السرد العربي القديم- الانساق الثقافية واشكاليات التأويل

السرد العربي القديم- الانساق الثقافية واشكاليات التأويل
السرد العربي القديم- الانساق الثقافية واشكاليات التأويل

 كتاب يبحث السرد العربي القديم
وانفتاحه على المتخيل بمراجعه التاريخية والدينية والثقافية

 

زياد العناني

اضافة اعلان

   ترى د. ضياء الكعبي في كتابها "السرد العربي القديم- الانساق الثقافية واشكاليات التأويل" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ان السرد العربي القديم قد تشكلت فيه ثلاثة انواع سردية كبرى هي: القصة العجائبية والمقامات والسير الشعبية.

وتشير د. الكعبي الى تشكيلات القصة العجائبية مبينة الى انه وعلى الرغم من انفتاح العجائبي على المتخيل السردي العربي بمروياته وسجلاته المكتوبة وعلى المتخيل بمراجعه التاريخية والدينية والثقافية كافة ، الا ان العربية لا تزال تفتقر الى وجود معجم تاريخي عربي يعنى بدلالات الكلمة وبتطورها الثقافي عبر عصور مختلفة, كما انها تفتقر الى وجود معجم فلسفي تأهيلي يعنى بذاكرة المصطلح ودلالته المتنوعة عند النقاد العرب القدامى وفي المشهد النقدي المعاصر. مؤكدة على ان مصطلحي "العجائبي" و "العجائبية" من ابرز المصطلحات النقدية التي تحتاج الى ضبط لوضع حدود لها تبعدها عن الغموض وعدم التحديد. فالعجائبي يتغير بتغير العصور والثقافات وتوجهات الرؤى والتحولات الممكنة في النسق والمرجع فيما يعتبر في عصرها من باب العجيب قد تزال هذه الصفة فيفقدها في عصر موال.

   وتنطلق محاولة د. الكعبي لتحديد مفهوم "العجائبي" من التراث المعجمي العربي ومن كتب الجغرافية والرحلات الزاخرة بالعجائبي في تنوعاته لافتة الى ان سبب العودة الى هذين المصدرين انهما يشكلان معا رؤية شاملة لنمو هذا المصطلح وامتداداته في الذاكرة الشفاهية والذاكرة الكتابية لعصور متتالية وهما يشكلان معا منظورا ثقافيا في النظر الى المتخيل وحدوده.

   وتتطرق د. الكعبي الى العجيب والغريب في التراث المعجمي مشيرة الى ان المتتبع لتجليات كلمتي (العجيب) و (الغريب) في المعاجم العربية تدهشه وفرة المادة المعجمية  فيما يتصل بهذين الحقلين الدلاليين. فدلالات كلمتي (العجيب) و (الغريب) ترتبط معجميا بشبكة دلالية تشير الى تنوع زاوية النظر الى هذه المسألة فمنها لغة تحدد موقف الانسان من العجيب والغريب: الدهشة والانبهار والهول والاستغراب والحيرة والخوف والعجب والالتباس والفزغ ومنها لغة تسمي ما يعد عجيبا: الآية والمعجزة والسحر والبدعة والبرهان والحجة ومنها ايضا ما يصف جنسه الحكائي: خرافة او حكاية او اباطيل او اكاذيب او طرفة نادرة.

   وتتطرق د. الكعبي الى الجغرافيين العرب ومقاربة العجيب والغريب وتشكيلات العجائبي في الثقافة العربية الاسلامية مشيرة الى ان للاسطورة تجلياتها في بنية العقل الانساني عامة ومنه العقل العربي وقد ظلت فاعلة ومتفاعلة مع الموروث السردي العربي ومع المتخيل في كتب السيرة والتاريخ وكتب العجائب والكونيات لافتة الى ان الاسطورة لا تدلنا فقط على طفولة العقل البشري البدائي وانما هي الى جانب ذلك تؤسس نسقا ثقافيا يمكن بتتبعه ان نصل الى المنظور الثقافي الذي شكل رؤية العالم عند خالقي الاسطورة ومتلقيها على حد سواء. مبينة ان الاسطورة تشتمل على تراث تراكمي انساني منفتح على مختلف الحضارات التي سادت ثم بادت،وبهذا تكون الاسطورة اشبه بالنص المفتوح القابل دائما للقراءة والتلقي والتأويل.

   كما تتطرق د. الكعبي الى مكونات (العجيب) و (الغريب) في الاسطورة العربية معتبرة ان هذه المكونات متنوعة وتشمل الانسان والحيوان والنبات والجماد وتكاد تتركز في الجنوب العربي (بلاد اليمن) حيث اسطورة الجرهمي التائه والحكايات التي وضعها العرب حول المدينة الاسطورية (ارم ذات العماد) وحكاية ذي القرنين تبع اليمني الذي يبلغ مشارق الارض ومغاربها واساطير الالهة (اساف ونائلة) والغرانيق العلى والاساطير التي وضعت حول النجوم والشياطين والمردة والعفاريت والجان والكهنة والسحرة.

   وتبين د. الكعبي انه اذا كانت الاسطورة تعني الاحاديث الباطلة التي لا اصل لها فإن الخرافة تعني الحديث المستملح من الكذب اي ان الخرافة تحظى باستحسان طرفي التلقي- المبدع والمتلقي معا, مشيرة الى ان الفضاء الدلالي لكلمة (خرافة) يحيلنا الى زمان التلقي اذ تكون الخرافة "حديث ليل" وتصبح الخرافة وفقا لتصور "بلاشير" حكاية عجيبة ترويها النساء تتمثل عوالم الجن والسحرة على حين تقف الرواية الذكورية لتعمل في هذا الكنز من التقاليد الشعبية يد الاختيار.

   وتشير د. الكعبي الى (حديث خرافة) الذي اسس لنا اولويات تحول القصص العجائبي الى نص مكتوب في رحلة طويلة من الشفهي الثقافي الى الكتابي الحضاري عند العرب لافتة الى ان هذه الحكاية مسندة الى الرسول (صلى الله عليه وسلم) نفسه الذي يكون هو ملتقى هذا النص العجائبي من رواية خرافة بن عذرة , حيث يروي الرسول (حديث خرافة) مؤكدا ان له "حديثا عجبا" وانه كان يحدث الناس بما رأى فيهم من الاعاجيب وانه كان يحدثهم بما رأى من الجن العجائب وان "خرافة حق" و "ان حديثه اصدق الاحاديث" مشيرة الى موقف المتلقين الاخرين لهذا النص العجائبي الذي كان  متماهيا مع النص كما فعل الرسول. فالناس الذين كانوا يستمعون الى "حديث خرافة" كانوا اذا استمعوا الى حديث عجيب قالوا: "كأن هذا خرافة"ويضم كتاب "السرد العربي القديم" عددا من الفصول التي تتناول تشكلات المقامة وتشكلات السيرة الشعبية اضافة الى فصل في السرد العربي القديم والانساق الثقافية وآخر حول آفاق تلقي الموروث السردي في النقد العربي بين القديم والحديث.

   كما يضم كتاب السرد العربي القديم مقدمة لـ د. ناصر الدين الاسد قال فيها: ربما كان من مزايا المؤلفة وضوح الرؤية عندها في قضايا النقد الحديث ومصطلحاته وهي قضايا ومصطلحات يكثر فيها اختلاف النقاد والقراء وفهمهم ويشتد فيها عناء القراء لغموضها بسبب اختلاف المترجمين من اللغات الاوروبية خصوصا الانجليزية والفرنسية لنظريات النقد الحديث.

ويلفت د. الاسد الى ان وضوح الافكار والمعاني عند المؤلفة استدعى وضوح التعبير فجاء اسلوبها سلسا مبينا وجاءت لغتها صافية تشق عن مقصد الكاتبة دون تكلف منها ولا عناء من قارئها.