الكلاب الضالة: مطلوبة "حية".. والمواطن وحيدا في مواجهة خطورتها

عقر الكلاب-01 copy
عقر الكلاب-01 copy

تحقيق: حنان الكسواني

عمان- بين عملية تعقيم الكلاب لتطبيق تعليمات الرفق بالحيوان باستخدام كود عالمي يسعى إلى تحقيق التوازن البيئي، وقع المواطن ضحية صراع قانوني وأخلاقي حول أنجع الطرق للسيطرة على الكلاب الضالة بين الأحياء السكنية والحد من شراستها.

اضافة اعلان


وكبّل هذا الكود الهادف إلى حماية الكلاب أيدي الحكومة وأمانة عمان من إطلاق "رصاصة" على الكلاب الضالة، وضرب بمطالبات أغلب سكان المملكة بالعودة إلى قنص الكلاب الضالة، عرض الحائط، رغم أنه الحل الأسرع لمكافحة هذه المشكلة التي باتت تؤرقهم.


في المقابل، تعالت أصوات أخرى من مواطنين وجمعيات رفق بالحيوان تطالب بالاستمرار في برامج التعقيم وعدم قنص الكلاب او تسميمها، باعتبارها طرقا "بدائية"، فيما بدأت الكلاب البلدية "الكنعانية"، تتوالد بكثرة وتجوب الأحياء السكنية بحثا عن طعامها في كل مكان، غير مكترثة بـ"لحم الإنسان"، لسداد جوعها.


في المقابل، دخلت الحكومة وأمانة عمان في مواجهة شعبية وبرلمانية ونقابية، ومن جمعيات الرفق بالحيوان، حيث وجهت إليهما أصابع الاتهام بـ"التقصير والفوضى في طرق التعامل مع الكلاب".


ووفق تقديرات جهات رسمية، تبلغ حالات العقر من الكلاب 6 آلاف حالة سنويا، تكلف خزينة الدولة نحو 3 ملايين دينار لعلاجها، لكن التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن وزارة الصحة للعام 2020 وثق قرابة 3450 حالة عقر، ما يؤكد حقيقة تضاعف انتشار الكلاب في مختلف أنحاء المملكة.


لماذا يغرم المواطن 200 دينار؟


رغم أن أغلب المواطنين يجهلون تفاصيل حول طرق عالمية تخلصهم من الكلاب أو حتى معرفة آلية التواصل مع أمانة عمان للتبليغ عن الكلاب الضالة، غير ان "الأمانة" تعتمد على تطبيق الكتروني فقط للتواصل معها، حتى وان تم الاتصال هاتفيا معها.


بدورها، قامت معدة التحقيق بتقديم شكوى رسمية؛ لتتفاجأ بعد عدة محاولات وانتظار طويل لتعبئة بيانات ضمن الخانات المطلوبة أنها بحاجة الى "خريطة ارشادية"، حيث تتضمن المعلومات، إلى جانب الشخصية منها، معلومات إضافية حول المنطقة الجغرافية التي تقطنها، ما يتطلب "مخطط دائرة أراض"، وهي طلبات أقل ما يقال فيها أنها "تعجيزية".


وفي اليوم التالي، تلقت "الغد" من أحد الموظفين المخول بمكافحة الكلاب الضالة، اتصالا هاتفيا قال فيه: "ابعثي اللوكيشن وبنطلع، لكن إذا كانت الكلاب متحركة فأفضل طريقة أن تستعملي قفصا حديديا عبارة عن فخ لصيد الكلب، في حديقة منزلك او بالقرب منه، واربطيه جيدا حتى لا ينسرق".


ولم تقف الاجراءات عند هذا الحد، بل يتم تسليم المشتكي قفصا حديديا ارتفاعه متر ونصف، وعرضه متر واحد، ويوقع على استلامه من قبل موظف الأمانة، على سبيل "العهدة"، ويدفع ثمنه إلى صندوق أمانة عمان في حال ضياعه.


"ضعوا اللحمة والدجاج وبقايا الطعام في القفص، المهم أن تستدرجوا الكلاب إلى القفص".. بهذه الكلمات شرح موظف الأمانة، بالتفصيل، آلية ضبط الكلاب "المسعورة" التي يتوجب على المشتكي ان يتبعها، إلى حين تحرك فرق الأمانة، ونقل القفص بما حمل، الى مركز خاص لتعقيم الكلاب.


واستغرب الموظف في حديثه لـ"الغد"، سلوكيات بعض المواطنين الذين إما أن "يسرقوا أو يتلفوا" القفص، بينما يلجأ بعضهم إلى تخليص الكلاب من سجنها، ما يعيق جهود الأمانة في مكافحة الكلاب.


والإجراء ذاته، استخدمه نقيب الأطباء البيطريين السابق الدكتور عبد الفتاح الكيلاني، بعد تقديم شكوى إلكترونية للأمانة من انتشار مجموعة كلاب ضالة في منطقته، غير أن فرقا تحركت نهارا ولم تجد أي كلب كونها متحركة، بحسب قوله لـ"الغد".


وتفاجأ الكيلاني برسالة الكترونية بانه "تم اجراء الكشف الميداني ولم نجد الكلاب"، واغلق الطلب، بحسب قوله، معتبرا أن وضع المواطن في مواجهة الإمساك بالكلاب يدل على عجز الحكومة وتخبطها في حل مشكلة حقيقية.


ويرى الكيلاني ان تطبيق كود عالمي لحماية الكلاب، يحتاج الى إمكانيات فنية وطبية ومالية، وبرامج توعوية للمواطنين بالابتعاد عن الكلاب قبل تعقيمها، فإذا تعرض أي شخص للعقر وظهرت عليه أعراض مرضية، فلا بد من تلقي لقاحات داء الكَلَب على سبيل الوقاية.


وفيما اقترح الكيلاني اعتماد أسلوب إبر التخدير للكلاب الضالة، ومن ثم تعقيمها في مراكز خاصة وإعادتها الى مكان تواجدها الأصلي، ذهب رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية الدكتور أحمد الشريدة الى اقتراح تعقيم الكلاب الكنعانية وتحصينها ليصار الى طرحها للتبني وتربيتها في المنازل وبخاصة صغارها.


وأضاف الشريدة: "في ظل عجز بعض البلديات عن حل المشكلة، وبالذات في شمال المملكة، لجأ بعض المواطنين الى خيار القنص او تسميم الكلاب"، لافتا إلى أنه في حال استمرار هذه العمليات فإنها ستؤثر على التنوع الحيوي، ما يستدعي تدخلا سريعا من سائر الجهات الرسمية والمجتمع المدني لايجاد حلول عملية ترضي جميع الأطرف.


وبحسب مصدر رفيع المستوى في أمانة عمان- فضل عدم ذكر اسمه-، يرى أن "تدخل التمويل الخارجي في تلك القضايا التي تتعلق بالرفق بالحيوان قد تصطدم بالبرامج الوطنية وتقيدها، رغم نجاعتها عند تطبيقها على أرض الواقع".


وأضاف: "بدأنا منذ أعوام بقنص الكلاب الضالة بالإبر المخدرة بدلا من استخدام الرصاص الحي، وهو إجراء يتماشى مع ما هو معمول به في دول متقدمة، حيث يصار بعد تخديرها إلى جمعها ونقلها إلى مركز رعاية الحيوان التابع للأمانة في منطقة الموقر".


تسميم الكلاب ورشقها بالحجارة


وبعد أن رفض أغلب المشتكين فكرة تحمل مسؤولية القفص الحديدي وإطعام الكلاب لغرض استدراجها الى منازلهم، توجه بعض المواطنين الى طرق تقليدية منها تسميم او رشق الكلاب بالحجارة لإبعادها عن مناطقهم.


وباتت هذه الطرق تستخدم بعد ان عجز المواطنون عن ايجاد حل لمشكلتهم، وهي الطريقة التي لجأت اليها الخمسينية ام عبير في منطقة طبربور، بعد محاولة كلب مسعور الهجوم على ابنتها ذات السبع سنوات، فيما باءت كل اتصالاتها بالأمانة بالفشل، فاضطرت إلى رشق الكلب بالحجارة.


وتجهل ام عبير أن المادة 452 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته، جرمت "قتل حيوان غير مملوك للفاعل بالحبس لمدة لا تتجاوز سنتين"، كما جرمت المادة ذاتها "من ضرب أو جرح حيوانا بصورة تؤدي إلى منعه عن العمل أو تلحق به ضررا جسيما، بعقوبة الحبس بمدة أقصاها شهر أو بغرامة لا تتجاوز 20 دينارا".


أما المواطنة أحلام فألقت باللائمة على الأهالي، قائلة عبر حسابها فيس بوك: "ضبوا أولادكم، وعلموهم كيف يتعاملون مع الحيوانات. إلنا ثلاثين سنة عايشين حوالينا الكلاب ولا بعملوا اشي، وما بتعدوا غير على اللي بعذبهم وبآذيهم".


وألمح المواطن م. نعمان الى ضرورة العودة إلى قرار القنص، بقوله: "الحل موجود لكن يحتاج إلى قرار جريء مثلما كانت تفعل البلديات أيام زمان".


من جهته، أكد نائب رئيس جمعية الربيع لحماية البيئة الدكتور عبد الله العثامنة، وهي الجمعية التي تؤوي حاليا 500 كلب سائب في العقبة وتقدم لها الرعاية والعمليات الجراحية من خلال تعقيمها لمنع تكاثرها، أكد أن الملجأ لن يتمكن من استقبال المزيد بسبب عدم تقبل "العقباوية" عودة تلك الكلاب، وضعف الدعم المالي والفني والطبي الحكومي لملاجئ الكلاب.


ونظرا لأن الكلاب عادة ما تكون ضحية لسلوكيات بعض المواطنين الذين يستخدمون القنص والسموم والدهس عمدا، يبرز متبنون للكلاب الأردنية من أغلب الدول الأجنبية، وبخاصة الكلاب ذات الإعاقة الجسدية، حتى وان بلغت تكلفة السفر 1500 دينار، بحسب العثامنة.


وثمة تساؤلات عديدية طرحتها "الغد" على المهندسة شتوره العدوان، مديرة ضبط ناقلات الأمراض ورعاية الحيوانات في امانة عمان، حول إقحام المواطن بمسألة "اصطياد" الكلاب، ودفع مبالغ مالية للقفص الحديدي، حيث أوضحت أن فرق المديرية تتوجه مباشرة الى منطقة الشكوى لتقصي الموقع، وفي حال وجود الكلاب يتم الإمساك بها مباشرة"، لافتة الى ان بعض أعضاء الفرق يتعرضون للعض أثناء عملية الإمساك بالكلاب الضالة.


وتضيف العدوان: "لكن، في حال كانت الكلاب متحركة، فالحل الأفضل تسليم المشتكي القفص الحديدي لصيد الكلاب الضالة بعد موافقة خطية منه"، مضيفة: "بما أن القفص هو بمثابة عهدة على موظف الأمانة فيتم تغريم من تسبب بضياعه، وثمن القفص الواحد 200 دينار".


وفعلا، تعرض أكثر من قفص الى السرقة في مناطق عمانية، بنما ذهب بعض المواطنين الى تخليص الكلاب من الصناديق، وتعرض بعض موظفي الأمانة الى شتائم وإهانة في حال إمساكهم بالكلب، وفق العدوان التي قالت "إن أفضل برنامج للسيطرة على الكلاب هو تطبيق كود (أي بي سي) العالمي للسيطرة على الكلاب، وهو ذو نتائج ملموسة لكنها ليست آنية".


وبمقتضى تعليمات (أي بي سي) يتم القيام بإجراء عملية تعقيم للكلاب للحد من توالدها وشراستها؛ باستئصال رحم أنثى الكلب، والجهاز التناسلي للذكر، وبعد ذلك بأسبوعين يتم إطلاق سراحها الى منطقتها، بعد التأكد من خلوها من الأمراض المشتركة مع الإنسان، حيث يتم وضع علامة على جسم الكلب المعقم لتمييزه عن الكلاب الأخرى.

ضياع ملف "الكلاب الكنعانية"


وما زاد الطين بلة، وضوح غياب التنسيق بين الجهات المسؤولة عن ملف الكلاب التي تهدد حياة المواطن، بدءا من وزارة الإدارة المحلية "البلديات" التي تتذرع بضعف المخصصات المالية لإنشاء مراكز التعقيم والتطعيم، متعهدة بتوفيرها ضمن ميزانيتها العام الحالي.


واكتفت وزارة البيئة بتصريحات إعلامية "رنانة" صادرة عن وزارة البيئة تتغنى بأنها "ستعمل مع كافة الجهات المعنية بهدف الوصول الى حل يصب في الصالح العام، وبما يحقق التوازن البيئي".


بينما تمركز دور مديرية الأمراض السارية في وزارة الصحة في دعوة "الإخوة المواطنين، في حال عقر أحدهم، بأن لا يترددوا بمراجعة المراكز الصحية المختصة، كون هذا المرض معديا ومميتا، لعدم وجود علاج لداء الكلب الفيروسي".


ووثقت جهات صحية العام الماضي وفاة شابين بداء الكلب تعرضا للعقر في منطقة الوجه، حيث انتقل الفيروس سريعا الى الجهاز العصبي المركزي للدماغ. فيما توفي طفل من جنسية عربية بعد أن نهشته كلاب ضالة في محافظة المفرق، في حين جزم د. العثامنة أن الأردن "لم يسجل أي حالات جديدة بمرض السعار منذ سنتين".


أما وزارة "البلديات" فأشارت الى أهمية التنسيق مع وزارة الصحة العام الماضي، وأكدت ضرورة إنشاء مراكز تعقيم وتطهير للكلاب، حيث تم البدء بتطبيق ذلك في 3 بلديات هي الخالدية، والضليل، والحلابات، من خلال تجميع الكلاب وتعقيمها وتمييزها بعلامة خاصة وإعادتها إلى مكانها.


بدورها، ما تزال أمانة عمان تنتظر شكوى إلكترونية حتى تطلق أيادي فرقها للإمساك بالكلاب، كما تطلب من المواطنين تحمل مسؤولية وضع قفص حديدي للقبض على الكلاب، وتغريم من يضيع القفص 200 دينار.


وأما مجلس النواب، وفي ظل انشغاله بانتخاب رؤساء ومقرري لجانه الدائمة نهاية العام الماضي، فقد خرجت القضية من دائرة أولوياته، رغم تعهدات أطلقها رئيس لجنة الصحة والبيئة السابق الدكتور أحمد السراحنة بمتابعة ملف الكلاب الضالة، في ظل غياب الاجراءات القانونية للقضاء على هذه الظاهرة.


وهذا ما أقره السراحنة في تصريح خاص لـ"الغد"، لكنه استدرك قائلا: "سنوجه قريبا سؤالين نيابيين إلى أمانة عمان والبلديات للكشف عن ملابسات القضية".


من جانبها، تؤكد نقابة الأطباء البيطريين الأردنيين، بحسب نقيبها الدكتور مهدي العقرباوي، أن التنسيق بين الجهات الرسمية والنقابية موجود لكنه بحاجة إلى تفعيل، مشددا على أن الحل الإنساني للسيطرة على الكلاب الضالة بتطبيق نظام تعقيمها، والذي لا يؤثر عليها صحيا بل يحد من توالدها ويخفف من شراستها ومهاجمتها للناس".


أما جمعية الربيع للرفق بالحيوان، التي أسست أول ملجأ للكلاب المتخلى عنها والضالة في محافظة العقبة، فتجد أن غياب التنسيق الحكومي وتنصل الحكومة من دورها في دعم ملاجئ الكلاب في الأردن، ماليا وفنيا وطبيا، وضعف العمل التطوعي من الأطباء، كلها أسباب اجتمعت لتفاقم من المشكلة، بحسب قول رئيستها روديكا العثامنة لـ"الغد".


وبحسب منظمة الصحة العالمية، ما يزال مرض السعار يقتل شخصا واحدا كل تسع دقائق عالميا، وما يقرب من نصف الوفيات أطفال، لذلك تم تنظيم منتدى "متّحدون لمكافحة داء الكلب"، لتسريع التقدم صوب وضع حد للوفيات البشرية الناجمة عن الداء المنقول بواسطة الكلاب، بحلول العام 2030.

إقرأ المزيد :