل متعمد أو عفوي. خامساً: إن أبجديات العمل السياسي تقول إن المسائل الكبرى لها أولوية على المسائل الأصغر. ومن هنا فإن التصدي لمحاولات إسرائيل تهجير الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن ينبغي أن تكون هي العنوان لكل نشاط سياسي في إطار من الانسجام الكامل مع جهود القيادة والحكومة والشعب في دعم الأخوة في الضفة والقطاع. وإن الدعم يتحقق عند صمود الأشقاء في أرضهم وإفشال أحلام نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وغيرهم، وهي رسالة الأردن.
وأخيراً فإن الوطنية والعقيدة والإنسانية والإخلاص ليست حكراً على أحد ولا على حزب أو فئة مهما كانت الإدعاءات. الأردن كله وطني وعروبي ومناصر صادق لأشقائنا في فلسطين، وعلينا أن نتجه إلى ما هو منتج. فالواقع العملي أكثر تعقيدا ومشقة ومسؤولية من الهتافات.