التزامات مالية دولية

سلامة الدرعاوي مصداقية الحكومات في الوفاء بالتزاماتها المالية الدولية الخارجية أحد أبرز عوامل الاستقرار الاقتصادي في الدول واستمرارية العلاقات المستدامة مع المانحين والمؤسسات الدولية. في حال تخلف الدول عن سداد بعض التزاماتها الخارجية، فإن العواقب الاقتصادية ستكون كارثية على البلد المتخلف عن السداد، فالمجتمع الدولي يعزف مباشرة عن التعامل معه بأي شكل من الأشكال، ويبدأ بإجراءات مختلفة لتحصيل ديونه، منها الحجز على ممتلكات الدولة المتخلفة عن السداد، وقطع كافة أشكال التعامل المالي معها، وإخراجها من التعاملات من شبكة التعاملات المصرفية الدولية، بحيث لا تستطيع تلك الدولة حتى فتح اعتماد لها لشراء احتياجتها من السلع الأساسية. هذه الحالة موجودة تقريبا في منطقتنا العربية في الاقتصاد اللبناني، الذي أعلنت حكومته في شهر آذار من عام 2020 عن عدم قدرتها الوفاء بالتزاماتها الدولية، وهو ماجعل لبنان في أزمة مالية حادة أقرب ما تتحول إلى حالة الإفلاس الاقتصادي، والأزمة مستمرة لغاية يومنا هذا مع التدهور المستمر لليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي. في الأردن تحديداً في شهر تشرين الأول من عام 2020، وفي ذروة جائحة كورونا استحق على المملكة موعد دفع سندات يورو بوند بقيمة 1.25 مليار دولار، وكان الاقتصاد في تراجع كبير وانكماش وصلت نسبته 1.6 بالمائة، وتوقف عجلة الاقتصاد في كثير من القطاعات الإنتاجية نتيحة الحظرين الشامل والجزئي الذي استمر لعدة أشهر متتالية، ومع ذلك كله، استطاع الأردن أن يلبي كافة التزاماته الدولية دون اي تأخير، ويقوم بسداد سندات اليوروبوند في موعدها، وهو أمر أثار تقدير المجتمع المالي الدولي من مانحين ومؤسسات مالية عالمية. الأمر لم يقتصر عند هذا الحد بل واصلت الحكومة بمواجهة كافة التزاماتها الداخلية أيضا، والكُل يتذكر جيداً ان الحظر الشامل امتد لثلاثة أشهر متتابعة، وقامت الحكومة بصرف كامل رواتب العاملين في الدولة دون اي انقطاع او تأخر. الحديث السابق هو للدلالة على مدى حرص الأردن على الوفاء بالتزاماته والسعي دائما لتعزيز ثقة المجتمع الدولي في سلوكياته وسياساته الاقتصادية المختلفة التي يسير بتنفيذها بالتعاون مع صندوق الدولي. وها هو الأردن الآن على أعتاب سداد سندات يورو بوند جديدة بقيمة مليار دولار تستحق نهاية الشهر الحالي، والأمر ليس مفاجئاً للخزينة، والاستعدادات على قدم وساق لتوفير هدا المبلغ وسداد الدين في موعده وحسب الأصول، وستكون آلية السداد مزيجا ما بين توفير إيرادات محلية قد تصل إلى ما يقارب الـ300 مليون دولار، والباقي يتم تمويله خارجيا بسندات جديدة على الأرجح. لا يوجد اي تخوفات من توفير الحكومة لتلك المبالغ، فقد وفرت أكبر من هذا الرقم في أوقات صعبة جدا كان التخلف فيها مبرراً من الناحية الاقتصادية ومع ذلك لم يتأخر الأردن عن السداد، بالعكس دفع كامل مستحقاته بكل أريحية وثبات مالي. الأردن يسير بإصلاحات اقتصادية عميقة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وهو خرج حديثا من المراجعة الرابعة لاتفاقه الائتماني مع صندوق النقد الدولي بتقدير، والتي على إثرها سيتم تحويل دفعة تسهيلات مالية جديدة للحكومة لاتقل عن 300 مليون دولار، فرغم كل الضغوطات المالية التي تتعرض لها الخزينة خاصة في مجال تمويل النفقات الحكومية المتزايدة الا انها ما تزال تملك مساحات مالية كبيرة ولديها دعم من المانحين والمؤسسات العالمية، الأمر الذي يشكل جزءا أساسياً لاستدامة النظرة المستقرة للاقتصاد الأردني في المرحلة المقبلة. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان