الرجوب ينسج تقاطعات بين الحب والخسارة في "البحر الأحمر يبكي"

مخرج الفيلم فارس الرجوب-(من المصدر)
مخرج الفيلم فارس الرجوب-(من المصدر)

 يعد "البحر الأحمر يبكي"، لمخرجه فارس الرجوب، أول فيلم أردني قصير يشارك في مهرجان كان السينمائي في العام 2023، ويتناول فيه قصة تثير الذكريات من خلال رحلة تتحدث عن الخسارة والتذكر بين شريكين.

اضافة اعلان


فيلم الرجوب الذي يعد أيضا أول فيلم أردني بوشر بعرضه منذ 20 من الشهر الحالي على منصة موبي للأفلام، تدور أحداثه في جنوب الأردن في البترا والعقبة، ويتمحور حول رحلة إيدا الاستكشافية من كولونيا إلى مدينة البترا الغامضة في الأردن، وتكشف اللغز المحيط باختفاء شريكها إسماعيل.


في مقابلة حصرية مع "الغد"، يتعمق الرجوب في تفاصيل الفيلم ورحلته لتحقيق هذه الرواية المؤثرة.


يبحر فارس الرجوب في "البحر الأحمر يبكي" داخل نسيج عجائب الأردن القديمة والتعقيدات المعاصرة. وحظي هذا الإنتاج الألماني الأردني بإشادة في مهرجان كان السينمائي ومهرجان الجونة السينمائي، وهو يغري الجماهير لمشاهدة رحلة سينمائية عبر المناظر الطبيعية المحملة بثقل الحزن.


وراء الكواليس
مع تطور القصة، يتشابك الحزن مع الكشف عن جزء خفي من حياة إسماعيل، مما يلقي بظلاله على الذكريات التي اعتقدت إيدا أنها تعرفها. العمق العاطفي للفيلم واضح، حيث يجذب المشاهدين إلى عالم من التقاطعات الثقافية وتعقيدات الحب وقوة الخسارة المؤلمة.


المخرج فارس الرجوب، وهو فنان متعدد التخصصات مقيم في برلين، يرى أن الإلهام وراء الفيلم، وقال لـ"الغد": "لقد بدأت العمل على فيلمي قبل بضع سنوات عندما قدم الكاتب المشارك ماثيو لاباليا قصة من 8 صفحات عن زوجين يتشاجران على حليب فاسد في مطبخهما. أدركت بسرعة، بالطبع، الأمر لا يتعلق بالحليب. إنهما في الواقع يتفاوضان على الفصل الأخير من علاقتهما، حبهما، وهي فرضية بسيطة تقود لاكتشاف عميق لمشاعر الحب والخسارة".


رمزية "البحر الأحمر يبكي"
الفيلم، رغم كونه عالميا بطبيعته، يقدم قصة بنظرة عربية تمتنع عن الامتثال للروايات الغربية. يوضح الرجوب "العناصر الثقافية هي عناصر أجنبية معينة موجودة في العديد من ديناميكيات العلاقات بين الأعراق"، حيث يكشف الفيلم تفاصيل العلاقات العميقة وتعقيداتها في معرفة شخص ما عن كثب وعندما تظل الذكريات الثقافية والعرقية طي الكتمان دون مشاركة أو بوح.
وعن اختيار "البحر الأحمر يبكي" كعنوان لفيلمه، يشرح الرجوب أن الرمزية في العنوان مرتبطة بالخيارات البصرية؛ حيث يرمز اللون الأحمر إلى الدم والنقاط العابرة التي يراها المرء بعد التحديق في الشمس لفترة طويلة جدا، وهي تحديدا تتشابه مع تفاصيل الفيلم التي تخلق صدى شعريا وعاطفيا.


وعن التنقل بين الفروق الثقافية في الفيلم من خلال علاقة الشريكين، يلفت الرجوب الى أنه اختار سرد قصة دون المشاركة في سياسات الهوية، مبينا أن التحدي كان يكمن في تقديم حكاية مميزة تبتعد عن السرد المتمركز حول أوروبا والاستعارات المرئية، ولتحقيق هذا، تعاون الرجوب مع طاقم أردني، مما يضمن تصويرا حقيقيا للمناظر الطبيعية وشعبها.


منصة عالمية.. تجاوز لكل الحدود
عن عرض فيلمه على منصة "موبي العالمية"، لفت الرجوب الى أنه "عندما يتجاوز الفن حدود اللغة والثقافة، يصبح له معنى عالمي يتردد صداه في قلوب المشاهدين في كل مكان"، وهو ما شعر به عند سماع هذا الخبر، مبينا أن الأمر مثير للغاية وينتابه الفضول دائما عن كيفية استقبال المشاهدين من كل العالم للصور والمشاعر التي يقدمها فيلمه.


ويرى الرجوب أن السينما تواجه تحديات جديدة تقابلها فرصة غير محدودة في هذا العصر الرقمي، خصوصا مع ترويج الأعمال السينمائية عبر المنصات الإلكترونية.
"للسينما بريق لا يخبو"، يبين الرجوب، معتبرا أن الأفلام التي صممت لتكون تجربة جماعية في قاعات السينما، بات من الممكن الآن مشاهدتها في ظروف مختلفة، وهو ما يعد تجربة جديدة في كل مرة.


ويستذكر الرجوب نشأته التي كانت بعيدة عن قاعات السينما، وارتبطت مثل الكثيرين بمشاهدة أقراص DVD من السوق السوداء، ويلفت لأهمية وجود منصات مثل "موبي" التي أحدثت ثورة بتقديم أفلام منتقاة بعناية وتجعل السينما الجيدة متاحة للجميع، في كل مكان.


وبالحديث عن العرض المحلي، لفت الرجوب لوجود خطط لعرض الفيلم في الأردن وبقية الدول العربية، آسفا لصعوبة الوصول للأفلام المتميزة محليا وعربيا وتغدو متاحة للمشاهدة بعد فترة طويلة من إنتاجها، على الرغم من وجود رغبة عارمة في تقديم أعمال فنية عالية الجودة "تعبر عنا وتخاطبنا بلغتنا"، على حد قوله.
وأضاف "أما بالنسبة لمستقبلي الإبداعي، فأنا حاليا أعمل على مشروع جديد مثير؛ فيلم تشويق سياسي رومانسي يدور في عالم موازٍ يشبه عمّان وجنوب الأردن. هذه الأعمال ليست فقط وسيلة للتعبير الفني، بل هي جسر يربطنا بالعالم، معززةً لرسالة السينما كلغة عالمية مشتركة".


علاقة معقدة
ارتباط الجمهور عاطفيا بالفيلم دليل على قصة مؤثرة وإيقاع قصصي ناجح، ويبين الرجوب: "لقد أوجدنا إيقاعا هادئا وأعطينا مساحة للجمهور، تدعوهم إلى التواصل مع الشخصيات والمكان، مما يمكنهم من عرض قصصهم الشخصية وعواطفهم والاندماج في الفيلم".


الصورة والصوت
عمل الرجوب مع المصور السينمائي محمود بلخيل من أجل خلق تلك البيئة التي تعكس العلاقة بين البطلة وشريكها الذي تبحث عنه، مما نتج عنه مشاهد مرتبطة بجوهر المكان والزمان بسرد بصري يكمل العمق العاطفي للقصة.
كما لعب مصمم الصوت جانيس أهنرت والملحن عمر فاضل والموسيقي إدريسي، أدوارا محورية في تشكيل أجواء الفيلم. ويقر الرجوب أن الصوت هو الاختبار الحقيقي لأجواء الفيلم، وهو الطريقة الأكثر دقة لجذب الجمهور إليه.
وتعزز الموسيقا التصويرية المصممة بعناية وتصميم الصوت التجربة الغامرة، مما يخلق خلفية عاطفية دقيقة وقوية.


الفيلم من بطولة محمد نزار وكلارا شوينينج وأحمد شهاب الدين وأنور خليل، وهو شهادة على الجهود التعاونية لمجموعة متنوعة من الممثلين وطاقم العمل، ويعد استكشافا لفارس الرجوب المستمر لرواية القصص من خلال الأفلام وفن الفيديو والأداء.


وشهد الفيلم عرضه العالمي الأول في مهرجان كان السينمائي الدولي، مسجلا نفسه كأول فيلم أردني قصير يشارك في المهرجان السينمائي العريق. ثم خاض بعدها رحلة ناجحة في مهرجانات دولية عدة، كان آخرها مهرجان غينت السينمائي الدولي للأفلام القصيرة ببلجيكا؛ حيث فاز بجائزة جسر الثقافات، وجائزة نجمة الجونة الفضية لأفضل فيلم قصير من مهرجان الجونة في عرضه الأول بالعالم العربي، إضافة للعديد من المهرجانات الدولية المرموقة.


ويقف هذا الفيلم القصير كدليل قوي على اللغة العالمية للحب والخسارة والروح البشرية المتجددة التي لا تفقد الأمل، وترويها السينما بعيون مواهب أردنية.

 

اقرأ أيضاً: 

"البحر الأحمر يبكي" الأردني يحصد النجمة الفضية في"الجونة السينمائي"

"البحر الأحمر يَبكي" أول فيلم أردني قصير ينافس في مهرجان كان السينمائي