إما هضبة الجولان وإما الأمن

هآرتس أوري بار يوسيف 26/1/2020 يوجد لعضو الكنيست تسفي هاوزر كرة من البلور تمكنه من التنبؤ "بدون أي شك"، بما كان سيحدث لو أن إسرائيلي وقعت على اتفاق مع سورية وأعادت هضبة الجولان مقابله ("هآرتس"، 19/1). هذه الكرة تخبرنا عن رائحة إيرانية على شواطئ بحيرة طبرية، وعن دمج قاتل بين الحرب الأهلية في سورية ونهم الحدود الدولية، وعن تدخل عسكري إسرائيلي في الحرب الأهلية من اجل إعادة السيطرة في الجولان، وعن موجات غضب ستجتاحنا لخمسين سنة اخرى على الاقل. واولئك الذين بيننا والذين لا توجد لديهم كرة بلور كهذه، يمكنهم التشكيك ايضا بالنبوءات المتشائمة والجهنمية لهاوزر، وادعاءاته بأن وجودنا في الجولان يحسن أمننا. يحتمل أنه لو أن إسرائيل قد وقعت قبل عشرين سنة على اتفاق مع الاسد الأب، لكانت سورية قد اصبحت أكثر انفتاحا على الغرب ولكانت وصلت الى الربيع العربي مع قدرة أفضل على الصمود أمام الهزات الداخلية والخارجية. من جهة اخرى، ربما لو أننا قد أعدنا الجولان مقابل ورقة عديمة الأهمية، ليس فقط أن الايرانيين كانوا سيغمسون الآن ارجلهم في مياه طبرية – بل حتى كانوا سيسبحون في شاطئ الليدو في طبرية. باختصار، لا يمكننا معرفة ما الذي كان سيحدث. نحن بالفعل نعرف ماذا حدث: بين سوريا واسرائيل لا يوجد اتفاق. وإسرائيل تواصل السيطرة على منطقة جغرافية يعتبرها السوريون والعالم (باستثناء الرئيس ترامب) أرض سورية تماما. ورغم ذلك، الروتين اليومي المدني في الجولان تقريبا لم يتم خرقه في السنوات الثمانية للحرب الأهلية. لا يمكن تفسير هذا الهدوء في ظل غياب دافع سوري لتحرير هضبة الجولان، هذا الدافع يوجد لدى جميع الفصائل في الحرب الاهلية، بما في ذلك مقاتلي حزب الله وحرس الثورة، وهو أقوى بكثير من دافع وضع الأرجل في مياه بحيرة طبرية. لذلك، جميع الادعاءات التي تقول إنه لو أننا توصلنا الى اتفاق سلام مقابل الجولان لكان وضعنا الأمني سيكون اسوأ، هي هراءات. حسب خطة السلام التي كانت على وشك التوقيع عليها، فان الجيش السوري كان يجب أن ينتشر في شرق دمشق، أي أن يبتعد بصورة كبيرة عن الخط الحالي. وأي تقدم للجيش نحو الشرق ولحزب الله أو حرس الثورة كان سيعتبر اختراق للخط الاحمر، ويمكن الافتراض أن السوريين (شبيها بمصر التي يوجد لنا معها اتفاق مشابه) كانوا سيكونون حذرين منه. في الحقيقة، السؤال المهم حقا هو هل وجودنا في هضبة الجولان يعزز أو يضعف أمن إسرائيل. للوهلة الأولى، أفضلية التواجد في الهضبة، حيث الطفلة من غدوت لا يجب عليها الجلوس في الملجأ والمدفعية تهدد دمشق، واضحة تماما. الى حين احتلال هضبة الجولان في العام 1967 كانت المدافع السورية تقصف حقا مستوطنات إسرائيلية في الشمال. وحقيقة ايضا هو أنه منذ ذلك الحين توقف هديرها. ولكن المدافع السورية في الهضبة استبدلت بكاتيوشا تنظيمات للمخربين في جنوب لبنان. وبعد ذلك عندما تم طرد م.ت.ف من لبنان تطور هناك تهديد لا يقل خطورة عنها، حزب الله. كل ذلك تم بمباركة ومساعدة النظام في دمشق. بكلمات اخرى، السوريون وجدوا في جنوب لبنان البديل عن هضبة الجولان كمنصة لتهديد إسرائيل. ولكن التهديد الاهم حقا هو ترسانة الصواريخ والقذائف التي بنيت في لبنان والآخذة في البناء في سورية في العقد الاخير. هذا العقد الذي كان فيه بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة وهاوزر كان سكرتير الحكومة ورؤساء حزب هاوزر، بني غانتس وغابي اشكنازي وموشيه يعلون، تولوا المناصب الامنية العليا. هذه الترسانة تشمل حسب تقديرات مختلفة نحو 150 ألف صاروخ وقذيفة، الكثير منها ذات قدرة على تغطية منطقة دان. وقد بنيت في المقام الاول لردع اسرائيل عن القيام بمهاجمة المنشآت النووية الايرانية. ولكن مجرد وجودها يخلق تهديد غير مسبوق للجبهة الداخلية، والبنى التحتية واهداف عسكرية واستراتيجية. وكلما زادت دقة الصواريخ يزداد خطرها. إسرائيل لم تقف في أي يوم امام تهديد كهذا، ويوجد امامها سبيلين لمواجهته: استخدام القوة، والمعركة بين حربين في السنوات الاخيرة سعت الى تقليص ابعاد الهجوم، لكن بنجاح جزئي فقط. وما هو موجود الآن اصبح يصعب تدميره. رئيس الأركان في خطابه في المركز متعدد المجالات وتقدير الاستخبارات العسكرية الذي نشر مؤخرا، ألمحت الى رفع مستوى النشاطات العسكرية ضد جهود التسلح، من خلال استغلال ما اعتبر كضعف ايراني. هذا التصعيد يمكن أن يؤدي الى اندلاع حرب الشمال الاولى التي فيها يمكننا فقط أن نخسر. لا يجب أن تكون صاحب كرة بلور كي تفهم كيف ستظهر منطقة دان بعد أن تضربها آلاف الصواريخ. البديل هو قبول التهديد كما هو وزيادة سياسة ردع اسرائيل ازاء ايران وحلفائها في المنطقة. هذا الردع سيكون فعال ايضا بسبب التفوق التقليدي في الجيش الإسرائيلي، وبسبب القدرة غير التقليدية المنسوبة لإسرائيل. وكذلك بسبب أن القيادة الايرانية لم تدلل حتى الآن على وجود ميول انتحارية لديها. ولكن من اجل تقليص العداء والاحتكاك العسكري الذي يمكن أن يؤدي الى حرب، يجب على اسرائيل أن تعمل ايضا في المستوى السياسي. تعامل ايجابي مع اقتراح السلام الذي قدمته الجامعة العربية، الذي في اساسه اعادة المناطق التي احتلت في 1967 مقابل انهاء النزاع، كما اقترح على سبيل المثال ماتي شتاينبرغ ("هآرتس"، 11/1)، هو أكثر الخطوات المرغوب فيها. تصريحات مشابهة للتصريحات التي يطلقها هاوزر بأن الجولان ستبقى في أيدينا الى الأبد، يمكن أن تؤدي الى نتائج عكسية.اضافة اعلان